الموضوع: مظفر النواب
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 19-03-2009, 04:42 PM   #23
zubayer
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: دار الخلافة
المشاركات: 1,635
Lightbulb

مظفر عبدالمجيد النواب

شاعر عراقي ينتمي باصوله القديمة إلى عائلة النواب التي ينتهي نسبها إلى الامام موسى الكاظم. وهي أسرة ثرية مهتمة بالفن والأدب ولكن والده تعرض إلى هزة مالية أفقدته ثروته.

خلال ترحال أحد اجداده في الهند اصبح حاكماً لاحدى الولايات فيها.. قاوم الإنكليز لدى احتلالهم للهند فنفي افراد العائلة، خارج الهند فاختاروا العراق، وفي بغداد ولد عام 1934، اكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب ببغداد. وبعد انهيار النظام الملكي في العراق عام 1958 تم تعيينه مفتشاً فنياً بوزارة التربية في بغداد.

في عام 1963 اضطر لمغادرة العراق، بعد اشتداد التنافس بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا إلى الملاحقة والمراقبة الشديدة , فكان هروبه إلى الأهواز عن طريق البصرة، إلا ان المخابرات الإيرانية في تلك الأيام (السافاك) ألقت القبض عليه وهو في طريقه إلى روسيا و سلمته إلى الأمن السياسي العراقي، فحكمت عليه المحكمة العسكرية هناك بالإعدام، إلا ان المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت إلى تخفيف الحكم القضائي إلى السجن المؤبد.
وفي سجنه الصحراوي واسمه نقرة السلمان القريب من الحدود السعودية-العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نقل إلى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.

في هذا السجن قام مظفر النواب ومجموعة من السجناء بحفر نفق من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، وبعد هروبه المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفياً فيها ثم توجه إلى الجنوب (الأهوار)، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة. وفي عام 1969 صدر عفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية.

غادر بغداد إلى بيروت في البداية، ومن ثم إلى دمشق، وراح ينتقل بين العواصم العربية والأوروبية، واستقر به المقام أخيراً في دمشق.

مظفر النواب.. الشاعر.. المهاجر.. الإنسان الذي ظل يصرخ ويصرخ في كل مرة بوجه الطغاة معلناً أن الوطن يتسع للجميع وان قصائده ستبقى شامخة مثل النخيل، لكنه مع كل هذا الصراخ المدوي عالياَ، تلمح فيه أحزان الغربة المتوغلة في الأعماق، قد يكابر أحياناً دون أن يفصح عما يجيش في نفسه، لكنه في نهاية الأمر هو شاعر وحزن الشاعر تفضحه الكلمات حتى لو حاول أن يكظم أو يكبت، وهذا ما حدث في القاعة الكبيرة وأمام جمهوره المحب لشخصه وثقافته وقصائده حيث ألقى أحد الأبيات الشعرية من قصيدة مطولة، كانت عيناه تدمعان بعد أن تذكر أهلنا الذين يحاصرهم الظلم والجوع من كل جانب، تذكر هموم الوطن وأوجاعه، فهو يقول: "دمعة حزن هي الماضي.. هي آلام"، أو يعلن بالقول "ذهب الزمن الطفل.. وأبقانا غرباء" ثم يذكر "قاطرتي كانت تذهب للبصرة.. تحمل حزني".

قصائد النواب تتوالى حتى تغرق القاعة برمتها في بحر من الشعر وتمتزج نفحات الحزن بالنفوس الحاضرة التي جاءت من مدن ألمانية بعيدة عن برلين أو من برلين ذاتها، والشاعر يذكرهم بـ (البلاد التي تباع بلا ثمن) أو بظلم الحاكم العربي الذي رسم لنفسه هالات من العبقرية والبطش في الناس.. فمتى.. (تستريح من الحاكم العربي المفدى.. واكل الشعير..). في هذا الحفل كشف مظفر النواب أحزان المهاجرين بعد أن تركوا خلفهم مأساة الجوع والقهر التي ما زالت تطوق أهلهم هناك، فقد تغلغلت أشعاره في تلك الدواخل تعلن انه الصوت الجريء الذي ما يزال كما بدأ، صوت لا يتوقف عن إشهار قولة الحق وهو يعرف تماماً ان الشعر انتماء وتاريخ ومبدأ، كما انه لا يريد ان يتخلى عن مسؤوليته كشاعر آثر ان تكون قصائده برنامجاً يعبر من خلاله عن الأمة المشققة، الضائعة، المقهورة، التي نالت من الظلم ما نالت، انه يريد ان يقول للجميع ان سبب مأساتنا الكبيرة هي السياسات.

السياسات أسباب كل المحن، انه يفور في خلجات النفس العربية ويمارس حقه كمواطن عربي يحق له ان يشهر آراءه او حين تتجلى قصائده وهو يكشف هول المحنة العربية بمفردات بسيطة يفهمها الجميع، أليس هو الأكثر معصية للحكام والأكثر قدرة في التوصيل، وهذا ضمان أكيد للقيمة الفنية في أشعار مظفر او في تناول موضوعاته واختياره لها.

الجمهور العربي أحب شاعره لأنه استطاع أن يقول ما يعجزون الإفصاح عنه، فهذا ما حصل بالفعل . إن جمهور النواب يعرف أن شاعره لا ينحني لحاكم وليس بينه وبين الحكام إلا شرخاً متجدداً على مدى تاريخه الأدبي الذي شهدت له الساحة الثقافية العربية أينما حل أو ذهب لينشد المحظور من الشعر.

هذا الشعر الذي يعد وثيقة لمجتمع محاصر قتلته الهموم وملاحقة السجان وممارسات الجلاد اللا إنسانية بحق أبنائه ، يصرخ الشاعر أمام الجمهور العربي جمهور الحاضرين معلناً من خلال قصائده انه يأبى الذل، ولأيرضى بنصيبه في هذه الدنيا وانه طير جريح في هذا الوطن.

.
الشاعر والناقد حميد الخاقاني يختتم كلمته بالقول:
لاشك أننا من دون مظفر وشعره أكثر فقراً، فدعونا نزداد فخراً بمظفر وشعره

المصدر:

كتاب "مظفر النواب شاعر المعارضة السياسية"

المؤلفان: عبدالقادر الحصني وهاني الخيِّر

دار المنارة-دمشق

الطبعة الأولى 1994م



جريدة الشرق الأوسط - لندن

يوم الجمعة 29 أكتوبر 1999م
العدد رقم 7640

آخر تعديل بواسطة zubayer ، 19-03-2009 الساعة 05:05 PM.
zubayer غير متصل   الرد مع إقتباس