عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 06-11-2009, 08:59 PM   #469
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

كثيرًا ما يتفرد المبدعون بجوانب لا تكون في غيرهم عند تناولهم بعض النصوص ، وهذا التفرد قد يكون تفردًا منتظمًا كل الأعمال الأدبية أو أغلبها ، وقد يكون عارضًا عابرًا متحققًا في عمل واحد أو عدة أعمال لا تتجاوز أصابع اليد الوحدة .
وكيفما كان الأمر فالأهم دائمًا هو أن يتوافر في عمل المبدع بعض العلامات
التي ما يسمى (ماركة مسجلة) خاصة به ، وتميزه عن الآخرين.
وفي هذا النص –رغم أن الموضوع عادي للغاية- إلا أن ثمة شيئًا ميز النص بشدة يتحقق في هذا الاستخدام لمفردا الحياة اليومية بشكل غير معتاد
ويذهب إلى مزجها في خميرة العمل الأدبي لتُخرِج وجبة بنكهة هذا المفرد المستخدم في العمل .



وفي هذا النص تبرز بدرجة كبيرة هذه الخصيصة وهي الاستخدام للتعبير تبادل الرهائن كواجهة أو مدخل للنص وركيزة يقوم عليها ، وتبادل الرهائن ها هنا جاء
ليكون تعبيرًا عن التأثير المتبادل ، فكل طرف من أطراف المعادلة العاطفية


يتفرد باستحواذه على شيء في وجدان الآخر .
ومن غير المصادفة (إذ لا مصادفة فكل شيء في الكون بتقدير الله تعالى) أن يكون ما قبل الأسر هو ذلك الشكل الممهد له وهو الاتجاهات الأربع ، تلك التي لي من مكان إلا وهي فيه تلك المسلّمة تأتي تمهيدًا للأسر في إطار يوحي بالمواجهة ، فالشرق بفعل هذا التقاطع مفصول عن الغرب والشمال مفصول عن الجنوب ، هذا الجانب الرمزي
أكد على فكرة المواجهة والتي هي وليدة عملية الأسر .
والأسر في نطاق التواصل الوجداني يتخذ شكلاً مختلفًا إذ يبدو محيرًا أهو ما لا يعيش الإنسان إلا في رحابه ؟أم هو سجن يفوق السجن المادي في صعوبة التخلص منه ؟
عمومًا فإن المبدع في هذه الخاطرة قد بدأ يسرد محتويات هذا الأسر والذي يعبر به عن حب كان لازمًا التخلص منه .
وتبدأ المبدعة في سرد هذه الأشياء التي سُلِبت لتصبح الدهشة الأولى ، وأن الذي أُسِرَ ليس العمر ، ولا الذهن ولا الفكر وإنما هو واحد من أدق التفاصيل الجسدية وأغلاها وهي العين غير أن مبدعتنا العزيزة قد انجرفت إلى سيل السرد والبرهنة
غير المطلوبة حين كانت هذه العبارة تعبيرًا عن حديثها على لسان الرجال :

ردى لي عيني فطالما تعودت ألا ترى إلا طيفك
حين يمر بخاطري فأظل أتحدث معه حتى يغفو على صدري

والأنسب أن تأتي المبدعة بما يؤكد معنى الأسر كأن تقول مثلاً لقد كانت غزوات طيف عينيك لا تجدي معها حصون قلبي ..غير أن هذا لا يقلل من قيمة العمل بوجه عام
وذات المأخذ تكرر بنفس الطريقة في السطرين التاليين لهما :


و أذناى لم تشغفا لحديث إلا لصخب صمتك

حين تدوى ضحكاتك الطفولية تداعب نبضات قلبي




لأن الأذن والعين أخذتنا سمة القيام بالفعل الإرادي أظل أتحدث ، تشغفا ، وإن كان تعبير صخ بالصمت تعبيرًا عبقريًا عن شدة الأفكار المتتابعة في الذهن ولكنها تظل صامتة لأنها لم تخرج إلى حيز الشفتين.تعبير صخب الصمت من التعبيرات التي تحدث روعة من خلال تعبير صخب الصمت من التعبيرات التي تحدث روعة من خلال
المفارقة في التكوين ، إذ أن هذا الصمت يتجمع ويتوالد حتى يحدث تراكمه ما يسمى لغة
وصخبًا ، إذ أن فلسفة الصخب والصمت تنسحب لتكون تلك الحالة التي يحدث فيها
الصمت وقعًا لا يفعله الحديث . ولهذا السبب فإن كثيرًا من حالات الصمت تعطي دلالة نفسية
أعمق من ألف كلمة اتكاء على السياق الموقفي .
ولكن تأتي المفاجأة الأقوى في هذه الصورة :


أليست تلك شفتيّ المرتسمتين على جبينك؟


إذ يغدو الجبين هو مكان الشفتين وإن كانت لفظة مرتسمتين تغير من قوة هذا التعبير
لكن التعبير أعطى صورة ذهنية تشكيلية جميلة للشفاه حينما ترتسم على الجبين ، وتقبيل الجباه يدل على شيء من الرقة كما يدل على تعظيم للآخر وهذا يعطي
الشعور بقوة هذا الطرف الآسر الذي لم تتحدثي على لسانه وفضلتِ الحديث على لسان الطرف الآخر ، ربما نكاية وربما تضامنًا مع كل عواصم الضعف الإنساني !
وكان التعبير الآتي عبقريًا لولا بعض الأخطاء المنطقية :
وتلك يداى لم تزل أناملك الصغيرة تحتضنها أصابعي
لترسمك كل يوم زهرة لربيع دائم الخضرة
فالتركيبة اللغوية في السطر الملون بالأحمر (علامة الخطر) كان ركيكًا بشكل أو آخر
ومفضيًا إلى قدر من التعقيد ، وغير المنطقي أن تعانق اليد يدًا أخرى لتتم عملية
الرسم إذ أن من يرسم يكون حر اليدين وفي أسوأ الحالات فلو كان أحدًا
يمسك بيده ليرسم فإن في هذه الحالة استعلاء وليس معانقة.
لكن ميز السطر التالي له هذا الشكل الذي فيه تنسحب دلالة الربيع ليكون عشقًا
وأيامًا جميلة وليس مجرد صورة زاهية فحسب .ويأتي هذا التعبير ليعبر عن عدم التكافؤ اللهم إلا الشكلي فقط دون الجوهري :

علبة فارغة من أحلام جوفاء
كانت يوما ها هنا

عبرت هذه التركيبة عن حالة التلاشي إذ أن العلبة الفارغة (العقل –المشاعر) لم تكن
مصنوعة من شيء سوى الأحلام الجوفاء وهذه الاستحالة في التشكيل تجعل في
النص عنصرًا جماليًا ممثلاً في تصغير دلالة الأحلام لتكون إطار علبة فارغة وليس
علبة مملوءة ، ولتكون الأحلام هي نفسها جوفاء في ظل هذه المعادلة
علبة فارغة +أحلام جوفاء
من أين يأتي للشيء وجوده ؟ هذه فكرة عبرت عن تلاشي الأمل فلو كانت العلبة مصنوعة
من أحلام جميلة لكان هذا شافعًا لها أن تكون جوفاء ولو كانت مملوء لما ضرها أن تكون الأحلام جوفاء
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 07-11-2009 الساعة 10:28 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس