عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-03-2010, 01:46 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

اهتزاز القاعدة الخلقية وأثر ذلك في تماسك الأسرة

عندما تناقش الشريعة بمصدريها القرآن والسنة، وتضع حدوداً للفرد تبين فيها ما له وما عليه، وعندما تناقش القوانين الوضعية التي تتقاطع أو تتفق مع الشريعة في جزء وتكمل أو تختلف ما جاء في النصوص المنسوبة للشرع، فإن الالتزام بتلك التعليمات، يُعتبر من باب العدل. فإن تم الاتفاق على دية القتيل من باب الخطأ مثلاً، فإن دفع تلك الدية يقع تحت باب العدل، وإن زاد المُسبب للضرر بالتعويض فإن ذلك من باب القِسْط ( والله يحب المُقسطين) أي من يخضعون لمنطق العدل، ويزيدون عليه بما يُرضي الآخرين.

والأخلاق في أحد أوجهها، هي من باب القِسط أكثر منها من باب العدل، فإن مَكنت الظروف أحد الناس أن يمارس شيئاً لا يحاسبه عليه القانون، ولكنه امتنع عن ممارسته فهذا يُعد من باب الأخلاق، فإن كان بالإمكان أن ينظر أحد الناس الى عورات جاره دون أن يراه جاره، ولكنه يتذكر أن الله يراه ويمتنع عن التلصص أو التنصت على أحاديث آخرين لم يكونوا راغبين في أن يسمعها، فإن امتناعه يُعتبر من باب الأخلاق.

وإن كتب أحدهم شيكاً لآخر وأخذ سند قبض بذلك، فإن تصرفه قانوني ومن باب العدل، فإن تلف الشيك بالغسيل أو احترق، وعلم من حرره بذلك، وأعطى الطرف الآخر قيمة الشيك التالف، فإن تصرفه من باب الأخلاق.

مصادر القاعدة الخلقية

للقاعدة الخلقية ثلاثة مصادر: التراث وقوانين الدولة والصحبة بالاحتكاك.
ويحمل التراث معه قصصاً وقوانين وأحداث مشابهة، يتناقلها الناس بالمشافهة أو تكون مدونة في مصادر التراث الأدبية والدينية والشعرية وغيرها، ويكون أكثرها أثراً ما يردده الناس بكثرة بشكل أمثال.

فيقال مثلاً: (زوج الحراث يخلف لك حراثاً)، ويتضح من نص هذا المثل، أن للولادات الكثيرة وظيفة اقتصادية في المجتمعات الزراعية. ويقال بالأمثال (بيت الرجال ولا بيت المال)، أي أن العز بكثرة الرجال وليس بكثرة المال. ويقال بالأمثال ( البيت الذي ليس فيه كبير، ليس به تدبير).

لو تتبعنا مصائر تلك الأمثال، وقارناها بما يُستخدم الآن من أمثال، فيقال ( قلل ودلل) أي اجعل خلفك قليل تستطيع أن تربيهم بشكل جيد. ويُقال: (العب وحدك ترجع راضي)، وواضح مقاصد تلك الأمثال المستبدلة فهي تدعو للاستقلال بعيد عن الأسرة، وتدعو للتخفيف من أعداد الأبناء.

والمصدر الثاني من مصادر القاعدة الخلقية: هي قوانين الدولة: كانت الأعراف والقيم هي التي تتدخل في فض المشاكل الأسرية، وتعتمد أسس حلها في الماضي على مثيلاتها من المشاكل وكيفية حلها، أما اليوم فأفراد الأسرة يحتكمون لقوانين مدنية تتقاطع في كثير من الأحيان مع الأعراف والقيم المقترنة بالقياس مع مثيلاتها.

ومن جانب آخر فإن تلك القوانين حدت من حراسة المجتمع بشكل متكافل. فكان الجار أو القريب يزجر في الماضي زوجة جاره أو ابنته إذا رأى منها سلوكا غير جيد، وكان جاره يذهب إليه ليشكره لحرصه على حراسة عِرضه. اليوم يختلف الوضع، فإن تدخل أحدٌ في منع متسكعين مشبوهين يجلسان في مكان مشبوه، فإن القانون سيعاقبه لأنه تدخل فيما لا يعنيه.

والمصدر الأخير: وهو الصحبة، في المدرسة، في مكان العمل، في الأسواق، في النوادي، ومصدر ثقافة كل واحدٍ أو واحدة من تلك الصحبة والكيفية التي يفلسف سلوكه فيها، وأثر وسائل الإعلام والسفر وغيرها، كلها أوجدت مصادر غير متناهية في إمداد الأشخاص بادعاء بالمعرفة والاستقلالية بالرأي وحرية التصرف الخ.

لقد حلت في المجتمعات العربية مصادر تزلزل القاعدة الخلقية القديمة التي كانت سائدة وآخذة حيزها في الفضاء الذهني والاجتماعي. ولم تُذكر نصوص القاعدة الخلقية إلا في الزجر والتأديب أو الوشاية، لكن أثرها الفعلي بات غير موجود. وبالمقابل لم يحل محلها قاعدة خلقية مُتفق عليها، تتلاءم مع التطور الحضاري، فبات الاجتهاد الفردي محل الالتزام بقاعدة خلقية متعارف عليها، ومن الطبيعي أن ينتج عن هذا الاجتهاد أو الاجتهادات آلاف المصائب المؤدية للطلاق أو الانحراف أو تفكك الأسرة.

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس