عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-05-2008, 12:49 PM   #13
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"]بسم الله الرحمن الرحيم
مساحات خضراء
(إلى خلود الخير الراقدة هناك فى العناية المركزة على حافة الحياة..تنتظر إذن الولوج إلى العالم الذى يختاره لها ربها..نسألكم الدعاء)
كم بقى لي؟؟؟
سؤال يسأله كثير من بني آدم لأنفسهم في مراحل متفرقة من حياتهم..ربما تخبو علامة استفهامه في أحيان الزهو والنجاح وتكالب الأعمال والمهمات على أعمارنا المحدودة لكنها تسطع وتقوى وتصرخ فينا حين تصفو العقول والقلوب..حين يقرع الشجن نبضنا لنفتح له نافذة يخترقها إلى أعماقنا وأرواحنا..فتطل الحقائق فى مرايا النفوس المستوية المصقولة دون تزييف أو تزوير..ودعونا نتفق أن الأمر يختلف باختلاف الشخصيات والمواقع أو بمعنى آخر يلتبس على البعض إذ يلقي على نفسه نفس السؤال الذى بدأنا به دون أن يصل إلى المقصد الذي نريد..فهو حين يبحث عما بقى له..لا يلتفت إلى الذى بقى له من نفسه..ولكن إلى ما بقى له من ممتلكات ومدة تملك..وهو منحى مختلف ينطلق من نقاط ضعف إنسانية وبؤر ظلام لم تر بعد الأمور على حقيقتها بدون نقاب لا من ومضة نور تحلم بأن تصبح فى الغد القريب شمساً تضيء العالم بأسره لا جنبات صاحبها فحسب..لذا فإذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا فلنسأل بالتحديد: ماذا بقى لنا منّا..وكم نستطيع أن ندخر مما تبقى للذى يبقى؟..
ربما نعرف أن بداخل كل منا خيراً وشراً..كل إنسان –إلا من عصم ربي-يحمل في طيات نفسه ميلاً للخير وضعفاً تجاه الشر الذي يزينه هو لنفسه أو غيره..والفعل والضمير هما الشاهدان على كونه منتمياً لأحد الدربين..لكن المسألة أدق من مجرد الانتماء..فالشر حتى لو لم يكن فاعله منتمياً إليه..يختصر العمر..يلتهمه..يدخل صاحبه إلى التيه الذى دخله بنو إسرائيل قديماً لكنه..إن لم يتداركه خير.يتعدى أربعينهم و يمتد ليشمل الدنيا والآخرة..يأسر مصدره وراء قضبان لافكاك منها إذا أصر على ألا يرى مفتاح حريته..
إن كل راحل مهما أسموه بـ (خالد الذكر) و(الحي داخل قلوبنا) سينتهى لامحالة ذكره من الدنيا يوماً ما..قد يأتي هذا اليوم بعد شهر أو بعد سنة أو ربما بعد قرون..إنها الحقيقة التى لايستطيع إنكارها مؤمن ولاكافر..والعاقل هو الذي يضيف لعمره الذى يعيشه ويحمله فوق كاهله مساحات خضراء تروي عطش الحصار الذي تفرضه عليه ساعة التوقف التى لاتكف عن الإعلان عن نفسها مع كل نفس يدخل أو يخرج من صدره..هذه المساحات لا يبعثها من مواتها إلا الخير..والخير هنا لا يعني مجرد قروش تلقى في يد سائل أو أثواب تبعثر فوق أجساد عارية نشترى بها ضمائرنا ونرضي بها خوفنا..لكنه يعني رحابة القلب الذي يتسع ويتسع ليحتضن الكون كله ويحتويه وهو لا يعدو حجم قبضة يد..الخير هو الذى يجعل صاحبه –بإذن الله-أقدر على الحياة وأقوى على الموت..فالموت يحتاج من الراحل إلى قوة يعبر بها إلى الشاطيء الآخر بقدم أثبت وروح أصفى..يحتاج إلى أن يترك رفيقه والمتصف به موضع قدم آمناً يجعله آخرون منطلقاً لرحلات ناجحة وعبور عظيم..وإذا كان الملائكة هم مخلوقات الله التى جعلها رمزاً للخير وأهله..فبنو آدم هم مخلوقات الأمانة والاختيار..وعليه فإذا لم تستطع أن تمد يداً تنقذ بها غيرك فلا أقل من أن تفعل ذلك مع نفسك لتحيا..فالموت يلاحق البشر من المهد إلى اللحد ..وهذا الأخير ليس موت الجسد فحسب بل موت الإيمان والضمير والانتماء والمعرفة والبصيرة والقدرة على الاستكمال الأصوب لرحلة إجبارية لابد أن تتم كما بدأت..ربما أثبتت علوم الأخلاق والنفس والطاقة والبرمجة اللغوية العصبية وتنمية الشخصية وتطوير الذات أهمية الخير والتسامح والقيم الجميلة فى تغيير الإنسان وواقعه..ربما نسمع النصائح ليل نهار في البيت وقاعات الدرس ووسائل الإعلام بل ومن أصدقائنا ورؤسائنا وزملائنا وممن لم نعرفهم إلا معرفة عابرة..ربما رويت لنا عشرات القصص التى تحض على الخير وتنفّر من الشر..لكن الحقيقة التي لانستطيع إغفالها أو تكذيبها هي ذلك النور الذي لمس روحنا و أضاء جنباتنا في لحظة ما إثر خير صدر منا..هي تلك الدفعة التي تلقيناها لنكمل طريقنا ونحن نحمل في صدورنا راحة غير مرئية موحية بالرضا والسعادة والأمل فى أجمل مافي الدارين..
كم بقى لي؟؟؟
إن العمر غاية فى القصر..انظر إلى مافات من حياتك ..سيمر شريطه بسرعة البرق فى أقل من دقيقة كأنه حلم مهما كان عدد السنوات الهاربة من بين أيدينا..وأحياناً..كأن بطل هذا الشريط شخص آخر غيرك ذهب بلا عودة..ولأن الوقت محدود وتنبيهه أوشك على الرنين..فعليك أن تستمع لمن يصرخ فيك قائلاً: عش حياتك..لكن احذر فذكاؤك يفرض عليك أن تميز معنى العيش ومعنى الحياة وتنفذ إلى أعماقك بصدق لتعرف إن كنت بالفعل حياً أم من جملة الأموات..
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس