عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-09-2009, 03:19 PM   #405
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

التعبير أتمدد فوق أشلاء الحروف كان تعبيرًا مركبًا، كثيفًا في نفس الوقت ، وتشكيليًا ، إذ تشبه الحروف بالجثث الآدمية ويأتي لفظة التمدد لتفيد استرخاء لكنه استرخاء يعبر عن التقزز لاسيما وأنه من وراء الجدران وكونه وراء الجدران فيعني هذا حالة من الحصار والانحباس .
العق الغدر وجرح ينزف على عتبات القصيدة
جاء هذا التعبير ليدل على استشراء الغدر لكن لفظة ألعق تختلف عن أتجرع ، وتصور حالة اللعق يأتي ليعبر عن توجس ما من الشيء المذاق وكأن ثمة فطرة سوية يحتفظ به من يتحدث الكاتب على لسانه ، وتأتي لفظة عتبات القصيدة لفظة عميقة لتعبر عن الوطن والذي قد صار مستعليًا على المواطن حتى صار له عتبات حتى يصل المواطن إليه وهذا تعبير عن مدى العلاقة العكسية بين المواطن والوطن وإذا كان ثمة نزيف فلابد من مصدر له ، وعدم ذكر المصدر جاء غالبًا بشكل مقصود تحاشيًا لذكر اسم المتسبب في هذا الجرح لدناءته.


اغفو فتهذي الريح تحت وسادتي بصدى يمسك الشمس بظفائرها نحو الغروب ..

تصوير الريح بالوحش كان في صالح النص وإن كان هذا تعبيرًا غير جديد والريح هنا تأتي كناية عن الأفكار المتلاحقة التي تعتمل في ذهن المتحدث ،لكن تعبير صدى يمسك الشمس بضفائرها نحو الغروب تعبير غير سليم لأن لا علاقة بني الصدى وهو شيء محسوس غير مادي وبين الشمس وهي شيء ملموس ولكن الفكرة نفسها كانت عبقرية تشكيلية للغاية لكن كون من الصعب رسم هذه الصورة للصدى فيمكن القول إن ثمة ضعفًا في التجانس في خصائص المشبه والمشبه به كان في هذه الجزئية الملونة بالأحمر .


يستشري في عمري حزن مثخن بجراحات اليمة وسؤال مر "متى اعود الى وطني؟"
كانت الجملة يستشري في عمري حزن مثخن شاعرية على إيقاع بحر الخبب وزادت الحالة أسى كونها غنائية وزادها جمالاً أن يكون الحزن مثخنًا بالجراح الأليمة وكأن هناك بشكل ضمني جراح غير أليمة ،إن هذا التعبير جاء ليقول إن هذا الجرح يختلف عما سواه من الجروح لعله الجرح الوحيد الذي شعر المتحدث فيه بالألم وجاءت كلمة الوطن بعد كل تلك الأسطر لتحدث عنصر التشويق والإجابة على السؤال الذي كان القارئ ينتظره ما هو هذا الذي كان يتحدث الكاتب عنه ومجيئ كلمة الوطن في هذا الوقت أتت لتعبر عن معنى آخر أن الوطن هو ليس أول ما يشعر الفرد بالحنين إليه وإنما الجراح فمجيء الجراح قبل الوطن ينبئ عن فكرة مردها أن (أبناء الوطن) أي الجراح يسبقون أمهم (أي الوطن) فكأنما وظيفة الوطن أن يعرّف الحزن به ويأتي دليلاً عليه وكأن الجراح هو الذي يقود الوطن .


انهض ملموم احمل جسدي على قائمتين لصباح مالح
الأصح ملمومًا كان التعبير عن الإنسان ومكانته في أسوأ الحالات تعبيرًا عبقريًا في كلمة ملمومًا كأنما هي قمامة أو قطع متناثرة تلملم وهذا تعبير عن معاناة الإنسان في وطنه وتعبير قائمتين وإن كان معبرًا عن معنى من معاني الخيل إلا أنني لا أراه يعبر عن حيويتها وعنفوانها بقدر ما يعبر عن حيوانيتها وامتطائيتها .



اشرق من نافذتي قبل شروق الشمس والقى نظرة على الشارع الذي يجثم في حارة ضيقة ينتهي الصمت ولا احدا سوا عجوز يجمع اشياءه القديمة ويفك قيده الذي حفر في معصميه ...
الشعور بعنصري الزمان والحركة كان جيدًا للغاية ، فمع ظهور كلمة الوطن وتأخرها جاء تأخر كلمة شروق الشمس وجاء شروق الإنسان ليعطي انطباعًا مؤداه أن الإنسان هو الشمس الأولى في هذه الحياة وتأكد ذلك بكلمة قبل شروق الشمس و الأصح كلمة عجوز تجمع أو كهل يجمع ..وكلمة سوى تكتب كما هي ملونة بالأخضر

لاحظ أن في هذا التعبير نوعًا من التسرع،لأن مجيء العجوز الذي يجمع الأشلاء القديمة ظهر بلامقدمات وظهر وكأنه أمر سهل لا عناء فيه ، لعل الصورة الذهنية عندما تسيطر على الفرد تجعله مستعجلاً التعبير عن المضمون بشكل أسرع من العمليات المنطقية الضرورية لذلك.
عرفت كيف للانسان ان يحتفظ بالصراخ المخنوق ليستجدي الراحلين نحو الوطن بان يعيدو الروح للجسد

هذه كسابقتها منفصلة عن جو النص بشكل كبير .

فيا وطني المبلل بالدمع والحطام ,, ايها المزروع كالحرف في شفة القصيدة .. عما قريب إنا نحوك عائدون
تأتي لفظة النداء معبرة عن الأمل الأخير الذي هو آخر استجداء أو تقليد للعجوز لينتهي المتحدث من الحديث إلى الوطن حتى يصل إلى خلاصة الكلام وهي العودة ، كانت النهاية بها في صالح النص لأنها أكدت إيجابية الموقف الذي يتخذه المتحدث وهو النداء وليس الصمت.
كذلك الوطن المبلل بالدمع أتت عبارةفي مكانها المناسب فالوطن لم يبلل بالندى ولا بماء الغيث وإنما بالدمع لينفي احتمالية أي خير آت للوطن .لكن الحطام لا علاقة له بالدمع ولا يكون مبتلاً وهنا نكون إزاء خطأ في خصائص البيئة التشبيهية .
أخيرًا النداء يتكرر مرة أخرى ليعبر عن ماهية الوطن ويأتي التعبير بأيها المزروع كالحرف في شفة القصيدة ليعبر عن تعدد في مستويات الخطاب ، فالوطن المبلل بالدمع تعبير للبسطاء بينما الحرف في شفة القصيدة للمثقفين وكأنه استنهاض لهم واستدعاء وتعبير عن ماهية الحرف ووظيفته في الحياة لئلا يكون أداة للهذر والترف الفكري والثقافي ، وكان تعبيرًا عبقريًا عن مدى التلازم فكما أن الحرف لا يفارق أول القصيدة أو شفتها فالوطن كذلك لا يفارق الإنسان .
وكان التعبير مميزًا في الجانب التجسيدي له وهو أن تكون القصيدة فمًا يتحدث كأنها جزء من إنسان وكأن اللسان هو الشيء الوحيد الذي يخلد ذكر صاحبه.
العمل اتسم بدرجة كبيرة من التشكيلية والتعبيرات المجازية المنتقاة بعناية كما أنه اتسم بالقصر والوعي بمواطن أو مواضع استخدام الكلمات ،ولغة الخطاب .
عمل مميز أشكرك عليه ودمت مبدعًا .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس