عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-05-2009, 06:12 AM   #303
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إليكَ في غربة حلمك الجامح .. عمري الضائع اليك حيثُ أنت
أخبرُكَ من بين الحصارِ وسفكِ الدماءِ وموتِ العصافيرِ
أنَّ الحزنَ بطاقةُ هويةٍ.. والشوقَ جوازُ سَفَرٍ



جميلة للغاية هذه التركيبة ؛ فالحلم يشبّه بالخيل وليس أي خيل بل الخيل الجامح . هنا لاحظي أننا انتقلنا من حالة الصورة المتحركة إلى الصورة الثابتة ،لكأننا في صورة مرسومة على بطاقة مناسبات معينة .. وهو ما يتناسب موقفيًا مع الإهداء . الغربة هي حالة من السكون والجموح هي حالة من الحركة ، وكان المزج بين عنصر الحركة والسكون والتقارب والتباعد متقنًا من تقنية التضاد . كلمة عمري الجامح كأنها نعت أو صفة لغربة الحلم . وهنا يكون التوازي بين كل من الغربة والعمر والحلم والضياع وكلها تظهر حالة من اليأس ، جاءت كلمة أنت مؤكّدة لكلمة إليك ، والتوكيد أفاد حالة من الخصوصية .
هذا العصير من الكلمات المتضادة والمترادفة أفرز كله حالة من التوحّد في الأنا الأخرى. هذا الآخر الذي كان محور خطاب المحبوبة رغم أنه مغترب ورغم أن هذه الغربة غربة جامحة غربة طويلة الأمد مستغرقة . كل هذه تعبيرات أفادت حالة الشوق والذي يتناسب مع العنوان حد السكر . حد السّكْر كان هو المدخل لقراءة النص وبرهنت عليه من خلال الإصرار عليه حتى في هذه الحالة من الضياع .إنها الأنثى تتشبث بمن تحب حتى ولو كان الضياع يرتديه وهذا التشبث هو عين السكْر .
بعد ذلك ننتقل إلى الفعل المضارع أخبرك :جاء تأخر الفعل المضارع لكي تبوح الكاتبة بما في سويداء قلبها بعد ذلك كله تقول له أخبرك ، أي كأن هذا الذي قلته كان شيئًا عاديًا لا يحتاج إلى إخبار لأن الحب في ذاته أمر مستبطن أما المفاجأة التي تستدعي الإخبار هي من بين الحصار وسفك الدماء وموت العصافير .كأننا هنا في إشارة إلى أن أحداث العصر كلها ليست بمعزل عن الحب .. هذا المفقود الذي إذا أوجِد لما صار كل ذلك الدمار .. هنا أراكِ قد قمت بضرب عصفورين بحجر: الأول برهنت على القضية العاطفية ومكانها في الحياة رغم كل هذه الأحداث.
الثاني : إثبات أن الكاتبة لا تنفصل في واقعها الداخلي عن الواقع الخارجي ومأساة الإنسان الأزلية.وتأتي جملة الحزن بطاقة هوية والشوق جواز سفر لتؤكد على الموازاة بين كل من الإنسان ومأساة الوجود والخير والشر والسلام والحرب .
إذًا لقد كنا بحضرة حالة من التكثيف والذي اتسم بحضور الفكرة والبرهنة المتلاحقة ، فكان الإنسان من حيث هو فرد كائن حي له مطلق الحرية فيما يحب أو يكره محورًا للعمل (وهو المحبوب) ثم مأساة الإنسان (الواقع) والذي فرض الحصار والدمار محورًا ثانيًا وأخيرًا الهوية وهي محصلة التفاعل بين كل من الإنسان والحرب (الحزن بطاقة هوية والشوق جواز سفر ) ومن السطور الثلاثة الأولى تبدأ الخواطر في الانسياب .


قبلَكِ لم أملكْ شيئا إلا بعضاً من أحلامٍ مكسورةٍ , وبقايا فرحةٍ مهجورةٍ .. وبعدَكَ اختزلتُ الحياةَ في ملامحِ وجهِكَ , وصار خريفُ عمري على عتباتِ الموت .أرى حالة الاختصار والتصغير قوية فالأحلام ليست مكسورة فحسب ، بقايا أحلام +مكسورة. والفرحة ليست مهجورة بل بقايا فرحة للتقليل+مهجورة. هنا نجد المزاوجة الرائعةبين الملموس والمحسوس بين الحلم والانكسار والفرحة والهجر وهي أشياء كلها لا تجتمع ولا يتحقق جزء منها .. حالة التفتيت وتشبيه الحلم بخزف يُكسر والفرحة بقصر يُهجرَ كانت كلها ذات دلالة قوية للتأكيد على حالة الحزن السابقة والتقفية في مكسورة ومهجورة كانت متميزة من الناحية الموسيقية . رائع أنك قلت اختزلت ُ لأن اختزلت فعل ٌ يدل على القيام بالشيء بمحض الإرادة .. وهنا أرى الحب ممزوجًا بكبرياء وحنوٍّ متماشيين مع بعضهما البعض كأنك تقولين أنك رغم كل هذه الأحداث وكل العواطف المسيطرة عليك إلا أن الكلمة الأخيرة للحب هي كلمة العقل.قلت اختزلت ٌُ ولم تقولي اختُزِلَت. والمفارقة الثالثة الجميلة هي الخريف الذي على عتبات الموت .. كلمة الموت صارت ذات دلالة بهيجة وليس دلالة حزينة لأنه موت الخريف موت الخوف موت الحزن وهنا يكون للموت طعم أجمل طالما أن المتوفّى هو الشيء المزعج .
قرأتُ رسالتَكَ حتى حفظتُها عن ظهرِ قلب .. تحسَّستُ كلَّ همسةٍ فيها, انهلتُ عليها بقبلاتٍ دامعةٍ.. وبين لحظةِ حنينٍ وأخرى غضب .. ضعتُ أنا.
تعبير تحسست كل همسة كان معبرًا بشدة عن الإنصات وكأنك تتحسسن دقات قلبه .كان تعبير تحسست كل همسة خاصة في ظل حضور حرف السين مشعرًا بهذه الحالة من الصوت المسمى في العامية (نغْبشة )أو حالة من التسلل الصوتي .هذا التعبير ذكرني بجملة جميلة في قصيدة النثر للشاعر محمد الماغوط في قصيدته حزن في ضوء القمر حين قال إنني ألمح آثار أقدام على قلبي وجاء ت المفارقة في جملة قبلات دامعة لتشعِر بالشجن ويكون للأنا حضورها مرة أخرى ضعت أنا وكأنك تقولين وتختزلين في كلمة (أنا) معاني عدة الكبرياء الحب التنازل بمحض الإرادة فالشعور بعظمة الشيء المفقود كان منبثقًا من الكلمة أنا .
أتخذ قراري.. وألقي ذكرياتٍ جمعتْنا تحت قدميّ, وألعنُكَ حدَّ الملل.. أكرهُكَ حَدَّ الوجع وأثور حتى أُهَدِّئ من رَوْعي.
وبذهن شارد أعيدُ التفكيرَ..

جملة حد الوجع فيها حرَفية كبيرة وتتماشى مع الكراهية . أما اللعن فأنا لاأتفق معها دينيًا فالمؤمن ليس بلعّان .

أمسكُ بقلمي الباهتِ اللون , ألوِّثُ صفحاتٍ بيضاءَ متعبةً حَدَّ الخوفِ .. أحاولُ كتابةَ شئٍ ولكن عبثا .. أفشلُ ؛ فلأول مرة في تاريخ اللغة تغلقُ الحروفُ أبوابَها في وجهي.

اللغة الشاعرية قد امتلكت ِ ناصيتها حتى ألقت بنفسها في أحضانك أو أحضان حروفك .من أول "أمسك...أفشل" شعرت بها عادية ليست لك ولا عليكِ وجميل تعبير تغلق الحرف أبوابها في وجهي..تجسيد اللغةبهذه الطريق مع كلمة القلم والورقة فيه اتحاد في بيئة الوصف. اربطي بين ذلك وبين كلمة أنا في نهاية السطر السابق لتشعري بالوجع والنزف.

ألقي بكل شيء خلفي وأسدلُ شعري على ظهري وأرقصُ حول نفسي في دائرةٍ فارغة من كل فرحة عِشتُها معك , تأخذُني حالةُ هذيان واضحة أترك فيها لجام دمعي فينهمرُ ثقيلا كالحجر على وجنتيّ
أدور وأدور حتى أسقطَ على الأرض ..

عنصر الحركة عاود بروزه مرة أخرى أرقص أدور أسقط وكلمة من كل فرحة عشتها معك أراها زائدة وإن من الممكن لقارئ غيري أن يقول إنك عبرت عن حالة تشبه رقصةالتانجو الأرجنتينية والتي تتكون من راقصين في دائرة كل يمسك بيد الآخر ويدوران حول بعضهما داخل الدائرة.لجام الدمع أفاد حالة الانحباس والتحمل لكن كلمة "كالحجر ثقيلاً" لا أراها قوية بنفس الدرجة .لكن لاحظي التوازي مع حد السكر ترك اللجام دليل على فقدان التوازن وهنا الرؤية الأساسية ما زلت متمسكة بها في النص بل جزئيات النص الصغيرة.

يغلبني نعاسٌ لبضع ساعات قليلة جدا .. أفيق منه على بكاء رسالتك البائسة فأجدها ترقد بجانب عشوائيات ذاكرتي الحائرة ويحاصرها بحرٌ من تجاعيدَ باردةٍ .. تجاعيدَ شاحبةٍ تشتاقُك حَدَّ الألم
وتهمس شفتاي..

هنا عنصر اللغة المجازية كان زائدًا ومشتتًا بكاء رسالتك البائسة- عشوائيات ذاكرتي الحاشرة- بحر من تجاعيد بارة - تشتاقك حد الألم .. السكّر إن زاد أصاب بالدوار حتى( أسقط أنا القارئ على الأرض)يلزمك فقط الاختصار .لكن لاحظي الاختلاف بين عبارات كانت تقريرية بحتة إلى لغة مجازية مفرطة .هذا يدل على التغير الشديد والوعي بفلسفة التعبير.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس