عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-12-2010, 04:33 AM   #5
ابن يوسف الطبيب
عضو نشيط
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2007
الإقامة: مصر
المشاركات: 184
إرسال رسالة عبر ICQ إلى ابن يوسف الطبيب إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى ابن يوسف الطبيب
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة المشرقي الإسلامي مشاهدة مشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية إليك أيها الشاعر المبدع الحريص على تطوير أدائك الشعري أولاً بأول ، وهذه القصيدة وإن كان قد حدث فيها تغير في الشكل الشعري من العمودي إلى التفعيلة فهي جميلة لأنها تفوح بالشاعرية والصدق رغم أنها قليلة التصويرات الفنية .
التصويرات الفنية ليست مطلبًا تُبنى القصائد من أجله ، فأيما عبارة اتسمت بالقدرة على النفاذ
إلى أعماق الوجدان فهي بذلك عبارة ليست شعرية وإنما شاعرية .
والكلمات التي أراها هي بها قدر كبير من الشاعرية اللاتصويرية وفي الوقت نفسه هي أبعد ما تكون كل البعد عن التقريرية .
وكان الاستهلال بهذه الصورة مفتتحًا جيدً اللقصيدة ، والذي تتوازى فيه صورة الأم مع بستان الورود:
الزهر في جناته عطر يفوحْ
وحنين أم في جنان قلوبنا
وإن كانت جملة جنان قلوبنا عادية إلا أنها مناسبة للموقف الذي تكتب فيه القصيدة وهذه خصيصة هامة للغاية وهي أن تكون الكلمات العادية المكررة داخلة في إطار قوي يحول الكلمة من كونها عادية إلى كلمة مؤثرة في القصيدة.
أمل يداوي
ما ألمته الجروحْ
هي كل خير في الوجودْ
هي دفء أيام الطفولة والمهودْ
هي رحمة
هي منة
هي أزر أحلام الرجولة والفتوة والصمودْ

هل كل قلب في مثالك قلب أمي
في مشاعرهِ يجودْ ؟!
الله! ما أروع الصدق! إن هذه العبارة على سهولتها وبعدها عن الاستخدام المجازي إلا أنها تأتي قوية بريئة براءة طفولية تعبر عن مكنون الشاعر بنفي الجود عن كل ما هو مماثل لكل قلب الأم ليكون قلب الأم هو ما لا يمكن تعويضه.وعليك بقصيدة قلب الأم للشاعر العراقي إبراهيم المنذري .. جميل للغاية أن تكون القصيدة بها بيت بهذه الدرجة من القوة والسهولة معًا وهذا يعكس الرؤية وهي الفلسفة التي يتبناها الشاعر في قصيدته.

أترى بريقا في مآقينا يسودْ ؟!
جميل هذا التعبير سيادة البريق في المآقي وهو تشبيه على سهولته إلا أنه يعكس حالة وجود الأم التي تغير كل (مسلمات)الطبيعة التي يكون البريق فيها ذابلاً في غير وجودها كما أن تشخيص البريق كأنه يسود لفتة جميلة مع أن هذا النوع هو من أبسط أنواع المجاز .
من وقت أن كنا صغاراً
أو بعد أن صرنا كباراً
هو ذاك أني قد نظرت بريق أمي
في مآقينا يعودْ ؟
هي من يزيح الدمع
في نهر الخدودْ
نهر الخدود كناية عن الدمع لكنه -في ذات الوقت- يعطي للقصيدة عبقًا خاصًا كونه نهرًا وليس بحرًا ، فالنهر تعبير عن العذوبة بعكس البحر المعبر عن الملوحة .وهذا مرة أخرى يتناسب مع موقف القصيدة الإنساني الذي تشع كل مصطلحاته نعومة وجمالاً .
هي عهد إحسان
أذاعته المعاهد والعهودْ
هي كل ما كتب الجمال
على ضفاف البدر
في كل العقودْ
الله ! السبب في هذا الجمال لا يرجع إلى اختلاف النمط الشعري من العمودي إلى التفعيلة وإنما هو عائد بالدرجة الأكبر إلى اسثتمار خصائص كل نمط ، وهنا أرى تعبير الإذاعة والمعاهد قد انزاح ليكون دليلاً على علم أرقى وأسمى وهو الجمال الذي يتحول من كونه علمًا فلسفيًا أو سيكولوجيًا إلى كونه معنى إنسانيئًا خبيئًا ،وإن كنت أرى كلمة عهد عند اقترانها بلفظة أذاعته قد يكون فيها خروج عن جو الشاعرية المنتظم لكل القصيدة الجميلة.وفي النهاية يكون القمر متألقًا في نهاية هذا المشهد الذي بدأ بالورود مرورًا بالطفولة المشعة من خلال التساؤل هل كل قلب في مثالك قلب أمي في مشاعره يجود انتهاء بصورة البدر ختامًا جميلاً للمشهد وتمهيدًا لانتقالة أخرى إلى المخاطَب الأهم وهي الأم وكأن الشاعر قدم الجزء الماضي هدية لها ليدخل من بعدها إلى الكلام الموجه إليها مباشرة .
أماه إني مقبل
إقبال بدر
تحتويه سحائب الأمل الرغيدْ
جميل ها هنا هذا التكامل في بيئة التشبيه بين البدر
والسحائب وكذلك في الدلالة الجوهرية بين السحائب والرغد فالجامع هو الكثرة الباعثة على الفرحة
وتضمه أصداء قلبك
في صدى الأفق البعيدْ
نبضات قلبي في متاهات المُحالْ
بين صخرات الجبالْ
أظن هنا كسرًا يقتضي إصلاحه وضع كلمة من لتكون من بين صخرات الجبال
هي لمع آلْ
هي أغلظ الألفاظ
في صوت الرجالْ
هي أعظم الكذبات في دنياً
وما فيها لحالي من مآلْ
جميل أن يتخذ الشاعر -في حالة نادرة -موقفًا مضادًا لبني جنسه لتكون النعومة الأمومية في مواجهة غلظة الرجال مثار تمرد الرجل على بني جنسه حينما يصف الشاعر ساخرًا عذابات هذه الأم من صعوبة وقع كلمتها رغم جمالها على قلوب الرجال حتى ينفي أن تكون صدقًا وأن يكون لحاله مآل إليها .إن هذا التسلط الذكوري الذي يصل إلى فرض كلمات دون أخرى هو مثار ضيق الشاعر مما يجعله مرة أخرى يعود إلى الأم بشكل تشعر فيه أنه لم يطق الحديث عن غلظة الرجال فيهرب منهم إلى أمه مرة أخرى في القصيدة مناديها :
أمَّاهُ !
يختال قلبي إذ يرى همسك
من بين الجفونْ
جميل ها هنا تراسل الحواس وهو إعطاء كل حاسة سمة غير سمتها الأصلية فالأذن ترى ،والهمس يتحول إلى مادة مرئية وهذه سمة جميلة من سمات الشعر الحديث كذلك تشخيص القلب كأنه إنسان يختال مع بساطتها الشديدة لكنها في إطار قوي متماسك يزيد القصيدة روعة وجمالاً .
وإليك يا أماهُ
تنجذب العيونْ
يتهافت الدمع الرشيدْ
نحو المآقي من جديدْ
ويناجي الصوت المليدْ
ربما يكون فيها كسر يقتضي فتح الياء في كلمة يناجي لكن حتى في هذه الحالة (الفعل يناجي)ليس له ما يدعو إلى نصبه .
صوت الطفولة من بعيدْ
أقبل صغيري نحو أمك من جديدْ
أقبل صغيري نحو أمك من جديدْ
مختتم جميل ومناسب للقصيدة والذي تعود فيه حالة الأمومة والطفولة بطريق دائري في النهاية
يجعل الأم هي الدائرة التي يصل إليه الطفل مرة أخرى بعد حالة التيه في دروب العمر
التي أبعدته عنها وعن طفولة المشاعر التي كان يشعر معها بسعادة غامرة نحوها .


بارك الله هذا الإبداع وجعله في ميزان الحسنات ، كثر الحديث عن الأم لكن المبدعين فيه قليل ما هم ، وإن شاء الله أنت واحد منهم .
هداك الله ورعاك وسدد على الدرب خطاك ،ودمت مبدعًا يرعاك الله .
السلام عليكم أستاذنا المشرقي " أحمد راشد ".....

لكم يعلم الله العليم أن سعادتي برضاكم بما يكتب قلمي أشد من سعادتي بما خطه القلم وأعمل فيه الفكر .....
وإن كان من توفيق لي فهو من الله ابتداءً ثم الفضل لكم ونصيحتكم لنا على الدوام .......


وبالنسبة للكسر في القصيدة فقد أبدلت كلمة " يناجي " ب " يهامس " أو " يداعب ".....
وعملا بنصيحتكم وضعت من وسكنت الخاء في " من بين صخرات الجبال "

والصور الفنية أعدكم أنها تكون في متناول فكري في المرات القادمة ....

دمتم سيدي الفاضل لنا بكل الخير ، ورزقكم اله حسن الرأي والسداد في الأمر .....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ابن يوسف الطبيب غير متصل   الرد مع إقتباس