عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-05-2009, 06:38 AM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
قصيدتك أخي العزيزة جد رائعة وتحتاج وقتًا طويلاً للغاية كي أعلق عليها فاعذرني إن قصرت فيها فذا جهد المقل .
* صوتيًا :
كان النجاح على صعيد القافية واضحًا باختيار حرف النون وهو حرف أنين ثم إنه جاء مكسورًا ليعبر عن حالة الانكسار النفسي والمتولدة من الرثاء لما صار لبغداد من خراب ودمار وهذا يحسب لك بشدة ، كما أن إيقاع بحر البسيط رجراج يتميز بمناسبته لأصالة الشعر العربي والمعنى المراد إيصاله للمستمع من ناحية ، ومن ناحية أخرى تجده يعالج آلام النفس من خلال إيقاعه المعبر عن الاسترسال في الألم والحزن وهذا تماشى بشكل كبير مع القافية ليصنع منها عملاً جيدًا يستحق الإكبار والإشادة.

أسلوبيًا :

كان التجسيد عنصرًا فاعلاً في نجاح القصيدة والبعد بها عن التقريرية التي لا تزيد عن العمل شيئًا وهاك أمثلة من الاستعارات والتشخيصات التي أكسبت القصيدة رونقها :

بغدادُ ما قبـّـلت ْ شمس ٌ ثــرى وطــــن ٍ ..........
أعـز َّ منـــك ِ ولا أغلـــى لمشـــجون

إن الشمس تقبل ثرى العراق وهنا انعكاس المعادلة وجعل الأعلى ينحني لتقبيل الأدنى يدل على قيمة هذا الثرى وهذه القبلة هي الإشراف فوقها ..تشخيص يتسم مع تاريخ العراق ومع طبيعة العراق والتي لو أتيت على النخيل فيها لكان أشمل وأكثر اتساعًا ورفعة وتكاملاً.

مـــا ذنبُ بغداد َ أنْ ترضى العـُلا وطنا .........
. والكـلّ قـــــد عشقوا ديـمومـــة َ الدون ِ

كان تشبيهًا جيدًا تستشف من خلاله معنى العلو إذ هو وطن فكل ما عاداه احتلال وهذه رؤية جيدة !!

بـغداد ُيـا ديـمـــة َ الآمـال ِ إنْ عطشَت ْ
..........يـا صحـوة َ الروح في الأعماق تحيينـي

كان جيدًا أن تشبه هذه الأرض الكريمة بما يشبه البحيرة ولكن ماؤها عذب وهي الديمة وأنسنة الآمال وإلباسها زي الإنسان وإعطاؤها صفة العطش أدى إلى تكامل الصورة ومراعاة النظير .

وفـــي سمائــك ِ مـد ّ المجد ُ قـــامتـَـــه ُ
..........لينظـُم َ النجم ِ شعرا ً فــــــي الدواويــن

صراحة كان بيتًا رائعًا للغاية وعبقريًا ، كان هذا التشخيص جيدًا وكانت صورة المجد ومقاربتها بالمجد في غاية الإتقان من حيث توصيل الصورة ودلالتها كذلك تأكيد من بعيد على قيمة الشعر ودوره في الحياة إذ أن النجم هو الذي ينظمه مما يؤكد على وعي بهدف الشعر ودوره في الحياة .

نسـْر ٌ تـُجـَـرجـِرُه ُ الغـِـربــان ُ للطيـــن

كانت صورة مؤلمة للغاية ومشعرة بالفاجعة للتناقض بين وظائف وطبائع الأشياء وفيه اتكاء على خصائص الطيور وتمكنها من نفسية الإنسان العربي وأشعر بالأنات خارجة منه. وإن كنت أقول الصقر ستكون أنسب لأن النسر يأكل الجيف بينما الصقر أسرع وأقوى انقضاضًا .
واليـوم َ بغداد ُ ارضُ العـز ّ تـُلهبـُهــــــا
..........نـــار ٌ تـُـبـَـرّدهــــا نــــــار ُ البراكيــــن

تعبير قوي متميز عن شدة الحرارة وضيق النفس بها هذا الألم الذي تعد نار البراكين بالنسبة له مبردة . استخدام الأشياء بعكس وظائفها كان في صالح العمل .


بغداد إن لـُذت ُ بالأشعار ِ أوقـظـُهـــــــــا
..........فـي هـدأة اللـيل نبـضــا ً فـــي شرايينــــي
. التشخيص كان جيدًا معبرًا مؤكدًا مرة أخرى عن دور الشعر في الحياة وتشبيهه بالإنسان من حيث خصائص اليقظة والنوم يجعل التعامل معها تعاملاً مؤثرًا في النفس لأنه يجعل قناعة الفرد بأن استخدامها أتى مؤكدًا دورًا بديلاً عن الإنسان الذي لم يعد قادرًا على فعل شيء .
وزاحمتـني قوافــي صرت ُ أشعـِلـُهـــــــا
..........جـِـمـارَ شوق ٍ مع الآهـات ِ تكوينــــــــــي

نفس الأداء الجيد والاستخدام للقوافي كأسلحة تأكيد على دورها في الحياة والتجسيد كان مشعرًا بالتكامل في الصورة ومراعاة النظير كانت حاضرة بشكل أكد على التمكن من اللغة بشكل جيد .

من حيث الرؤية :
أجد أن الشاعر له الحق في أن يطرح ما يناسبه من الرؤى لكن هذا لا يجعله ملزِمًا غيره بما يعتقده هو ، فالخوض في الشخصيات والاستدلالات التاريخية أمر يحتاج إلى عناصر معقدة للحكم عليه .
فالأفشين كان زنديقًا لعنه الله وكان يكره العرب ويكيل لهم المؤامرات وكاد أن يقتل أبا دلف العجلي لأنه عربي لولا تدخل قاضي المأمون وتهديده إياه . إنه نموذج للقائد النجس الذي اتسم بالعنصرية من ناحية وكان مشكوكًا في دينه من ناحية أخرى ولو أنه لم يقتل لانتهى مجد الدولة العباسية مبكرًا . لذا فمن الخطأ أن يصادر الشاعر حرية الحكم على الشخصية التاريخية لا سيما وأنها ليست رمزًا تاريخيًا ولا محل إجماع وفي النهاية لم يكن عربيًا ليشبه العرب بأنهم مظلومون مثله .
القصيدة من حيث إشكالياتها تناصت من حيث المعنى بقصيدة الشاعر سعاد الدين الصباح قصيدة حب إلى سيف عراقي عنما قالت :
لماذا تقاتل بغداد عن أرضنا بالوكالة
وتحرس أعراضنا بالوكالة
وتحمي أموالنا بالوكالة
لماذا يموت العراقي حتى يؤدي الرسالة ؟
ثم تمضي لتقول :
لماذا يموت العراقي والمترقون بحانات باريس يستنطقون الديارا
ولولا العراق لكانوا عبيدًا ،
ولولا العراق لصاروا غبارا
وبغض النظر عن صحة ما تقول هذه الشاعرة إلا أن تحميل وطن واحد هموم العرب كلها وإظهاره في شكل الحامي الأمين دون سواه من شأنه إثارة مشكلات عرقية كثيرة . لا سيما وأن نظام الحكم السابق رحم الله صدامًا كان له من الأخطاء ما لو تجنبه لما صار للعراق ما صار له . ذلك النظام البعثي العبثي الذي ضيع كل العراق في سبيل نزوة الاستعلاء وفكرة المجد الشخصي .. لذلك لابد من الحذر في تناول الجوانب المتصلة بالقضية سياسيًا وأيديولوجيًا .وبعد ذلك لا أعرف ما هو دور العراق في حرب العاشر من رمضان ، إنما كان الدرو لمصر وسوريا فيها بشكل أكبر

وإذا كان من حق الشاعر اتخاذ الرمز المناسب له أيديولوجيًا وفكريًا إلا أن مفاضلته بالشخصيات البارزة شبه المجمع عليها لابد أن يشوبه الحذر الشديد .فمن الخطأ المفاضلة بين صدام وصلاح الدين من حيث النتائج والإنجازات والعقيدة لولا أن تاب صدام في آخر عمره .رحمه الله .
لا أجد ما أقوله غير ذلك ، وكنت أرى وهذا رأيي الشخصي لو أنك صدّرت القصيدة بالبيتين :
والله ما لمحت عيني منازلكم
إلا توقد جمر الشوق في خلدي
وما إن زرت مغناكم وأرضكم
إلا كأن فؤادي طارمن جسدي
لكان في صالح القصيدة أو البيتين :
ولقد مررت على ديارهموا
وطلولها بيد البلى نهب
(ولا أذكر البيت الثاني )

عمومًا هي قصيدة رائعة بكل المقاييس وإن خالفتك فيها من حيث الرؤى الداخلية وما وراء القصيدة من أفكار ربما كان إعادة النظر فيها أمرًا ضروريًا . أمتعنا بقصيدتك وفقك الله . دمت مبدعًا وفي انتظار جديدك .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 16-05-2009 الساعة 06:46 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس