عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-11-2007, 01:11 PM   #27
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الأخير

نحو إعادة تأهيل للاقتصاد السياسي

مناقشة غير مفيدة: قضية تدخلات الدولة في الاقتصاد

كما هي على مر العصور، وكما مرت في الحلقات السابقة من قراءة هذا الكتاب، كانت وما زالت الدولة مثار نقاش أزلي في تدخلها بالشأن الاقتصادي في أي بلد لأجل ضمان ازدهار الإنسان .. وحتى قبل أن تظهر الاشتراكية بعقود طويلة ظهر انقسام حاد ذو طبيعة فلسفية على هامش دور الدولة، بين أصحاب نظرية النفع (Utilitarisme) وأنصار نظرية الحق الطبيعي Droit Naturel، وها نحن أمام جو من الانقسام حول نفس القضية.

بالحقيقة، نحن أمام رأسمالية منتصرة .. لكنها أخذت تعمل ضد ذاتها وبقاءها متسيدة، وأعطالها تزداد وضوحا يوما بعد يوم، على صعيد إدارتها لشؤون العالم (بشريا) وبيئيا، فالفقر والبطالة وانتشار الأمراض يزداد يوما بعد يوم، وتلوث البيئة ومشاكل المناخ تزداد هي الأخرى، وحتى شعوب الدول التي تديرها قوى رأسمالية ليس بعيدين كثيرا عن البؤس ..

ونحن هنا أمام صورة مغايرة عن مفاهيم الحرية والليبرالية التي تنادي بها تلك القوى، والتي أخذت على المنظرين لوجوب تدخل الدولة لحماية الإنسان وإبقاء قطاعات واسعة بيد الدولة كالتعليم والصحة وتأمين العمل الخ، ووصفت القوى الليبرالية منافسيها الشموليين بأوصاف الديكتاتورية والتعسف .. لكن من يراقب ما يحدث بالعالم سيجد أن أثر ديكتاتورية الليبراليين فاقت مئات المرات منافسيها الذين كان أثرهم محصورا في بلدانهم وفي قطاعات معينة، لكن أثر الليبراليين فاق أثر الشموليين حتى غطى على العالم بأكمله..

ليست هناك وصفة سحرية لخروج العالم مما هو فيه من فوضى، فلا يعني انتقاد الليبرالية الجديدة، مطالبة لعودة التفكير بالشيوعية كمخرج يضمن عدالة توزيع أكثر، فكلا المنهجين (الرأسمالي والاشتراكي) لم يقدم إجابات واضحة على كثير من أسئلة من لا يعجبهم الخطين، فكانت معظم الكتابات وشروحاتها مليئة بكلام ساذج لم يحل أي مشكلة، والدليل على ما نقول، أن تغول وتسيد أصحاب الأرباح الريعية في العالم الرأسمالي هو ما ساد والتهم الطبقات المتوسطة، حتى أصبح العالم به حفنات من الأغنياء المفرطين في الغنى، سواء كانوا أفرادا أو شركات عملاقة، وسواد عظيم من سكان الأرض يعاني من عشرات المشاكل. بالمقابل فإن الشيوعية لو قدمت حلولا ذات بال، لما انهارت بسرعة هائلة، مفرزة هالات من الرأسماليين الذين كان لهم الكلمة الأخيرة في تسنم مصالح الدول الاشتراكية، وقد تكون الصين استثناءا لأنها عملت مقاربة رأسمالية ذكية، فلم تعد شيوعية 100% كما لم تصبح رأسمالية 100% ..

تحت ضغط الليبرالية الجديدة

صحيح، أن للبنك الدولي وصندوق النقد دولي اليد الطولى فيما يحدث من تخريب للعالم، إذ تتحكم إدارتا تلك المنظمتين باقتصاد دول العالم الثالث ودول المعسكر الشيوعي (سابقا).. بتفكيكها (بحماس) لمؤسسات القطاع العام التي دفعت دولها أجيالا وأموالا لإنشائها، لكن اللوم الأول يأتي على العقلية الليبرالية التي تعمل ضمن قنوات خفية لوضع إدارات على تلك المشاريع المراد تفكيكها شرب أفرادها ورضعوا من أثداء الليبرالية نفسها ..

وكلما وقعت دول العالم الثالث بمشكلة كانت وصفات البنك الدولي والصندوق بفرض مزيد من الضرائب وتنويع مسمياتها، حتى تعوض النقص الوارد في تمويل إدارات تلك الدول المكرسة أصلا لترويج المشروع الليبرالي (الإمبريالي) العالمي، سواء مضطرين أو مختارين .. فتكون النتيجة هلاك قدرات المواطن في تلك الدول على مواصلة مسيرته كإنسان ..

إن الحملات الإعلامية التي كانت موجهة للاقتصاد السابق الذي كان يتدخل في كثير من الشؤون الحياتية لدول العالم الثالث، وذلك قبل إعلان انتصار الرأسمالية، قد فسح المجال لخلايا ليبرالية كامنة كانت تحلم أن تحتل مواقعها بحرية في إدارات دول العالم الثالث. وقد كانت كل أخطاء التخلف تُرَد الى القطاع العام، وبعد خصخصته وتفكيكه صار التوق لعودته حلما غير قابل للتحقيق في كثير من دول العالم.

لكن ولغاية هذه اللحظة، وإن كان التذمر يسود معظم بقاع الأرض، فإنه لا يوجد ما يوحي بأن مناخا أيديولوجيا هو في حالة تشكل، للخروج مما هو العالم فيه.

تغيير أسلوب التنمية!

قد يكون محقا من يريد اعتماد أسلوب دول جنوب شرق آسيا وتطورها السريع، وإن كانت أمورها قد سارت بعكس ما سارت عليه الأمور في أمريكا اللاتينية وإفريقيا والبلدان العربية، فإن ذلك يعود الى الإرث الثقافي المعيق في بعض الأحيان على التماهي مع إرادة كبريات الشركات الغربية في استثماراتها وشراكاتها مع جنوب شرق آسيا، إضافة للدور الياباني الريادي والصيني المرادف للياباني ..

وقد تكون سرعة النمو في تلك المناطق، قد غطت على عيوب مجتمعات تلك الدول، فليس هناك من يكرس البحث في مراقبة ما يجري هناك، فإن كانت إندونيسيا من تلك النماذج، فكيف يمكننا تفسير وجود الملايين من نسائها يعملن كخادمات في مناطق مختلفة من العالم؟

انهيار نظام معدلات الصرف الثابتة وراء الفوضى الاقتصادية العالمية

إن من يتأمل مفهوم (دولة القانون الاقتصادي) الذي يسمح بتجاوز الجدال العقيم تماما حول حجم تدخلات الدولة في الاقتصاد. سيسترجع فكرة الطموح الأخصب لعصر الأنوار، ذلك الذي أسس لما هي الدول الغربية عليه، والذي طالب بإيصال الحق لكل المواطنين بالمشاركة في تناقل السلطة وحق الترشيح والانتخاب الخ ..

لكن تكافؤ الفرص يتم عندما تتساوى ظروف المتنافسين، فهل تستطيع جهة واحدة في العالم أن تقول أن الفرص قد تساوت وظروف السكان في أي دولة قد تساوت؟ حتى أن الاقتصاد والذي كانت ولا زالت جوانب من نشاطاته الكثيرة لا تخضع لمفهوم (دولة القانون الاقتصادي) .. وهذا ما أوصل العالم الى انهيار قيمة نقده في دولة دون أخرى بحكم سلسلة من العلاقات الخارجية والداخلية أفضت في النهاية الى سيطرة وإمبراطورية البنك الدولي وصندوق النقد في بداية السبعينات من القرن الماضي.

هذا أدى الى تكديس أموال كل الأقطار في خزانة معينة تمارس نشاطاتها المشبوهة في تجارة كل ما هو ممنوع (ظاهريا) (مخدرات، جنس) ومن ثم تبييض عائداتها التي تعود أخيرا الى نفس المالكين المتحكمين باقتصاد العالم.

وقد كان لهيمنة الدولار الدور الأكبر في طوافه من أقصى الغرب الى أقصى الشرق، مرروا بالدول الشيوعية نفسها (قبل انهيارها) .. ولم تجد محاولات مثل محاولة الجنرال (شارل ديغول) الذي عمل بنصيحة مستشاره (جاك رييف) بالعودة للتعامل بالذهب كمعيار للنقد العالمي ..

إعادة تكوين الاقتصاد السياسي في المنظار القانوني

كل ما تقدم جدير بأن تفتح ملفات كل جوانبه أمام البرلمانات والمثقفين والتواصل به عالميا .. صحيح أن هناك مظاهرات تلاحق الدول (السبعة أو الثمانية) التي تجتمع دوريا في مختلف أنحاء العالم متجاهلة الفقر والمرض والاحتباس الحراري وغيره من مصائب سكان الأرض، لكن هذا لن يكفي في مواجهة التفرد الأمريكي في تقرير مصير العالم بمختلف المجالات ..

كلمة أخيرة

أعتذر سلفا (لصاحب الكتاب) ـ إذا قدر يوما وسمع عن قراءتي لكتابه ـ وأعتذر للقراء الكرام، إن سهوت وتجاوزت أحد محاور الكتاب أو ظهرت صبغة تفكيري على كتابة قراءتي ..

انتهى
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس