عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-05-2014, 03:08 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

من حيث لا يدري: المجتمع يدفع الشباب نحو الجريمة


تشير تقارير الأمم المتحدة أن التطور في معدلات أعداد الجرائم قد زاد زيادة ملحوظة فاقت نسبته نسب الزيادة في النمو الاقتصادي أو نسب الزيادة في السكان. وقد كانت زيادة أعداد الجرائم في الدول الصناعية منذ عام 1967 حتى عام 1999 بمعدلات مخيفة حيث بلغت بين 300% الى 400%. وأن أعداد المساجين في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1998 كان 5.1 مليون سجين (في السجن أو الإقامة الجبرية) أي بنسبة تساوي 3% من إجمالي السكان.*1

أما في البلدان العربية فكان معدل الجرائم 409 جريمة لكل مائة ألف مواطن، بنسبة حوالي 0.004% (هذا عام 1993)، وتوقع الباحث ذياب البداينة أن ترتفع تلك النسبة بشكلٍ مضطرد وبمعدلات أسرع تزيد عن 5% سنويا عما كانت عليه*2. والذي يعنينا اليوم من هذا الموضوع، هو ما يرافق عمليات التغيير المستمرة في المنطقة والتي بدأت منذ بداية عام 2011، والتي يُتوقع لها أن تستمر أكثر من عشرين سنة حتى يحصل استقرار في المنطقة، هو استغلال الشباب للأوضاع المضطربة وتنفيذ جرائم كثيرة، وتجيير تلك الجرائم لقوى سياسية!


ما هي الجريمة؟

الجريمة في اللغة: من جَرَم: قطع، جزّ، يقال جرم صوف الغنم وجرم اللحم: أي نزع العظم منه،، والجارم من يسعى للكسب لأهله، والجُرم: الذنب والمجرم: المذنب ، وفي التنزيل { لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا} أي لا يحملنكم بغض قومٍ أن تقعوا في الجريمة.

يُعَرَّف (جيمس ديفيز) الجريمة أو السلوك ألانحرافي بأنه السلوك الذي ينحرف عن معايير المجتمع السياسي، ويُقصد بالمجتمع السياسي هو ذلك المجتمع الذي تحكمه القوانين التي تشرف على صياغتها وتنفيذها سُلطة منظمة معترف بها اجتماعياً ورسمياً. فالجريمة كل فعل يُعاقِب عليه القانون.

فالتجسس، والسرقة، والقتل، والرشوة، والاتجار بالمخدرات أو تعاطيها، وهتك العرض والزنا، وتزييف العملة، وانتحال شخصية، ومخالفات المرور، وإيذاء الممتلكات العامة، والأشخاص، وعرقلة موظفي الدولة، كلها جرائم عرّفتها القوانين وحددت عقوباتها.

وطالما أن الجريمة ترتبط بالقانون بشكل ما، وأن الدولة أو نظام الحكم هو المسئول عن تفسير وتطبيق القوانين، فما أن تتأثر هيبة الدولة، فإن الجرائم تزيد بشكل تلقائي، ففي لبنان (مثلاً) كان عدد السيارات المسروقة (1170) سيارة، أي قبل الحرب الأهلية، وفي عام 1987 كان عدد السيارات المسروقة في نفس البلد (30000) سيارة*3. ولوحظ في الصومال والعراق وليبيا وسوريا ومصر، ازدياد ملحوظ في أعداد الجرائم بعد أن اهتزت هيبة تلك الدول.

العمر والمهنة والدرجة العلمية وعلاقتها بالجريمة

يُستفاد من سجلات الشرطة والسجون وتجارب الباحثين في علمي النفس والاجتماع في التعرف على الأعمار والمهن والبيئة وغيرها من العوامل المقترنة بمرتكبي الجرائم.

ففي دراسة أجريت على سجون الأردن والمغرب والسودان، راعى الباحث فيها مواقع السجون فمثلاً أخذ (سجن اربد لدراسة الحالة الريفية، وسجن الجويدة لدراسة الحالة المدنية، وسجن معان للبادية) وهكذا فعل في المغرب والسودان*4. فكان من نتائج ما حصل عليها الباحث:
1ـ كانت نسبة المجرمين الشباب 79% (وبالذات من 20ـ29 عام بلغت 39%)، ومن 40ـ50 عام 11% وبين 50ـ70 عام 6% وفوق 70 عام 4% (صفحة 54).
2ـ كانت نسبة الأميين من المجرمين40%، وذوي التحصيل الابتدائي 22%، وذوي التحصيل الإعدادي 11%، وذوي التحصيل الثانوي 17%؛ والحاصلين على دبلوم 3%؛ والحاصلين على البكالوريوس 2%؛ والحاصلين على الماجستير 2%؛ والحاصلين على الدكتوراه 3%. (صفحة56)
3ـ كانت نسبة العزّاب (غير المتزوجين) 58%؛ والمتزوجين 36%؛ والأرامل 3% والمطلقين 3%.
4ـ كانت نسبة العاطلين عن العمل 10%، والعمال الحرفيين والعاديين 42%؛ والتجار 10% والموظفين 17%؛ والمزارعين 13%؛ طلاب مدارس 4%؛ طلاب جامعات 4%.(صفحة 60).
5ـ كانت الجرائم تتوزع على السرقة 22%، والمخدرات20% ثم تليها القتل 8.5% ومن ثم 6.5% لكل من السلامة العامة وإيذاء أجسام الآخرين؛ وتليها الزنا واللواط وهتك العرض 6%، وبعدها يأتي النصب والاحتيال والتزوير وقدح المقامات العليا ومخالفات السير والتهريب لكل منها 1.5%.(صفحة78).
6ـ كانت نسبة الجرائم في المدن تصل الى 70%، والأغلبية من المجرمين هم من الوافدين على المدن حديثا.

ومن الجرائم التي تذهب فيها أرواح الشباب، جرائم المخالفات المرورية، فقد وجد في المملكة العربية السعودية وحدها وفي عام واحد هو عام 2000، هو موت 4848 شاب في حوادث سير، وأن المخالفات للقيادة بدون رخصة هي (317376) مخالفة، وأن عدد الرخص الممنوحة في ذلك العام 467890 رخصة منها 35.5% بالواسطة، ووجد من الشباب حوالي الربع من يتعمد المخالفة والتمتع بمناكفة شرطة المرور*5 هذا في المدارس الثانوية في الرياض.

أما طلاب مدارس الجزائر، فإنه في نهاية الستينات من القرن الماضي كان يتخرج منهم 70% ممن دخلوا المدارس الابتدائية، وأصبح في نهاية التسعينات من القرن نفسه يتخرج أقل من 30%، ويترك المدارس سنوياُ 534 ألف طالب، ليُضخوا الى الشوارع دون مؤهل علمي، وذلك لأسباب منها ما يتعلق بالأسرة ومنها ما يتعلق بمؤسسات الدولة وغيرها*6


غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية وراء كل الجرائم

في زيارة للريف الهولندي عام 1997، لاحظنا انخفاض أسوار البيوت، وخلو النوافذ من شبك الحماية، وبعد ذلك بثلاثة شهور وفي زيارة لجنوب إفريقيا لاحظنا أن البيوت مسورة بأسوار إسمنتية بارتفاع أربعة أمتار وبعد تلك الأسوار هناك أسوار من السلك (b r c) بارتفاع خمسة أمتار، وبين السورين تطلق كلاب من نوع (الدوبرمان)، وكلتا الدولتان من أغنى عشرين دولة في العالم، ولكن الأولى تسود فيها العدالة الاجتماعية ويختفي فيها الفقراء، في حين بالثانية تتمثل بقايا الفصل العنصري، وتكثر الإرهاصات من كل نوع.

خاتمة


من حيث لا يدري: المجتمع يدفع بالشباب الى الجريمة، المجتمع ممثلاً بأجهزة الدولة، وقيادات المجتمع المدني، يغض النظر أو يهمل تنامي عوامل الجريمة، وحتى يكبح من ذلك يتوجب ما يلي:
1ـ الاهتمام بالأرياف، وعدم دفع سكانها للهجرة الى المدن، من خلال تخصيص جزء من موازنة الدولة لتأمين العمل والحياة الكريمة فيها، ففي المجتمعات الريفية بقايا من ضوابط اجتماعية تساعد الدولة على سيادة الأمن الاجتماعي.
2ـ عدم التعرض للدعاة الدينيين في ممارسة نشرهم للفضيلة وما يتتبع ذلك من الابتعاد عن الانحراف الأخلاقي.
3ـ تأمين العمل والتدريب ونقل المعرفة للشباب، مع عدم الإكثار من الخصخصة في التربية والتعليم، والتعليم العالي التي تثقل كاهل العائلات الفقيرة في عدم مواصلة تعليم أبنائها.
4ـ الاهتمام بالأسرة كقاعدة اجتماعية هامة، وبحث أسباب الطلاق والتفكك فيها حتى لا تكون مصنعا مفرخاً للمجرمين.
5ـ دعم الأندية والجمعيات التي تهتم بالشباب ورفدها بكوادر يعرفون واجباتهم.

إننا مقبلون على تغيير في بلادنا قد يحتاج عقدين أو ثلاثة عقود، فإنه من الضروري التركيز على هذا الجانب، حتى لا يترحم المجتمع على العهود السابقة (حسني مبارك، القذافي الخ)، بسبب أن مرحلة التغيير تكون فيها فرص الجريمة أكثر.



هوامش
*1ـ دنزايجر/ الحرب الحقيقية على الجريمة/جامعة هارفر 1998
*2ـ ذياب البداينة/ واقع وآفاق الجريمة في المجتمع العربي/ الرياض: أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية.
*3ـ أحمد بن موسى محمد حنتول/ أنماط السلوك الإجرامي في مرحلة الرشد/ جامعة أم القرى: بحث مقدم لنيل درجة الماجستير 2000 صفحة 41.
*4 ـ أحمد الربايعة/ أثر الثقافة والمجتمع في دفع الفرد لارتكاب الجريمة/ الرياض: المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب 1984
*5ـ اللواء د. سعد بن علي الشهراني/اتجاهات الشباب نحو مشكلة المرور/ أكاديمية نايف للعلوم الأمنية 2001 صفحة 331
*6ـ فوزي أحمد بن دريدي/ العنف لدى التلاميذ في المدارس الجزائرية/الرياض: جامعة نايف 2007 صفحة 161
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس