عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-07-2010, 11:02 AM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي



بقدر ما يكون الأدب مقترنًا بمأزق الإنسان وقضاياه المعاصرة ، وبقدر ما يكون متماسًا مع الآلاف والمشاعر التي تبحث عمن يحسن استخراجها لا مجرد التنقيب عنها بقدر ما يكون لهذا الأدب الخلود والتربع على عرش الأبدية التي لا تقبل بتواجد أنصاف المقتدرين عليها وهي في النهاية أبدية جزئية لئلا يكون الخلط بأبدية الآخرة مقصد القارئ .
وإذا كان المجتمع المصري مادة خصبة لكل مواد الأدب شعرًا و نثرًا ، فإن قضية مثل قضية الهجرة غير الشرعية تعد واحدة من القضايا التي يمكن القول أنها على خطورتها نالت قدرًا أقل من الاهتمام الأدبي على سائر مناحيه ومن هنا تأتي قيمة هذا العمل من حيث أنه تعبير عن هذه المعاناة التي تحاول وسائل الإعلام التكتم عليها من خلال تغطيتها لأخبار أخرى أقل أهمية كما أنها أيضًا تند عن تعاطي مؤسسات حقوق الإنسان في غمرة وجود قضايا أخرى أكثر إلحاحًا لتعيش هذه القضية كاللقيطة –على خطورتها- تبحث عمن يتبناها ، لتأتي اليد الممدودة لمجدي عزمي لتؤدي هذ الدور ، مبدع يمد يديه إلى قضية مهما بلغت أهميتها فهي (مغمورة) في خضم قضايا اجتماعية أخرى أكثر إلحاحًا.
تبتدئ القصة من خلال أسلوب الاستعادة الخلفية (flash back) والذي يستخدم فيه المبدع العبارات الأكثر شيوعًا وانتشاراً بين الأوساط الشعبية في مثل هذا الموقف والتي يبرِز من خلالها قيمة التضامن بين المجتمع وأفراده البسطاء الذين يخرِجون اللقمة من فِيهم ليأكلها من جوعته بلده آمنة راضية مطمئنة ..وكانت التعيرات المستخدمة باللهجة العامية قادرة بشدة على إيصال الفكرة للقارئ والتي في الوقت نفسه أبرزت حالة الانكسار التي سيطرت على بطل هذه القصة . وكان السرد في صالح العمل الأدبي من حيث أنه دخل إلى صلب الموضوع ولم يضع ممهدات وهذا الأسلوب في التعامل مع مثل هذه القضايا هو الأنسب لأن القضايا ذات البعد الاجتماعي الأكثر التصاقًا بالإنسان على شاكلة هذه القضية لا يحتاج التعبير عنها إلى قدر كبير من التفلسف والتعمية على القارئ واللامباشرة مما يجعلنا على يقين بوعي المبدع بالأسلوب الذي ينتهجه فهو في ذلك يشبه المباشرة النسبية التي استخدمها شعراء الحداثة في التعبير عن هموم المواطن العربي لأن المتلقي هنا هو المواطن وليس المثقف ، إلا أن وقوع القصة في منطقة متعددة المستويات يعد أحد هذه السمات الجيدة لهذه القصة.

ويأتي التعبير (أجهض كل ما في رحم ماضيه) في حركة عكسية مع حركة البحر الذي ما زال يستقبل الجديد والجديد من الوافدين ،وكان التعبير في ذاته شائقًا في أنه جعل التعبيرات الأكثر استخدامًا مع الأنثى موظفة في التعبير عن حال رجل ، وكل الواقع المحيط به ليس فيه سوى رجال فقط .وكان التعبير رائعًا في توضيحه لقتامة الحاضر الذي أجبره على ذلك .
وبعد ذلك نجد الكاتب العزيز منتبهًا إلى أدق التفاصيل التي تمثلت في صورة النسر الذي استطاع أن يفلسف وجوده العدميّ في هذه القطعة (ليغرق كبرياء نسره الفضي) ليكون النسر هو ذلك الإنسان المصري الذي لم يعد أكثر من مجرد صورة على البطاقة وتنتفي رمزيته عن العلم . كذلك يلقي الكاتب الضوء على الحجاب الذي ناح لحاله وتبدو هذه الأشياء الدقيقة أشد التصاقًا بضميره وإن كنت أرى أنه كان من الممكن توظيف هذه الكلمة الحجاب لتأخذ معنى آخر كحجب الضوء أو ما شابهه ليخرج القصد عن زي الحجاب إلى الحديث عن حالة الحجب نفسها. كما كنت أرى أن من الأفضل أن يضع الكاتب نقاط بين كل مشهد .. لتعبر عن سرعة مسير الأحداث في مثل هذا الموقف .
وعلى تراجيدية الموقف إلا أن المبدع تمكن من استخدام عبارة ما استخدامًا ساخرًا ليعبر عن هذه الحالة من التناقض بين الواقع والماضي ممثلة في (بر الأمان والزعفران ) لتكون هذه الأرض التي كان وقتها ساخطًا عليها ناقمًا من وجوده على ترابها –في لحظة الموت فقط- أرض رغد ورخاء . كما أن القارئ يستخرج من ذلك إشارة أو إشاحة إلى ما يردده دهاقنة النظام السياسي من أن مصر واحة الاستقرار والأمان ، وإيماءة في سخرية إلى المترفين الذين ينتقدون تصرف الشباب بهذا الشكل( المتهور ) على اعتبار أن مصر أرض رخاء و أمان وما يدور في فلك الأغاني المصرية عن الأرض وارتباط المصري بها ، لتكون هذه الأرض –في نظر المبدع- هي الصورة المخففة من البحر والتي لولا قسوتها لم لجأ إليه. لذلك كان هذا التعبير قويًا في دلالته وإيحاءاته الإنسانية المتعددة.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس