عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-10-2007, 09:53 PM   #26
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الاقتطاعات الوحشية على المكلف

يلاحظ المراقب مدى تداخل المشكلات الاقتصادية في العالم منذ ثلاثة عقود على الأقل، ففي الوقت الذي تزايد فيه تسليف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للكثير من دول العالم الثالث، فإن المراقب سيلحظ أن تلك الزيادات آتية من تأكيد الضمانات من قبل الدول المدينة، حتى غدت تلك الدول وكأنها (مرهونة) بالكامل للجهات الدائنة .. وعليه فإن الجهات الدائنة أصبحت تتصرف وكأنها هي من يملك تلك البلدان ودولها، فهي توصي أو (تأمر) بإجراءات على الدول المدينة سلوكها، وإلا الويل والثبور لتلك الدول .. هذا ما نوهنا عنه سابقا

كان على الدول أن تقترض وتفرض الضرائب، حتى غدا المواطن في تلك الدول هو من يضمن ديمومة تلك الدول، ففي بعض بلدان العالم الثالث تتقاضى بعض الدول رسوم على السيارات أكثر مما تتقاضى الشركات الصانعة لتلك السيارات .. ويأتي المخمن لتلك الرسوم، ليسأل هل بالسيارة مكيف.. هل بالسيارة جهاز فتح للأبواب أوتوماتيكي (سنتر لوك) وكل بند من تلك البنود عليه رسوم إضافية، وكأن المكلف (زبون في مطعم) هل عندك خبز زيادة .. هل عندك ماء صحي .. ماعون (سلطة) ..

كان لا بد والحالة تلك أن يتم إجبار البنوك المحلية على منح قروض للدولة لتغطية نفقاتها، كما تم إجبارها على تقديم قروض لمواطنين وشركات خلافا لما كانت تحذره في السابق.. لقد كان على تلك البنوك الارتباط بسلسلة البنوك والمصارف العالمية .. التي لو أوقفت جريان تدفق أموالها، لتوقفت عندها عجلة الحياة في الكثير من الدول النامية .. أي أصبح الارتهان كاملا من قبل الدولة النامية ومؤسساتها الوطنية للمصارف العالمية المنضوية تحت إدارات غامضة للسيطرة على اقتصاد العالم، وبغض النظر عن الفوضى التي ستحدث جراء ذلك.

هل ينبغي الاستمرار في ضمان الادخار لصالح المصارف؟

لقد أصبح بالإمكان الاستنتاج من أن المنطق الاقتصادي الليبرالي قد تم الخروج عليه بشكل فاضح .. وأصبح مواطنو العالم ودولهم يدخرون لصالح شبكة من المصارف العالمية (متعددة الجنسية!) .. وظهرت المشكلات من خلال الثالوث الذي تحدثنا عنه (السرية المصرفية، عدم تناسب الأجهزة الضريبية، وانحراف وظائف المصارف) .. لذا، لا بد من جهود استثنائية للتغلب في المستقبل على التحجر الفكري والمؤسسي الذي يكرس شذوذ مختلف الأدوار والآليات الاقتصادية، لكي نتمكن من التوجه نحو أشكال مختلفة للتنظيم المالي.

إن الدول الغنية والفقيرة، تعجز عن متابعة الرزوح تحت عبء الديون وتحمل معدلات فائدة حقيقية مرتفعة جدا. فلا بد من تعديل فوري ضروري للأجهزة الضريبية، لإحداث حالة توازن جديدة في وضع الميزانيات والسماح للاقتصاد الوطني أن يزاول مهامه، بعيدا عن شبح الترقيعات الضريبية التي تلجأ لها الدول لمعالجة وضعها الاقتصادي المترنح ..

كما أن على البنوك أن تسمح بمراقبة الأرصدة الخاصة لكل أفراد الدولة بما فيها من هم على رأسها، لفسح المجال أمام الاقتصادات الوطنية بمعالجة أوضاعها دون استثناءات .. وهذا سيتطلب اتفاقيات ومعاهدات دولية تتوافق مع المطالب الأدبية للمنظمات الدولية في حل مشاكل العالم!

وهنا يفترض أن تكون الجهات التي تطلب ضمانة الدولة لقروضها الأجنبية أن تودع أموالها في بنوك وطنية ترعاها الدولة. وبنفس الوقت تطلب من الدولة ضمانة حقيقية في التخلص من شبح تجميد الأموال في الهزات الاقتصادية (بنك الاعتماد) أو الهزات السياسية (فيما يخص ما يسمى الحرب على الإرهاب).


عدم تكيف الأنظمة الضريبية والمصرفية يحافظ على
العجز التكنولوجي لكثير من بلدان العالم الثالث


من الواضح أن الوضع مختلف في كثير من بلدان العالم الثالث، حيث لا تزال البنى المالية وبُنَى البورصات بدائية جدا (مثال : اضطراب الأسواق المالية في دول عربية وخليجية) .. وهذا يحدث بسبب تقليد معين لما يجري في دول متطورة على أوضاع نمت في شكل مشوه لم يستطع استيعاب التعاطي بطريقة ملائمة لتطور لم يحدث فعلا!

ومن أشكال تلك التشوهات ما يحدث في أسواق العقارات .. حيث تضع الدولة رسوما معلومة على العقار (مثلا 10% في الأردن) .. وقد ينشط الطلب على العقار في عينة من الوقت وتصبح الأرباح خيالية، فيكون من اشترى قطعة أرض بأربعين ألف دولار، بعدما ينجز بناء عمارة عليها، تكون مثيلاتها من قطع الأراضي قد أصبحت بنصف مليون دولار، فإنه سيضع سعرا للشقق المعروضة للبيع على أساس سعر الأرض الجديد .. هذا سيؤدي الى ارتكاسة في سوق العقارات، ويؤدي الى زعزعة أسهم سوق العقارات واضطرابه مع ضمان ثبات رسوم الدولة وفوائد القروض (للمصارف) ..

إن الحركة الكاذبة في سوق العقارات وما يترتب عليها من أرباح خيالية، لن تدعم الاقتصاد الوطني بأي شكل، فالمستفيدون منها هم أصحاب رأس المال الذين يبيعون شققهم لمستثمرين من وراء الحدود، أو من خلال تأجيرهم لتلك الشقق لشركات أجنبية أو وافدين لخدمة الدولة، فستدفع الدولة بشكل أو آخر إيجار تلك الشقق أو أثمانها .. في حين لن تحل مشكلة السكن لمحدودي الدخل، وإن حاولت حلها، فإنها ستقسطها بالتقسيط المريح الذي لن يتم استيفائه إلا منقوصا أو على الأقل لا يتناسب مع حجم التضخم، فالاقتصاد الوطني هو المتأذي بالدرجة الأولى، مع اعتبار بعض الصدف لأرباح بعض الشركات العقارية..

إن عجز مناطق واسعة من العالم الثالث وتبعيتها التكنولوجية المفرطة، في إفريقيا والشرق الأوسط وبدرجة أقل في أمريكا اللاتينية، إنما ينجمان عن هذا المنطق الاقتصادي الانحرافي، الذي بات من الملح جدا تصحيحه. من خلال إصلاح النظام الضريبي ليكون مبنيا على منطق اقتصادي ومتحررا من المنطق المالي الساقط ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس