عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-07-2008, 12:44 AM   #65
اليمامة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية لـ اليمامة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
الإقامة: بعد الأذان
المشاركات: 11,171
إفتراضي

إحسان الظّن


إن إحسان الظن ليس مجردَ أسلوبٍ إيجابي في التعامل مع الآخرين ، بل هو مدخلٌ أساس للتعامل مع القضايا اليومية والعملية. وإن أعلى مستويات إحسان الظن هو إحسان الظن بالله عزوجل ، الذي يحقق لنا الطمأنينة والأمان على جميع مستويات حياتنا . وذلك انطلاقاً من عقيدةٍ راسخة في وعد الله تعالى ، حيث قال عزوجل في الحديث القدسي " أنا عند ظن عبدي بي ، إن ظن خيراً فخير وإن ظن شراً فشر ".

وامتداداً لمبدأ إحسان الظن الذي ارتضاه الله عز وجل لنفسه ، فإن إحسان الظن يجب أن يكون مبدءاً نرتضيه لأنفسنا وللآخرين ، كأسلوب تعامل ومنهج عمل ، يحقق لنا بحول الله الطمأنينة والرضى والتفقوُّق في حياتنا اليومية والعملية.

ومع ما لإحسان الظن بالآخرين من منافع عديدة ، والتي سنتتطرق لها لاحقاً ، فإن الكثير منا قد لا يتأتى لهم الحصول على هذه المنافع ، وذلك لإساءة فهم مبدأ إحسان الظن ، نتيجةً للخلط بينه من جهة ، وبين السذاجة والتفريط في حقوقنا من جهة أخرى . وشتان بين الاثنين.

إن السذاجة والتفريط في الحقوق يرتبطان بالضعف ، في حين أن إحسان الظن يرتبط بقوة تنبع من ثقةٍ في النفس وقدرةٍ على انتزاع الحق وترفع عن السفاسف. لذلك فإن إحسان الظن هو خيارٌ واعٍ لا يملكه إلا الأقوياء . في حين أن السذاجة والتفريط في الحقوق سمات يتصف بها الضعفاء.

بتجاوزنا للعائق الرئيس أمام تبني إحسان الظن ، يمكننا التطرق إلى بعض فوائد على المستوى الاجتماعي والعلمي.

إن إشاعة مبدأ إحسان الظن في حياتنا الاجتماعية يحقق لنا قدراً كبيراً من الثقة المتبادلة والتفاهم ، والذي يدعم الرباط الاجتماعي ويحمي الأسر والصداقات من المنازعات الناتجة عن سوء الظن والعناد وإعطاء صغائر الأمور أكبر من حجمها.

وكما هو الحال على المستوى الاجتماعي ، فإن إشاعة حسن الظن كأساس للتعامل بين منسوبي المؤسسات ينشر جواً من الثقة والإيجابية في أرجائها ، ويزيل الحواجز النفسية بين منسوبيها بما يحقق قدراً عالٍ من التعاون والفعالية في تحقيق أهداف مشتركة . هذا في حين أن تفشي سوء الظن بين أرجاء المؤسسة ينم عن انعدام في الثقة ومحدودية في الولاء للمؤسسة وأهدافها وبين منسوبيها . وعادة ما ينعكس ذلك على شكل مغالاة في الحذر وعدم الشعور بالأمان ، والذين هما من ألد أعداء التعاون الضروري لتحقيق الفعالية اللازمة للنجاح.

ويؤكد على أهمية عنصر الثقة بين أفراد المؤسسة كتاب " الصحبة الطيبة " الذي يشير فيه الكاتبان إلى العلاقة بين منسوبي المؤسسة على أنها رأس المال الاجتماعي للمؤسسة والذي يرتكز أولاً وقبل كل شيء على الثقة المهنية والثقة الشخصية المتبادلة بين الموظفين للدرجة التي تتحول فيها هذه الثقة إلى طاقة إنتاجية وقيمة إيجابية تثري بيئة العمل.

وقد يقول قائل إن أنظمة ولوائح المؤسسات كفيلة بتحقيق القدر المطلوب من التعاون بين الأفراد والإدارات . ونشير هنا إلى أن الأنظمة واللوائح العامة لا يمكن لها أن توفر الحالة الذهنية اللازمة لإيجاد الرغبة الصادقة في التعاون بالقدر اللازم لتحقيق مستويات متميزة من الأداء.

وإضافةً إلى عدم كفاية الأنظمة واللوائح في تحقيق روح التعاون المطلوبة بين منسوبي المؤسسة ، فإن ازدياد مستويات المنافسة وفتح الأسواق وتسارع التطور التقني أصبح يحتم على المؤسسات الكبرى التخلي جزئياً عن الطابع الروتيني والتنظيم المبالغ فيه ، والتركيز بشكل أكبر على تفعيل مجموعات عمل ذات ديناميكية عالية ومستوً متميز من التعاون والإبداع . وذلك بغرض تحقيق المستويات التنافسية الضرورية للاستمرار والتطور والنجاح.

في كتابهما بعنوان " المجموعات الساخنة " يؤكد المؤلِّفان على تزايد أهمية تخلي المؤسسات الكبرى عن سياساتها البيروقراطية ، حيث أنها يمكن أن تحقق نجاحات كبرى بقليل من ( الديناميكية غير المقننة ) والإبداع . وذلك من خلال تبني أسلوب فرق عمل صغيرة محددة الأهداف يسيطر عليها هاجس الإبداع والتميز والابتكار. إن مثل هذه المجموعات ، التي تتزايد أهميتها مع الزمن ، لا يمكن أن تتحقق لها الديناميكية أو القدر الكافي من التعاون اللازم للوصول إلى مراحل الإبداع ، مالم تتوفر لها مستويات عليا من الثقة ، والتي لا تتأتى في حال تفشي سوء الظن وعدم أمن الجانب.

على ضوء ما سبق ، يمكننا القول بأن إحسان الظن مدخل أساس للحصول على الخير الذي وعدنا به الخالق عزوجل ، وتحقيق الألفة والتفاهم على المستوى العائلي بشكل خاص والاجتماعي بشكل عام ، ودعم الفعالية اللازمة لتحقيق مستويات عليا من التميز على مستوى الأفراد والمؤسسات.

" لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين ".

صدق الله العظيم،

__________________
تحت الترميم
اليمامة غير متصل   الرد مع إقتباس