عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-11-2009, 05:51 PM   #29
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي

الى أين ذهبت؟


لمحها تمشي مشيتها المعتادة لها وغير المعتادة لغيرها .. بجسدها النحيل الممزق والمرقع في سبع عمليات جراحية .. كان يشاهد برنامجا تلفزيونيا مع أصغر أفراد عائلته .. خرجت تحيتها على غير عادتها، خالية من تشويش البحة التي رافقتها طيلة ثلاثين عاما .. (السلام عليكم) .. رد عليها التحية .. فارتمت على الأريكة .. ونظرت الى سقف صالة الجلوس وتجمدت نظرتها .. فهُرع مع ابنته الصغرى ذات الست عشر ربيعا .. وضع يده على حافة خدها العظمي .. وسألها بقلق : (ما بك حبيبتي؟) .. لم تجبه .. أبقت عينيها مسمرتين في لا شيء .. وبدأ بريق عينيها يتلاشى بسرعة هائلة .. وأنفاسها تتباطأ .. حاولت ابنتها الصغرى الصراخ .. فطلب منها إحضار قليلا من الماء والكولونيا ..

لم تكن المرة الأولى التي تمر بها بتلك الحالة .. لكن المرات السبع الأول، كانت تمسك بيده وتوصيه ببناتها الأربع وولديها .. هذه المرة مختلفة .. قد لا يسعفها الوقت لتوصيه بشيء ..

رش بعض الماء البارد على جبينها ومسح به على وجهها .. فانتفضت بقليل من الحركة .. كانت ابنته الأخرى تدعك أنفها بقليل من الكولونيا .. وولدها يتصل بالإسعاف ليحضروا سيارة لنقلها الى المستشفى .. لم يشأ أن يبلغ ابنه بعدم الاتصال .. رغم معرفته بعدم جدوى ذلك .. لكن الوقت كان قبل العصر .. ولن يستطيع إكمال مراسم الدفن والصلاة عليها في المسجد ..

حضرت سيارة الإسعاف .. فنزل شابان منها .. وتجمع أكثر من عشرة أفراد من الأقارب .. تحسس أحد الشابين نبضها .. ولم يقل شيئا .. حملوها على نقالة وأدخلوها سيارة الإسعاف .. جلس قريبا منها .. يصلح من اهتزازات رأسها إثر سرعة السيارة ..

دخل الطبيب الأخصائي المناوب في فترة العيد .. فحصها وتطلع الى زوجها .. كان زوجها يعرف ما سيقوله الطبيب على وجه التحديد .. رغم أنه لم يكن يصدق ما كان يقوله الأطباء في السابق .. فقد أخذه قبل عشرة سنوات أكثر من طبيب وبلغه : (أن الأعمار بيد الله .. وفرصتها بالبقاء ضئيلة) .. توفي ثلاثة من أمهر أطباء القلب الذين بلغوه بذلك وبقيت هي ..

سأل الطبيب عن الإجراء الذي سيقوم به بعد ذلك .. فأجابه: بأنهم سيضعونها بالثلاجة لليوم الثاني ..

عاد للبيت بدونها .. فرأى جمعا غفيرا من النسوة اللواتي يندبن .. وكثيرا من الرجال الذين يعزونه ويباركون صبره، تلك السنين الطويلة، كانت تجبره بعض الدموع على الانسياب من عينيه، فيداري حزنه بالتحايل بالابتعاد قليلا لمسحها دون أن يلحظه أحد ..

لقد رحلت دون أن تسمع منه كلمة ضجر أو تبرم .. وكانت قد أخبرت أختها قبل يومين من العيد أنها تتمنى الموت رحمة بزوجها وأبنائها وبناتها ..

كان تعامله مع مرضها صبورا، ولم يتوان عن نقلها الى أي مكان فذهب بها الى لندن حيث أجريت لها أولى عملياتها السبع في (أولد برمتون) .. ولكن الى أين ذهبت؟

لقد انتقلت من مساحة حواسه المباشرة، فلن يعود يراها أو يسمع أنينها الذي كانت تقتصد به احتراما لمشاعره .. وحطت في حواسه غير المباشرة .. لتكون متخفية وراء ملامح وجوه بناتها الأربع وولديها ..

عادت ابنتها الكبرى مع طفليها من (قطر) في اليوم الثاني .. ليصبح هو أمام ابنته الشخص الواجب الاهتمام به ومواساته .. كان يتهرب من نظرات أبنائه وبناته المشفقة .. لكن هروبه كان إليها أو لطيفها .. ولم يعد يدري، هل هي التي ذهبت أم هو ..

ابن حوران
__________________

Just me


آخر تعديل بواسطة إيناس ، 30-11-2009 الساعة 06:32 PM.
إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس