عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-12-2006, 04:56 AM   #62
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الهوية العربية تلازم العقل العربي حتى داخل الهوية الإسلامية

( 1 )


لم ينصهر العرب خلال فتوحاتهم بالشعوب التي دخلوا إلى أقطارها، بل كونوا ثقافة ووضعوا أسسا لحضارة، وسلوكهم ذلك يعتبر من الظواهر الفريدة في التاريخ، حيث تنصهر الشعوب القادمة الى أقطار بواقع السكان الأصليين. وكان شعارهم الإسلام أولا ثم العربية ثانيا، ومن هنا جاء قوام النظام المعرفي (البياني) .. الفقه و اللغة ..

وقد لوحظ أن الحركة الثقافية والحضارية انطلقت مع انطلاق الدعوة للدين الجديد من مجتمع مدني ـ عكس ما يعتقد الكثيرون ـ فقد كان في مكة مجتمع يقسم الأدوار فيه كما هي في الدول الراقية وكانت حركة التجار في مكة والمدينة المنورة ـ فيما بعد ـ تسمح لهم بالاحتكاك بمجتمعات ذات طابع مدني، ومنذ الانطلاقة الأولى للإسلام فقد حض على العلم والتعلم واستنكر الأسلوب البدوي (الأعراب) وربط بين العلم والتعلم والدين ..

وقد نشطت الحركة الثقافية العربية الإسلامية مع الفتوحات مباشرة، فبعد أن كانت المدينة المنورة، تم تنشيط مراكز الكوفة والبصرة ثم الفسطاط والقيروان وأوكلت مهمة الريادة فيها لعرب معروفين بقدرتهم القيادية وإيمانهم الشديد بالدين الجديد. في حين لم يكن الاهتمام بالمراكز الثقافية القديمة: (حران، أفاميا، الإسكندرية ، أنطاكيا، جنديسابور) إلا متأخرا في القرن الثالث الهجري، بعد أن اعتقد العرب أنه لا خوف عليهم من الإطلاع على ثقافات غيرهم بعد أن أسسوا لنفسهم شخصية عربية إسلامية.

وقد انتبه الخليفة عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، والذي كان يشغل قبل الإسلام منصب السفارة المحصور بآل نوفل قبل الإسلام، لظاهرة صيانة عروبة الشخصية الإسلامية في بداية الفتوحات فأرسل الى الأمصار رجالا قادرين على تعليم الآخرين أصول الدعوة، مثل ابن مسعود (الكوفة) وأبو الدرداء (الشام) وأبو موسى الأشعري (البصرة) وهؤلاء الذين علموا الناس كيفية قراءة القرآن وكيفية فهم ما يقرءون، فتكونت حولهم حلقات من القراء و توحدت النظرة في الفهم لهذا الدين الجديد الذي بشر بالعدالة والتحرر.

ثم ظهر التابعون بعد الموجة الأولى من الرواد الأوائل الذين توزعوا بالأمصار، وأدى التباين في الظروف المحلية لكل منطقة وما ورثه سكانها الأصليون من ماضيهم، فكانت النشاطات تختلف بالكيفية التي يتعامل بها المبشرون في الدين (في المرحلة الأولى)، ثم حراسة الإنجاز وعدم انحرافه، وكان هذا يتطلب الى العودة الى النموذج الأساسي التي بُنيت عليه الدعوة الجديدة، وكان الأساس لغوي بالدرجة الأولى ومن ثم فقهي يتعامل مع النصوص الأساسية من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.

وعندما تطورت فكرة جمع الأحاديث وفرزها كان على الجامعين أن يكونوا محترفين لغويا، فتشعب النشاط الثقافي والفكري الى محورين أساسيين الفقه واللغة .. فكانت مساحة توكيد الهوية اللغوية ( العربية) تلازم وتحاذي أي نشاط، فظهر معها التفاخر و ذكر الأنساب (قحطان عدنان ربيعة بكر تغلب أزد الخ) وبقيت ملازمة كل نشاط ومتدخلة فيه الى بداية العصر العثماني.

لقد توحدت اللغة العربية بلهجاتها ( حتى الفصحى منها) في بلاد الفتوحات، وساعدها بل أسس لها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، فغدت لغة التخاطب لغة موثقة بشكل أسس له وفق علوم القواعد واللغة والبلاغة و العروض، حتى توحدت معه الشخصية العربية على مر التاريخ وفق جدر و قنوات لا يمكن الخروج منها، حتى من قبل الأقوام التي انصهرت مع العرب (حملة الرسالة)، رغم ما جاء لتلك الأقوام من فرص كثيرة للتخلص من السلطة السياسية العربية ولكن ذلك ثبت عند الشعوب التي كان لديها استعداد للتلاقح الروحي مع العرب، لعلاقات قربى قديمة سبقت الإسلام بآلاف السنين، كما في مثال شعوب شمال إفريقيا والتي لم يدم فيها حكم العرب سوى قرون قليلة، فبقيت تفكر و(تعقل ) الأمور بنفس الأدوات التي يفكر فيها أبناء العرب الأقحاح و (يعقلون) بها. في حين لم يدم هذا الوضع في مناطق تفتقد الاستعداد للتلاقح الروحي، كما حدث عند شعوب اسبانيا رغم طول المدة التي حكم العرب بها تلك الشعوب.

لقد تدخلت الدولة العربية بعد أن استقر وضع شخصيتها في توجيه ومركزية تكوين الشخصية المتعلمة، وكان ذلك بشكل واضح في القرن الرابع الهجري، عندما تأسست المدارس و الكليات لتوزع علما موحدا يحمل نفس عناصر الشخصية أينما وجد، فكان الأزهر في عهد الفاطميين وكانت المدارس النظامية (نسبة لنظام الملك) .. و القرويين في المغرب.. وكانت حرية التنقل بين طالبي العلم والأساتذة بغض النظر عن طبيعة الحكم السياسي ودرجة العداء بين دولتي الحركة لهؤلاء ..

هذا التحرك الأفقي الذي كان يتم بين الأمصار فتجد عراقي يذهب ويقيم في الهند و مغربي يذهب ويقيم في الشام، ويذهب كلاهما إذا كان أستاذا فتسبقه شهرته (الاستعداد لتقبله) ويتبوأ مكانة علمية واضحة في مكانه الجديد.. أما التحرك العمودي والذي كان ينتقل عبر الزمن فتجد أنصار ومؤيدي وجهة نظر معينة يتنقلون عبر التاريخ الى عصرنا الحاضر، فمن يعتبر الخلاف السياسي الذي جرى بين علي ابن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان رضوان الله عليهما هو محرك لشكل تاريخ الأمة الإسلامية، فإنه يلحظ بسهولة مدى النظرة (الشعوبية) والعرقية.. فاهتمام الفرس ( المسلمين) ليس منبعه الحرص الديني، فلو كان كذلك لما أقيم لقاتل عمر بن الخطاب رضوان الله عليه وهو الخليفة العادل الذي شهد بعدله الفرس، مقاما ومزارا و ميدانا في طهران باسمه (أبو لؤلؤة المجوسي) .. ولما خلت كل إيران من اسم خالد وعمر وهما اللذان توفيا قبل فتنة علي ومعاوية وقبل مقتل الحسين .. لكن المسألة لها علاقة بزوال إمبراطورية (فارس) على يدي هذين القائدين !
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس