الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-02-2006, 04:13 PM   #12
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(11)

في كثير من الأحيان ينشغل أحدنا في تخمين و حساب ما يجمعه صاحب مهنة ما ، فان جلسنا في عيادة طبيب لننتظر دورنا ، فإننا ننظر الى عدد المراجعين في الساعة و نذهب لحسبتها في اليوم والشهر والسنة .. و إذا ذهبنا لحلاق نشغل حاسبتنا ، كم يدخل عليه في اليوم و كم يستغرق من الوقت حتى ينجز تزيين الزبون .. وهكذا في كثير من المهن المنتشرة هذه الأيام ..

و أحيانا تتوه الحسبة مع حاسبها فلا يستطيع إنجازها ، وكأنها سؤال في الرياضيات توجب الإجابة عليه قبل انتهاء وقت الامتحان ..

وقف في يوم جمعة عند بائع فراريج حية ، وكان قد تسلح بنصائح صديقه عن كيفية اختيار الفراريج قبل الطلب من البائع أن يذبحها و ينظفها ، فيجب اختيار الفروج بوزن يساوي كيلوين ، و أن يكون عرفها أحمر و عيونها براقة ، وريشها أبيض به لمعة ، ولا يكون منفوش ، و الساقين صفراوين ..

ثم تذكر ، عندما كان طفلا ، أن تلك المهنة لم تكن موجودة ، فقد كانت العجائز هن من يقمن بتربية الصيصان ، ويتعرفن على الدجاجة التي تصلح لذلك من خلال بعض العلامات التي تجعلها ترقد ، وتصدر صوتا يدل على ذلك ، وحركات عصبية ، شأنها شأن كل الإناث اللبونة و البيوضة ، فهي تكون يدها العليا ، وعليها أن تفخر أنها سترفد جنسها بمخلوقات إضافية ، فلماذا لا تكون عصبية ؟

لقد كانت العجائز يبنين قنا من طين مجبول بالتبن ، حتى لا يتشقق ، ومبني بشكل قبة بها ثقوب ، لغايات التهوية .. وبعد رقاد الدجاجة فوق البيض الذي يجمع من أمهات مختلفات و يكون عدده حوالي العشرين بيضة ، ويتم تقليبه من الأم كل نصف ساعة تقريبا لكي لا تلتصق الفجوة الهوائية التي في داخل البيضة ويختنق الجنين .. وتحافظ على درجة الحرارة اللازمة وهي حوالي 99 درجة فهرنهايت .. تفقس البيضات بعد مرور واحد وعشرين يوما عن كتاكيت لا يساوي عددها ثلثي عدد البيض ..

وبعد أن تقوم العجوز بمساعدة الدجاجة الأم ، بتقديم بعض الأغذية التي تنمو الكتاكيت من تناولها ، وهي تكون من جريش القمح ، والذي يخلط أحيانا بفتافيت البيض المشوي ، لكتاكيت الديك الرومي ..

بعد كل هذه الرعاية ، ينجو من الكتاكيت التي فقست ، أيضا ما يقرب من ثلثي عددها .. وتبقى عدة شهور حتى تصبح قابلة للذبح .. و عادة كان يذبح منها الذكور فقط ، وعندما يأتي أحد الضيوف ، أو في حالات تقديمها للعروس في صباح ثاني يوم من زواجها ، أو للنفس ، وهي كلها مناسبات نادرة وقليلة .

تبسم ، وقال لو بقيت تلك الظروف قائمة ، لما استطعنا أكل اللحوم بهذه الكميات التي نتناولها اليوم ..

شغله عملية حساب هامش ربح صاحب المحل ، فكان عدد الطيور لديه ، لا يزيد عن مائة طير ، وكان الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء لا يزيد عن خمسة سنتات ، يعني أن كامل المربح لا يزيد عن خمس دولارات ، وهو لا يساوي أجرة المحل مع ثمن الغاز المستخدم لغلي ماء التنظيف .. وتبقى ثمن الكهرباء و أكياس التغليف و الماء الخ ..

فرك عينيه ، وتساءل هل يعقل أن هذا البائع يعمل بشكل مجاني ، لقد شغلته الحسبة بشكل احتاج أن يركز من جديد ليخرج بفكرة ما ..

توقفت سيارة لتوزيع الدجاج من المزارع ، فأخذ صاحب المحل منها قفصين إضافيين ، طالما أنه سيرضي أكثر من موزع للدجاج حتى لا ينقطع مستقبلا ، انتبه صاحبنا لعملية الوزن في الجملة فكان هناك سماح من الموزع حوالي ثلاثة كيلوغرام ، ثم استمع لحديث صاحب المحل مع الموزع ، فكان صاحب المحل يطلب من الموزع أن يخصم له ثمن دجاجتين قد نفقتا في الأمس !

راقب عملية الوزن لزبون سبقه ، فكانت الأوزان المستعملة ليست معروفة على وجه التحديد ، فمنها قطع معدنية كتب عليها وزنها ، ومنها قطع حصى ملساء ، ومنها أجزاء من قطع غيار سيارات مهملة .. ولا أحد يستطيع معرفة وزنها على وجه الدقة ..

كان صوت ماكنة إزالة الريش ، و الضجيج و نقنقنة الطيور التي كان يقدم لها الذرة و بجانبها الماء ، مما يجعلها تزداد في الوزن ما يقارب عشر وزنها التي تسلمها صاحب المحل ..

ثم تأتي عملية الحساب من قبل صاحب المحل للزبون ، فيفحص طبيعة الزبون من كونه متعب أم مريح ، ويدون أرقاما على قطعة ورق قذرة امتلأت بالماء و قطرات الدم المتناثرة ، ثم يتمتم ويقول الرقم الكلي و يحرص أن يكون فيه من الكسور التي سيتنازل عنها في حالة تبيان معاندة الزبون !!

أدرك صاحبنا أنه كان مخطئا في تخمينه عن كيفية قبول هذا البائع للعمل بشكل شبه مجاني ، وعرف أن لكل مهنة مهارات لا يفهمها بشكل جيد من هو خارجها !
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس