عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-12-2009, 05:50 PM   #38
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

كلمات كبيرة. ومن يسمع أسطوانتهم المشروخة تلك يحسب أنهم يهيمون في حب هذا الوطن.

"أنا أحب الوطن وأسرتي أسرة وطنية ووالدي كان..."

قاطعني كبيرهم بكلام جارح في حق والدي ثم تابع :
"باراكا من الشعر والتمثيل. قديمه هاذي "

أمرهم ففكوا عصابة عيني بعد أن حولوني إلى زاوية الغرفة ووجهي للحائط ,وحذروني من الالتفات حتى لا أرى وجوههم القبيحة.

ساءلت نفسي: ترى لماذا يتحرزون حتى لا يراهم الناس أيخافون لهذه الدرجة؟؟؟
مم يخافون؟

على العموم أنا أيضا لا أرغب في رؤية وجوههم القبيحة. يكفيني ما أكابده بسبب وجه كابيلا وزبانية العذاب الآخرين ممن تنحصر مهماتهم في تقديم وجبات الطعام ووجبات العذاب.

امتدت يد من خلفي ووضعت ورقة على الطاولة أمامي.
مسحتها بسرعة بعيني . تقرير غبي كتبه أمي جاهل. ركاكة في التعبير وأغلاط إملائية لا يرتكبها تلاميذ الثالث ابتدائي حتى. ومن يدري فلعله كتبه مقدم حي.

كثيرون ممن مروا من هناك أو جمعني بهم السجن لاحقا, ساقتهم وشايات المقدمين التي أضحت في هذا الزمن الغريب وفي بلد الغرائب هذا ترهن مصائر العباد وتعتمد عندهم أكثر من وحي السماء دون أدنى تبين أو تمحيص وألقت بهم خلف الشمس.

وويل لمن أشارت له أصابع مقدم أو شيخ. من هنا تبدأ السلسلة!!! صارت لهم قيمة وشأن أكثر بكثير مما كانت. بعد إعلان الحرب على( الإرهاب) المزعوم زودوا بهواتف محمولة خاصة وباقة من أرقام رؤوس خفافيش الظلام, والويل كل الويل لمن غضب عليه أحد هؤلاء المنبوذين.

حتى أن بعضهم وجدها فرصة للابتزاز ومصير من يرفض يكون تقريرا كاذبا يلقيه داخل القبر ,كما فعل بأحد من التقيتهم داخله والذي أقسم له مقدم الحي بالأيمان المغلظة أن لحيته ستحرق بالولاعة. كان هذا بعدما تصدى له رافضا مساوماته وابتزازه.


لم أبدل كثير جهد لعصر ذاكرتي. تذكرت ذاك اليوم بعد قراءة السطور الأولى من التقرير المنحوس. كانت أمي قد كلفتني أنا العاطل المكتئب بالتوجه لأداء فاتورة الماء والكهرباء التي أصبحت هي الأخرى هما انضاف لهموم لا تنتهي تثقل كاهل البسطاء في هذه البلاد خصوصا بعد تفويتها كغيرها من مؤسسات الدولة للقادمين من وراء البحار الذين ضاعفوا أثمنة الفواتير في ظرف وجيز

. أجزم قاطعا أنهم لو استطاعوا امتلاك الهواء الذي نتنفسه لجعلوا لنا عدادات على رقابنا تحصي الزفرات. وكل من تأخر عن موعد الأداء المحدد على ظهر الفاتورة أوقفوا تزويده فورا. الحمد لله على نعمة الأكسجين المجاني. وصدق من قال أن الشعب المغربي يحتل المرتبة الأولى عالميا في حمل الأثقال.

وقفت لثلاث ساعات في الطابور الذي بدا لي بلا نهاية لأنه آخر أيام المهلة للأداء قبل إيقاف التزويد بالماء والكهرباء. أعرف أسرا عدة تخلت عن خدمات هذه الشركات الأجنبية وعادت للحياة البدائية. الإضاءة بالشموع والقناديل وجلب الماء من الآبار والسقايات العمومية.

تعبت من الإنتظار في الطابور الطويل الذي لا تضاهيه إلا طوابير السفارات والقنصليات الأجنبية طلبا لتأشيرة الخلاص والفرار .

كثيرون كانوا يمرون دون دور أو انتظار كبقية خلق الله . ينزل الواحد من سيارته يشهر بطاقة أو يتمتم لحارس الأمن الخاص بكلمات ثم يتوجه مباشرة إلى الشباك في عجرفة وكبرياء تغيظ المنتظرين دون أن يجرأ أحدهم على الاحتجاج. أشجعهم كان يتمتم بكلمات هامسة.

حل دوري وضعت الفاتورة والمبلغ أمام الجابي الذي لا يظهر منه سوى الوجه مختفيا خلف واجهة زجاجية. دفعها إلي بتوتر مصطنع وأمرني بالانتظار,مهللا ومقدما شخصا أنيقا دخل لتوه...
"مرحبا ...مرحبا...زيد آلحاج ...تفضل آش حب الخاطر...؟؟؟"

غلت الدماء حينها في رأسي وبدأت يدي وشفتي ترتعشان . أغلقت ثقب شباك الأداء بيدي بعد أن دفعت الحاج بكتفي وأخذت مكاني الطبيعي. ثم أقسمت أمام الملأ بأعلى صوتي أن لا يمر أحد قبلي لأن الدور دوري.

علا حينها اللغط والصخب في القاعة المكتظة احتجاجا وتضامنا معي. ازداد الهرج حين حاول الحراس جري بالقوة للخارج فتشبثت بحديدة حاجز حديدي وأنا أصرخ مطالبا بحقي. إلى أن نلته. وانصرفت مزهوا بنصري.

كان الحدث عاديا تقع الآلاف مثله يوميا في بلاد التخلف والزبونية.
وجدت الواقعة مدونة على الورقة مع زيادات وتلفيقات ما أنزل الله بها من سلطان. منها عبارات توحي بنقدي للنظام والدعاء والتسخط عليه , وغير ذلك مما لم أتفوه به إطلاقا .

أحد الخبثاء من (أصحاب الحسنات) المجانيين, يبدو أنه حضر الواقعة. أو دبوس من الدبابيس الصدئة لم أنتبه له ذاك اليوم.

وضعت الورقة من يدي المرتعشتان :" أقسم لكم بالله أن هذا كذب وفيه زيادات كثيرة."
أعادوا تعصيب عيني بعنف وسرعة:

"تتهمنا بالكذب يا ابن الزانية سنرى من يكذب,نحن أم أنت"

أنا لا أنفي الواقعة. لكني لم أسب أحدا, وهذا الموقف قد يقع فيه أي إنسان كنت في حالة توتر عصبية ودافعت عن دوري دون أي شيء آخر"

" لا بل لعنت المقدسات والدولة التي تطعمك وتسقيك!! تأكلون الغلة وتسبون الملة يا ولاد الق...." ثم خاطب أحدهم الآخر وهو يسمعني:

"ألم أقل لك آلحاج ...أن الراقصة تتوب ولا تترك هز الكتف ...."

حاولت جاهدا تبرير موقفي ذاك والدفاع عن نفسي ورد ما جاء في التقرير من كذب وافتراء, دون جدوى.

كنت بينهم كتائه يصيح بأعلى صوته في صحراء خالية مقفرة.
شرعوا بأسلوبهم المعتاد. العصا والجزرة,التهديد والمساومة. هكذا عهدتهم.

"تعلم أن هذا الكلام فقط دون ما هو قادم يساوي خمس سنوات سجنا؟؟؟ تعلم عقوبة المس بالمقدسات كم تساوي؟؟؟"

عن أي مقدس يتحدثون؟ الله هو المقدس, ورغم ذلك يسبونه هنا ويلعنونه جميعا دون استثناء. إن نسيت شيئا فلن أنسى يوم نزع كبيرهم سروالي وأنا صائم مهددا إياي أنه سينكح ربي ويفطرني بذلك. تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا.

علقت في أذني كلمة, ماهو قادم دون غيرها من كلماتهم . حرب أعصاب لا تنتهي. سائلت نفسي ماهو هذا القادم؟؟؟ هل علموا شيئا عن موضوع سفري؟؟؟

اللهم استر وسلم يارب.

أخشى أن أكون سببا في سقوط غيري أما أنا فالأمر يبدو أنه قد قضي إلا أن يشاء الله.
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس