عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-11-2009, 07:23 AM   #462
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

معروف أن شكل القمر وتقلباته في السماء من الأشياء التي تعكس حالة المبدع وتعبر عن اقتران تجربته بهذا القمر لأنه يسقط سماته على نفسه ،والفكرة نفسها من حيث هي فكرة مكررة للغاية،ولكن الذي يميز هذا النص هو هذا التصوير للقمر وتشبيهه بالغادر ، مخالفة لما اعتاد الأدباء ودرجوا على استعماله ، وفي البداية تبدو الملامح لدى المبدع أو من يتحدث المبدع على لسانه ذات طبيعة مناقضة للمنطق ، وهذا التناقض مرده إلى أن حالة الفرح هي حالة لا تخضع لمعايير العقل فيرى المبدع في نارها متعة الضوء وفي نسائمها جليد البلل ! لذلك يكون صوت الريح للمبدع هو صوت سيمفونية جميلة ومرد هذا الجمال إلى الحالة المستحوذة على الليل رقص نغم.وسيطرة هذه النشوة تبلغ ذراها عندما يكون اصطدام البحر بأحجار الشاطيء رقصًا هو الآخر وهنا أجد أن من الأنسب أن يكون هذا تصفيقًا لا رقصًا لأن الرقص في ذاته حركة جسدية لا صوت فيها وصوت الحجارة عندما تصطدم بالبحر ليس فيه شيء من خواص عملية الرقص. وفي السطرين الآتيين تنبيه لموضوع هام يعد هو مربط الفرس :


وتحكي قصة الريح
عجيبة قصة الريح



كان لابد من وضع نقاط أو نقطتين بعد كل سطر على الأقل ليفهم القارئ حالة الانتقال إلى مشهد جديد ، وكان من الضروري أن يحتوي السطران على حالة نفسية أو صورة توازي دلالة الريح كأن يذكر المبدع مثلاً بعد كلمة عجيبة قصة الريح :"وتصهل الخيل" أو" وتدق الطبول.." ،لكي يكون هناك إشارة رمزية وتمهيد للفكرة القادمة والتي تتمحور على فلسفة الريح ودلالتها الإنسانية لدى المبدع.


ومن المنطقي أن يتبوأ القمر مكانة عليّة في النص لكن المفاجأة في أن يكون ملكًا مسيطرًا حاكمًا متحكمًا إذ جرى العرف في كثير من الكتابات أن يكون حزينًا أو مدللاً لكن شتان بين المدلل وبين الحاكم ذي الرأي الأخير.وجملة القمر في السماء يشاهد مسرح الأحداث أكدت على هذا المعنى من الاستعلاء .وعلى القارئ أن يحاول الربط بين القمر وإسقاطاته المختلفة والتي قد تكون منسحبة على أشخاص ذوي سلطات اتخاذ للقرار الاستراتيجي .


إن حياة الإنسان مجموعة من المشاعر والمواقف ، ولا يتخذ الإنسان قرارًا إلا بناء على مبرر حتى وإن كان خاطئًا ، وهنا عندما يكون المشهد رقيقًا جميلاً بسيطًا ثم يقوم القمر بإنهاء هذا الحفل فإن ذلك فيه إشارة إلى هذا المحبوب والدلالة تنسحب على مستويات أخطر بكثير المتقلب مزاجيًا والذي لا يرتضي للسعادة أن تدوم .لماذا يريد القمر إنهاء الحفل ؟ هل لأنه يشعر أن هذه الحفلة ليس هو عضوًا فيها مدعوًا إليها بشكل مباشر ؟ هل لأنه يخاف أن تُنسي هذه الليالي والأنغام الناس أن هناك قمرًا لابد أن يُلتفت إليه ؟إن ثمة شيئًا يلفت الانتباه في النص وهو غياب النجوم والتي هي أعز أصدقائه مما يشير إلى هذه الحالة من التفرد والأنانية التي تعتريه (القمر في الظاهر وأشياء أخرى في الباطن)والنص يجعل من القمر رمزًا لتلك الخدعة الكبرى والتي توحي ظاهريًا بالجمال لكنها تخفي خلفها قدرًا كبيرًا من التسلط .


وفلسفة المبدع في حضور وغياب القمر تبرِزُ شعورًا بانقلاب معاني الأشياء لديه ، فالقمر يعد رمزًا للتسلط ، بينما يعد الريح رمزًا للمتعة والجمال الصوتي .وعلى الرغم من غرابة الرؤية إلا أن البرهنة عليها من خلال التوصيفات المختلفة لكل شيء أقنعت المتلقي (أنا على الأقل) بعمق هذا الإحساس والذي تأتي فيه كلمة الفراق في النهاية ،ليصير الليل والريح أحد ضحايا القمر والذي لم يجد من يحتفي به أو يُشرِكه في احتفالاته السعيدة.


النص له رمزية تتجاوز الجانب الرومانسي لتعبر عن الخدع التي يعيشها الإنسان ويحسبها مسلّمات طبيعية لا شك فيها ، وجاء ليعبر عن نمط استبدادي من البشر يحرص دائمًا على أن يكون هو مسقط الضوء حتى ولو كان هو نفسه نبع الضياء ، وللعمل أوجه أخرى محتملة من التأويل.


عمل مميز أحييك عليه دمت مبدعًا وفقك الله .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 05-11-2009 الساعة 09:48 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس