عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-06-2011, 11:18 AM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

العلاقة بين أبجديات المنطقة

البحث في تلك العلاقة، لا يخلو كثيراً من براءة، فالأهداف السياسية تتضح من خلال تلك البحوث وتوظيفها بدأبٍ ومتابعة، وتكون اليد العُليا بالأخير لمن يملك الدلائل والبحوث ووسائل نقلها والاحتفاظ بقدرٍ كبير من (الرُقم)، وقطع الآثار التي تبرهن على العلاقة العضوية بين تلك المكتشفات الأثرية.

وكون الغرب، قد بدأ بالاهتمام بتلك النواحي، وكون موازاة البحث فيها قد صادف ذروة نشاطه الاستعماري، فكان من السهل توظيف تلك البحوث في ترسيخ مفاهيم تعاونه على خلق أجيال أو طلائع أجيال تتبنى فكرته، خصوصاً إذا عرفنا أن معظم أو كل طلبة المنطقة الذين اهتموا بهذا الجانب من البحوث، قد تتلمذوا على أيدي العلماء والخبراء الأجانب ودرسوا وكملوا تعليمهم العالي في جامعاتهم.

ويستطيع المتتبع أن يفرز النوايا السيئة من النوايا العلمية المحضة، من خلال جهد بعض العلماء العرب، ومقارنتها بجهود مَن يخدم الأهداف الاستعمارية، فالاستشهاد بأحد الحفريات وتجاهل غيرها التي قد تدحض ما جاء في الأولى يدلل على النوايا السيئة.

الجهود الفرنسية في سلخ الجزء الغربي من المنطقة

حاولت إدارات المستعمرات الفرنسية أن تشيع مفاهيم مُعينة لإقناع أبناء الدول المغاربية بأن لا صلة لهم مع المشرق العربي، لا من قديم ولا من جديد. فمنذ عام 1913 وهو التاريخ الذي صار فيه كتابة اللغة البربرية بأحرفٍ لاتينية، حرص الفرنسيون التركيز على الزعم بأنهم مهتمون بجعل اللغة البربرية ملائمة للعصر، كخطوة تكتيكية لعزل العربية مما يفسح المجال لإحلال الفرنسية محل الاثنتين*1

وقد تم التهويل في مصطلح (تيفيناغ) والذي يدلل على اللغة الخاصة بالأمازيغ أو البربر. وبالمناسبة، فإن تغيير اسم البربر الى أمازيغ قد جاء من طرف الأوروبيين لتحرجهم من اللفظ الذي يعني عندهم الأناس المتوحشين، في حين لم يتحرج العرب ولا حتى البربر من هذا اللفظ لأنه يعني في لغتهم التكاثر الغزير والتوغل في الصحراء*2

وقد تحدثت الأكاديمية البربرية في إحدى وثائقها عن هذا الموضوع في شيء من النخوة والاعتزاز، قائلة (وإذا كان العرب يدينون بالفضل للآراميين والأوربيون يدينون للفينيقيين... فإن البربر لا يدينون لأحد في وضع الحروف الهجائية للغتهم... أي أنهم قد اخترعوا ـ إذاً ـ هذه الحروف التي ترجع الى عهد ضارب في القدم (3000 سنة قبل الميلاد، والتي حافظ لنا عليها أخوتنا في (التوارق: الطوارق) في الصحراء)*3

وتفسير كلمة (تيفيناغ) بأنه (هذه اللغة ملكنا أو لنا) هو تفسير ضعيف بلا شك، أراد أصحابه أن يطوعوه للهدف الذي يعزز العزل، ولو أردنا التعرف على الكلمة بشكل أكثر لوجدناها تعني (الفينيقية) فالبربر يؤنثون الشيء بوضع (التاء) في مقدمته (تطوان؛ تمازيغت؛ تليلان؛ توشين؛ تفشيش) الخ، أما الفينيقية فهي تعني التحضر ولم يطلق الكنعانيون على أنفسهم لفظ (فينيقيين) ولكن الآخرون قد وصفوهم بها فقالوا عنهم (المتحضرين) والبربر عندما يكتبون بهذه اللغة فإنهم نسبوها الى الفينيقية (المتحضرة).

والإدعاء بأن تلك اللغة قد كتب بها قبل خمسة آلاف سنة، فهو قولٌ ضعيف أراد منه مطلقوه أن يفصلوا بين وصول الكنعانيين واستعمال تلك اللغة. وأن (النقائش) التي عُثر عليها بهذه اللغة لم تتعدى (1125) نقيشة، معظمها على القبور، وكانت بكلمات قليلة لم تلتزم بالكتابة باتجاه واحد، بل تجدها أحياناً تُكتب من اليمين الى اليسار أو من اليسار الى اليمين أو من فوق لتحت أو العكس.

وأول نقش تم اكتشافه كان عام 1842 وهو أقدم تاريخ للُقَى المسجلة، وكان مكتوباً أصلاً بالخط (اللوبي: الليبي)*4. وأقدم تاريخ معروف لهذه النقائش هي نقيشة (دقّة) التي يعود تاريخها الى حدود سنة 139 ق. م، أي السنة العاشرة من حكم الملك البربري (مكوسن بن الملك مسنسن). ولا يوجد نصوص طويلة لأي نقيشة.

خاتمة هذه الحلقة

لقد وقفنا قليلاً عند هذا الموضوع للتدليل على الجهود المضنية التي تقوم بها الدوائر الغربية لتفتيت الانتماء المشترك لأبناء هذه المنطقة، وللتمهيد لدعوات إثنية في كل بقعة أو في كل بلدٍ من بلداننا من أجل إشغال أهله في خلافات اثنية تبقي على تخلفه..

وسنتتبع العلاقة بين كل أبجدية مع الأخرى، في الحلقات المقبلة.

هوامش

*1ـ محمد المختار العرباوي/ البربر عرب قدامى/ طبعة ثانية/ تونس 2000/ صفحة 11 و 12.
*2ـ الصلات المشتركة بين أبجديات الوطن العربي القديمة/ بحوث الندوة العربية التي نظمها بيت الحكمة/بغداد: 2002/ صفحة 351.
*3ـ صالح بلعيد/ في المسألة الأمازيغية/ الجزائر: 1999، صفحة 90.
*4ـ J.Chabot: Recueil des in******ions libyques- imprimerie nationale – Paris 1940 نقيشة عدد1 صفحة 2.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس