عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-04-2006, 04:30 PM   #22
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(8)

لو سألك أحدهم عن ملحقات الدار ، فإنك ستفاجأ للحظة ، ثم تستحث ذاكرتك ، لتكتشف أن ملحقات الدور لم يعد منها قائما في هذا الوقت أي نموذج ، فستبادر لنفض غبار السنين الطويلة من على رفوف مخططات بسيطة وبدائية لتوابع ، لن تخطر ببال أحد إلا في لحظة تصميمها ..

لم يكن في الدور ، خطوط لإسالة المياه ، لا الواردة ، ولا المصروفة ، فكنت ستجد بئرا حفر في منتصف ساحة الدار ، بعمق يصل أحيانا الى ثمانية أمتار ، ويأخذ شكل حفرته ، ثمرة الكمثرى ، كان يحفره أناس صبورون ، بعد إزالة التربة الطينية ووصولهم الى طبقات الصخر ، فإنهم ينقرون في الصخر بجلد كبير لمدة شهرين أو أكثر ، بواسطة أدوات معدنية ، العمل بها مضني .. ويضعون في أعلى الحفرة بكرة يربط بها حبل مزدوج ، لنزول من يحفر صعوده ، ولاستخراج ما يجمعه من قطع صخر ، فيضعها بقفة ويقوم بشد طرف الحبل حتى تتناول القفة في النهاية زوجته أو ابنته منه .. فترمي محتوياتها في مكان يبعد عدة خطوات عن مكان الحفر .. وستوظف تلك القطع الصخرية في شأن آخر ، ذات يوم ..

كانت الآبار تتسع بعد تشييدها و إغلاق مساماتها الصخرية بواسطة ( الجير) الى حوالي مئة متر مكعب من الماء .. وكان هذا يكفي طيلة العام ، لسقي الحيوانات و القيام باستعمال ماء البئر في شؤون أخرى ، عدا الشرب ..
وكانوا يزيلون ما ترسب به من ( سمالة ) أي الطين كل خمس سنوات ، ويوظفوا ذلك الطين في عمل ( الطوب ) بعد خلطه بالتبن ليشتد و لا يتشقق !

كان يلحق بالبئر (جرن ) وهو قطعة حجر تتسع لأكثر من خمسين لترا من الماء ، توضع في تجويفها الذي نقر ليصبح كماعون ، به فتحة في أحد زواياه السفلى ، لتصريف ما يتبقى من الماء المتسخ ، من عبث الحمام أو الدجاج ، أو ما ينزل من أفواه المجترات التي شربت منه ، وكان أحيانا يوضع به قليل من القطران لشأن يخص الحيوانات ، خصوصا الأغنام و الجمال ..

وكان يرمى بجانبه دلو من كاوتشوك أو سطل قديم ، تثبت بأعلى فتحته الواسعة ، قطعة خشب ليربط بها الحبل ، فكان من يستخرج الماء ، يرمي بالدلو الى أسفل البئر ، ثم يمتحه بثلاث أو أربع أو خمس متحات ، وكان من يراقبه عن بعد يتخيل له أن هذا الماتح ، الذي يضع قدميه منفرجتين على حافتي فتحة البئر ، كأنه يقوم بتمارين سويدية من نوع خاص ، هذا بعد أن يكون قد اطلع على تلك التمارين !

كنت ترى في جوانب ساحة الدار ، جدران أقيمت لا على تعيين ، بل لشأن لحظي ، لحبس صغار الماعز ، أو لعمل ( مرحاض) دون حفرة طبعا ، فالدجاج المتجول بساحة الدار ، كفيل بإزالة أي شيء يلقاه ، ولم تكن موجودات المراحيض قد سجلت في قائمة الممنوعات للدجاج ..

وكنت ترى ، قبة من طين صغيرة يقال لها ( قن ) لحجز صغار الكتاكيت و أمهم ( القرقة ) .. كما أنك لو تجولت ، ستجد حظيرة للأبقار ، أخذت زاوية معينة في ساحة الدار .. وسيصادفك بعض الحجارة المثقوبة الناتئة من حائط قائم ، لربط بعض الجمال أو الخيل ..

وكنت تجد بناء مكعب من مترين تقريبا ، تربض به جرة ( خابية) تتسع لحوالي ربع متر مكعب من ماء الشرب .. ومظللة بسقف يمنع أشعة الشمس . كما ستجد حفرة صغيرة في الأرض ، شيدت لوضع الماء للدجاج المتجول ، والحمام الذي ينزل بين فينة و أخرى لالتقاط رزقه أو لشرب بعض الماء .

كما أنك إذا كنت في غفلة من أمرك ، ستصطدم بحبل غسيل ( سلكي) قد هبط قليلا حتى أصبح بمستوى رأس رجل طويل ، وكان يستخدم لنشر الغسيل ، وحفظ اللحوم الزائدة عن القطط ، فاذا ما زاد بعض اللحم ، و أي لحم ، لا بد لذلك من قصة أخرى ، فإن أهل الدار سيرفعون اللحم ليبقى طازجا بقدر الإمكان في صرة معلقة على حبل .. وكانت القطط المقهورة التي تراقب الصرة ، ولكن لا تطولها ، هي من تكشف لك السر ..

أما مياه الصرف الصحي ، وهي قليلة جدا فكان يحفر لها حفرة بحجم حفرة الأشجار ، بجنب كل غرفة بها زوجين ويستحمون داخلها ، ونادرا ما تمتلئ لشدة التقنين باستخدام المياه ..

كنت تلاحظ مجموعة من ( الطواقي ) وهي حجرات صغيرة تصنع من طين على حافات الأسطح ، يربى فيها الحمام ، وتكون بوضع يصعب على القطط الوصول الى (الزغاليل ) .. التي كانت تربى لتغذية ( النفساء ) أو تهدى للعرسان أو النقهاء من مرض ..

كنت تلاحظ سلما ، مركيا على حافة حائط ، يستخدم للصعود على الأسطح ، والتي كان لا يصعد عليها إلا في المناسبات ، حتى لا تصبح نافذة لماء المطر ، من كثر السير فوقها ، فكانت تتكون من طين وقصب و تبن و بعض الجسور الحديدية أو الخشبية ، وكان يضاف عليها طبقة من الطين ( المملس ) كل عام لإغلاق الشقوق ، التي تتكون بعد موت الأعشاب التي نمت من بين طين السقف والتي جاءت بذورها إما من التراب المستعمل أو التبن الذي خلط مع الطين .

كان الصعود على الأسطح ، يعتبر ظاهرة غير محببة ، لما سيكشف من عورة الجيران ، ولو أن ذلك قد تمت الاحتياطات له ، لكن كانت مناسبات الصعود على الأسطح يعلمها الجيران ، فهي إما لإضافة الطين ، أو لنشر القمح المسلوق ، لعمل البرغل ، أو لنشر اللبن المنطل ( الجميد ) أو ( الكشك ) ..

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس