عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-11-2023, 07:17 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,994
إفتراضي

طفرت الدموع من عينيه .. أمسك بعصاه وبدأ يتوكأ عليها مبتعدا .. سمع صوتا يناديه من خلفه فنظر مندهشا .. كان ثمة من يناديه صائحا:
" يا عم .. يا عم! "
إنه صاحب الحانوت .. فلما آتي وراءه؟!
نظر إليه بعينين كليلتين أحاطت بهما انتفاخات قبيحة وتدلت أحرفهما وعمرتهما الدموع وأحمر بياضهما:
" يا عم! "
خرج صوته القديم أخيرا وسأله متوجسا:
" أتعرفني! "
ابتسم له الرجل التاجر البسيط الذي كان يحمل صرة صغيرة في يده برقة وهتف مجيبا مطمئنا:
" لا والله يا عم .. لكنني جئتك بشيء من الطعام! "
مد إليه يديه بالصرة .. دفعها نحوه فلم يمد يدا ليأخذها .. أستحثثه الآخر برفق قائلا:
" خذها فإن فيها طعاما كثيرا .. عرفت أنك جائع جدا فجمعت لك كل ما لدي في البيت من طعام .. والله ليس لدي غيره .. خذها بحق الله! "
أنفتح فم التائه الأبدي وقد أحس بمس من الراحة في صدره وهتف متجاوبا مع ألم عميق ينخر صدره:
" بحق الله؟! "
نظر إليه صاحب الحانوت بدهشة قليلة وسأله بحذر لكن بدون ضغينة:
" ألا تعرف الله؟! ألست مسلما؟! "أنتبه التائه للكلمة فقال مسلما تماما:
" وماذا لو لم أكن؟! "
نظر إليه التاجر للحظة ثم ابتسم ابتسامة عريضة ودفع إليه صرة الطعام حتى وضعها في يديها وقال بقلب صاف تماما:
" لا يوجد أحد لا يعرف الله حتى الثمار التي في يديك .. خذها وكلها مريئا .. وعندما تعود إلي القدس يوما مر بي أضيفك في بيتي أيها الشيخ الصالح! "
بهت التائه وشعر بشيء ميت قديم ينتفض في أحشائه ويتلوي مستيقظا بعد سبات طويل عميق .. فجأة شعر بألم يحرق جوفه .. دارت حوله الدنيا وشعر بأنه ينقلب وأن زرقة السماء الباهتة صارت تحت قدميه .. أنقلب رأسا علي عقب فتلقاه التاجر علي يديه:
" ما بك .. يا عم ما بك! "
ابتسم " كارتا فيلوس " أخيرا ورفع أصبعا مشيرا إلي فوق وهتف غير مصدق:
" هناك .. هناك! "
رفع صاحب الحانوت رأسه فرأي هالة من النور تتجمع بالقرب من رأسه ورأس الرجل المسجي بين يديه .. طفق النور يتجمع ويتشكل حتى أتخذ شكل رجل جميل معتدل القامة مفروق الشعر أحسن منظرا من أي شيء رآه في حياته .. تدلي الرجل من هالته المشعة حتى لامست يداه جبهة الطاعن في السن المستلقي بلا حول ولا قوة بين يدي التاجر .. لم يجفل التاجر من رؤية هكذا منظر خارق مبهر .. تتمتم ببعض الآيات الكريمة بصوت خفيض فنظر إليه الساكن وسط النور مبتسما:
" نعم .. أطلب له الرحمة! "
واصل صاحب الحانوت التمتمة بينما اعتصر الرجل المشع نورا جبهة التائه وناداه ففتح عينيه المزرورتين ألما وإنهاكا:
" كارتا فيلوس! "
أنتبه الرجل العجوز من غفوته المؤلمة وفتح فمه ليقول بصوت مبحوح متألم:
" أيها السيد! "
" كم عانيت أيها الرجل .. أتراك تدرك الآن أي طريق اخترت لتسير فيه؟! "
علت تعابير الألم والندم وجه التائه وهتف نادما صادقا:
" طريق خاطئ أيها السيد .. اخترت الطريق الخطأ وتهت فيه حتى كفرت عن كل خطاياي بالحياة لا بالموت! "
ابتسم له الرجل المنير وقال بحكمة: " إن شر الخطايا هي التي يكفر عنها المذنبون بحياتهم لا بموتهم! "
" نعم .. نعم وحق الله! "
هتف التائه مستسلما معترفا فقال له الآخر:
" لقد عانيت بما يكفي .. وجاءك هذا بطعام بيته الأخير فدفع عنك بقية دينك الثقيل! "
اتسعت عينا التائه دهشة وترقبا منتظرا النعمة التي لا يجرؤ على الحلم بها لكن الرجل هتف من وسط هالته المضيئة:
" أذهب .. محلول من خطاياك! "
حاول الرجل رفع جذعه غير مصدق .. سرت فيه موجة قوة طارئة مفاجئة .. لكنها كانت الأخيرة .. فما لبث جسده أن أرتخي كعود عشب سقط فوقه المطر المنهمر فأحني رأسه له .. سقطت رأسه فوق حجر التاجر وأنتزع النفس الأخير من صدره بفرحة .. هوي باقي جسده مفككا وما لبث أن أنهار تماما .. أنفتح فمه وانبلجت عيناه مفتوحتين تحدقان في ملكوت الله بشغف .. إنه يري السماء والأرض جميلتان لأول مرة .. كم هو جميل ومحكم هذا الكون!
أخيرا توقف تنفسه تماما وارتحلت روحه إلي حيث كان يجب أن تستقر منذ أزمان طويلة مؤلمة مليئة بالشقاء .. أنقطع خطه الطويل الشاحب الآن وتبدد طرفاه ثم لم يلبث أن تلاشي وتلاشت معه السماء الباهتة .. تفتحت السماء في زرقة بهيجة فوقه .. كم هذا جميل!
أنتظر صاحب الحانوت حتى انتهت سكرات موت صاحبه وسكن جسده تماما .. تلقي رأسه علي حجره وأرقده فوق ساقيه .. أخيرا مد يده يغلق عينيه المفتوحتين .. ثم أنحني علي جبهته يتلو الفاتحة!."
وما يؤخذ على حكاية منال أمرين :
الأول التعابير الكاذبة كما فى القول :
كم هذا مؤلم وممض ومضجر .. إنه يدرك عذاب الكواكب التي تدور في أفلاكها الأبدية الآن ويتفهمه!
لذلك تحمي الشمس عاما بعد عام .. لم تسخن غيظا بل مللا من وضعها القديم ورغبة في حرق كل ما أسفلها حتى تحترق هي وتستريح!"
فالحديث عن عذاب الكواكب والشمس خاطىء فالمعذبون عند الله هم الكفار من الإنس والجن بما أنهم هم المكلفون المخيرون بين الكفر والإسلام كما قال تعالى :
"والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب"
وقال :
"ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون"
الثانى نزول المسيح (ص) أو الملاك الأرض لكارتا فيلوس كى يريحه بالموت وهو ما يتناقض حرمة عودة الموتى للدنيا وعدم نزول الملائكة الأرض لعدم الطمأنينة فيها كما قال تعالى :
" قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
وعذب مدير الموقع الذى نشرت فيه الحكاية بالقول :
"توضيح من موقع كابوس
قصة أو أسطورة اليهودي التائه تعود لقرون بعيدة
هناك راويتين حوله , الأولى تقول بأن اليهود عندما حكموا على السيد المسيح وارادوا انزال العقوبة فيه وبينما هم يجرونه جرا إلى خارج المحكمة تعثر بعتبة الباب فضربه الحاجب اليهودي الواقف بجانب الباب على ظهره ودفعه وقال له: "أسرع .. أسرع .. لا تتلكأ " .. فنظر إليه السيد المسح وقال: "سأمضي أنا بسرعة أما أنت فستبقى ".
ومنذ تلك اللحظة حلت اللعنة على ذلك الحاجب اليهودي الذي تعددت أسماءه , ومنها أسم " كارتافيلوس " فقد صار مكتوبا عليه أن يبقى يدور ويشقى في أرجاء هذه الأرض إلى يوم يبعثون.
وقيل أنه كلما مرت عليه مائة عام أصابه ضعف وهزال شديد فيغيب عن الوعي لفترة ثم يستيقظ شابا كما كان في اللحظة التي حلت عليه اللعنة فيها , وتبدأ بذلك دورة جديدة من حياته , وفي كل دورة يكون له أسم جديد , متنقلا من بلد لأخرى , ومن مدينة لثانية , وهو قليل الكلام يتجنب الاحتكاك بالناس. وعلى مر القرون هناك مشاهدات مزعومة كثيرة لهذا اليهودي التائه.
الرواية الثانية للقصة لا تختلف عن الأولى كثيرا , لكن هذه المرة اليهودي التائه هو اسكافي من أهالي القدس , فحينما أنزلوا السيد المسيح من الجبل متوجهين به إلى خارج الأسوار , توقف للحظة أثناء الطريق ليلتقط أنفاسه , فأنبرى ذلك الاسكافي من بين الحشود ودفعه وصاح فيه قائلا: "أسرع .. أسرع .. لا تتمهل" .. فأجابه السيد المسيح بما ذكرنا آنفا.
أسطورة اليهودي التائه لها أمثلة في تراث الكثير من الشعوب هناك أسطورة السفينة الشبح التي تعرف باسم الطائر الهولندي وقد فصلنا قصتها في مقال سابق نشرناه على موقع كابوس.
في التراث الإسلامي هناك قصة الخضر , وأسمه لم يذكر صراحة في القرآن الكريم لكن أشير إليه بأنه عبد من عباد الله .. وقد اختلفت الروايات حوله , فمنهم من جعله نبيا ومنهم من جعله وليا وآخرون قالوا مجرد رجل صالح , وقيل بأنه دخل الظلمة مع ذو القرنين فشرب من ماء الحياة وأكتسب الخلود إلى يوم يبعثون وهو حي موجود إلى يومنا هذا , فيما يرى آخرون بان هذه مجرد خرافات وبأنه مات كما مات غيره من البشر , وطبعا هذا الجدل ليس موضع بحثنا لكننا ذكرنا قصة الخضر للتدليل على أن قصص الأحياء الخالدون موجودة في تراث معظم الشعوب."
والرد على التعقيب هو أن كل حكايات الخلود الدنيوى لبشر يكذبها قوله تعالى :
" وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد"
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس