عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-05-2010, 08:09 AM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

ولا يعيب هذا المقطع إلا استعمال العبارة الإنشائية غير الموحية (الهم الشديد)ولا سيما الوصف الذي أقحمته القافية وتكرار عبارة (تروح تنظر)بمرادافة لها وهي (تروح تبرق).
وخشية من الرتابة وللتنويع على الوتر المأساوى يلجأ عبد المنعت عواد إلى أسلوب التداعي أو الارتداد إلى الخلف إذ ينثير موكب الحنازة الوئيد الحزين في ذاكرة (نجلاء)ذلك الحدث القريب البعيد وهو وطء شرطي تحت حذائه الغليط سلال القرويات من أخواتها وأمهاتها في السوق ، وانتزاعة مثل قاطع الطريق – وهو الحارس الموكل بأمن البلاد والعباد –مصدر رزقهن الضئيل الوحيد ، قربانًا يقتسمه مع المأمور رئيس الشرطة العتيد وقد وصفه الشاعر بعبارة شعبية لم تثر النص بل أطفأ تمن وهجه الشاعري وإن كان القصد منها هوالسخرية :
وتذكرت عهدًا بعيد
وحذاء شرطي عنيد
وجحافل المتسكعين هناك في السوق البعيد
الزبد يأخذها بأسعار تراب
للسيد المأمور (للبيه المجيد)
.. .. ..
وتروح (نجلاء) تعد دريهمات
وتظل تحسب والدموع
لو لم أبع في السوق بالثمن الزهيد
لو لم يكن في الأرض أذناب الطغاه
لشريت ما يبغي (سعيد)
وتروح تبكي والهموم محدقات

ويتقاطر النفس القصصي للنص من خلال تداعي الذكريات فتمتد أبعاد المأساة بتفاصيلها الصغيرة لتشمل رحلة الغروب العانية للفلاح المجهول الذي لم ينقصه حتى وهو لم يجد بعد بأنفاسه الأخيرة من العذابات إلا الكفن ، وهي ليست مأساة فرد ولكنها – كما قلنا آنفًا –مأساة شعب موسوم بالشقاء بين أيدي المستغلين من الأجانب ومن عتاة من ينتسبون إليه بالميلاد . ويتحول النص من مرثية لميت إلى مرثية لحي وهي نجلاء بل لأحياء هم كل أهل القرية .
فمن أزقة القرية حيث يسير موكب الموت وإلى الخطر إلى السوق التي يعبث فيها رجل الشرطة عربدة ونهبًا كما احتفظت بصورتها ذاكرة الصبية ومن هذه السوق إلى المصحة التي أولى إليها الريفي التماسًا للبرء واعتادت ابنته أن تتردد عليها حاملة في سلتها –في رحلتها الأسبوعية بالقطار- بضع ثمرات من البرتقال وقليلاً من الأرغفة وأملاً مرتجى تنتقل ريشة الشاعر لترسم لوحات حية من صميم الواقع وإن لم يسلم السطران الثاني والرابع من المقطع الآتي من النثرية الباهتة :
وتذكرت عهد المصحة والقطار
وذهابها في كل أسبوع هناك
السلة العجفاء في يدها تنوح
البرتقال بها وأرغفة الصغار
يحيي ..وليل اليأس يعقبه نهار
وتتعدد الوسائل الفنية في النص ، ولا سيما تواتر العل المضارع يؤازره مرات قليلة الفعل الماضي ،وإضفاء صفات الحي على الجماد والمراوحة بين المكان والزمان والاغتراف في كل الأحوال من معين الواقع الذي لا ينفد دون تهويم مما نعرفه عند الرومانسيين والميتافيزيقيين .، مع الاتكاء غير المصطنع في أغلب الأبيات على التقفية والانسياب النغمي ،واستعمال التراكيب والألفاظ السهلة المتضافرة فلا تقعر ولا إغراب أو تعتيم .ويظل القصيد متصاعدًا في تموج هادئ في البدايات ثم متوتر حتى ينتهي إلى استرخاء صمت الموت عودًا على بدء فكيون يبت الختام هو بيت المطلع تعبيرًا عن مأساوية المصير :
وتظل تنحدر السنون ولا شفاء
والحقل يشمله اصفرار
والنعجة البلهاء تزعق في الفضاء
والفاس ترقد في انكسار
وبهيمة شوهاء يعلوها ارتخاء
وتظل تنحدر السنون ..ولا شفاء
.. .. ..
لا ..لم يلح فجر .. ومات
ومضى كما ذهب الرفاق
عبر الطريق بلا حياة
لا ..لم تنح أرض عليه ولا تهاوت شامخات
وكما يموت الناس .. مات
وقد استعمل الشاعر أسلوب التكرار للدلالة على سكون القرية القابعة في ظلمة التخلف دون تطور أو تقدم ،فهي رهن الثباتب الدائم ، وعلى دوران الحياة الاجتماعية حول نفسها دون تجديد وعلى صمت الموت الذي يرين على الغائبين،و الحاضرين كما يشي التكرار بالأصداء المتناوحة في القرية بعد الحدث.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس