عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 17-04-2009, 11:42 PM   #1
youcefi abdelkader
كاتب ساخر
 
الصورة الرمزية لـ youcefi abdelkader
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 223
Talking قالت منعني ابي من الخروج

التفتت الخالة ميمونة ذاة الستة و الستين خريفا الي الوراء تطلب شبابها ،لكنها وجدته قد ابتعد و ابتعد كثيرا و هيهات ان يعود .جلست على عتبة دار جدرانها من طين و سقفها قصب و قش قد اكل الدهر عليها هي الاخرى و شرب ،و ارسلت ذاكرتها لتجوب اروقة الشباب آلافل ،علها تسترجع بعض الذكريات الجميلة، تجترها كما تلوك الفتيات المارات امامها نحو الثانوية قطع اللبان و هن يتمايلن تمايل الحمائم البيضاء حين تسير في سرب. الواحدة تلو الاخرى ،تسر الناظرين و تحيي الطمع في قلوب المشايخ امثال الحاج محمود، فيتنهد الواحد منهم ملء صدره . يرسل زفرات، ينبعث معها رذاذ من صديد رئتيه المعتلتين .
ابتسمت الخالة و قد راودتها فكرة احياء احلى ذكرى، عاشتها ايام فترة خطوبتها .استحضرت تلك الاحداث في شريط ذكريات و التقطت منها سويعات قضتها مع الحاج محمود مرٌ عليها زهاء الخمسين عاما، و إن كانت الصورة غير جلية في مخيلتها.لقد أبت إلا ان تحييها و تعيد تمثيلها هي و الحاج محمود شريك عمرها الذي بلغ من الكبر عتيا .قالت في نفسها : ....يكفي ان أعيش تلك اللحظات و لو يوما آخر قبل الرحيل الي حيث لا عودة .
همست في أذن الحاج محمود و قد اسند ظهره المقوس الى جذع نخلة باسقة إحتضنه ظلها ،قائلة : ..ما قولك يا حاج، لو عدنا للوراء خمسين عاما و عشنا من شبابنا سويعة قبل الممات ؟... التفت اليها مبتسما و هو شيخ دمث ،صاحب نكتة ،رغم كبره في السن ،لم يزل متعلق بأهداب الدنيا و زينتها ،قال اتّذكرين يوم تواعدنا لنلتقي في بستان جارنا ابراهيم ؟،و كان ذلك قبيل الزفاف بيوم واحد . قالت الخالة ميمونة و قد ارتسمت على محياها ابتسامة الشباب :اجل اذكر انك بقيت تنتظرني طوال النهار و لم آتي اليك لان ابي منعني من الخروج . ضحكت و ضحك الحاج محمود و لا زال يضحك حتى ادمعت عيناه .قال فنحيي هذه الحادثة غدا إن شاء الله .
لبس الحاج محود أحسن ما عنده من ثياب .وضع على رأسه طربوشا بدل العامة . انتعل حذاءا تركيا من جلد الماعز مصبوغا بصباغ احمر .تعطر و خرج متوجها نحو بستان الحاج ابراهيم .عرَج في طريقه نحو البستان على دكان، فابتاع شيئا من الحلوى و قنينة مشروب خال من الغاز حتى لا تنتفخ بطنه و يعجز عن العودة للبيت هو و الخالة ميمونة .
وصل لشجرة عظيمة عمرها يقارب عمره ،قد تشقق جذعها و بانت جذورها لكنها لا زالت حية تقاوم الموت .جلس يستظل بظلها .إنتظر الخالة ميمونة كما ينتظر العاشق عشيقته و يتلهف للقاءها و إن كان الفلم بلابيض و الاسود هذه المرة لكن الاحاسيس هي الاحاسيس ذاتها رغم فتور في دقات القلب .مرت ساعات و ساعات و الشيخ ينتظر ،حتى انتصف النهار و بدأ حر الشمس يلفح جلده .أحس بالعطش فتناول بعضا من ذاك العصير فزاده عطشا .تناول حبات من الحلوى و قد بدأ الضجر يتسرب لنفسه، لكنه سرعان ما ذهب عنه ،لأن جذوة العشق قد انطفأت من قلبه منذ خمسين عاما . حلت محلها العشرة و الالفة لميمونة .قام ،فانتفض ليعود ،لكنه عاد و جلس لينتظر ساعة أخرى و هو يتمتم ،لعل ضيفا ما جاء للدار فشغلها عن المجيء الي ...مرت ساعتان فاستبطئا ،ردد كثيرا ،لما تأخرتي يا ميمونة ،لعن الله شيطانكِ يا امرأة .
حمل الشيخ نفسه و عاد للبيت مكفهر الوجه غاضبا وقد فاتته صلاة الظهر مع الجماعة .دخل ، صاح، و زمجر. التفتت اليه مبتسمة ،امسكت بيده المجعدة و قالت :انا اسفة يا عزيزي... لقد منعني ابي من الخروج...
youcefi abdelkader غير متصل   الرد مع إقتباس