الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-03-2006, 01:33 PM   #15
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

( 13)

لم يكن الحديث عن كرة القدم في الماضي ، له مثل هذا الشأن الذي نشاهده اليوم ، فلو ذهبت الى دائرة حكومية ، ستجد مباراة يوم أمس تحتل مساحة ليست بالقليلة بين أحاديث الموظفين و المراجعين .. ولو ذهبت الى محل لبيع الصحف اليومية ، لوجدت أناسا يشترون الصحف ، ولا يبدو على ملامح وجوههم أنهم مهتمون لا ثقافيا و لا سياسيا ، و لا هم بعمر أولئك الذين يتابعون أخبار الوفيات لكي يقوموا بواجب التعزية !

وحتى في مجالس التعزية ، أو في الجلسات التي تسبق (عزومة ) ، فإن أكثر الأحاديث التي يتم تداولها بين الجالسين ، دون أن تؤدي بهم تلك الأحاديث الى سحبهم لمسائلة أجهزة الأمن التي لا تترك ( عزومة) أو لقاء يضم أكثر من اثنين الا و حضرته ، أو كلفت من يحضره ..

كان يتبارى على الحديث في تلك المجالس ، إما أستاذ رياضة متقاعد ، أو لاعب كرة قدم ( اعتزلت أجياله ) .. وكان أي متحدث يتجنب الخوض في أمور الهيئة العليا لاتحاد كرة القدم ، و يخوض فيما دون ذلك براحته ، و يحاول إدخال كلمات لا يعرف الحضور معناها على وجه التحديد ، ويحلل أي مباراة ، يتذكرها مستخدما بعض الألفاظ الأجنبية أحيانا ..

عندما كان التنافس على المقاعد الجامعية ، كان في أسفل سلم القبول ، مقاعد في كليات التربية الرياضية ، فيلتحق بها من يلتحق ، ثم يعودون ليقفون في ساحات المدارس ليشرفون على حصص وضعت في المناهج الدراسية ، كحشو لا يراعي التوقيت ولا مدى استعداد الطلبة على حضور تلك الحصص ، التي غالبا ما توضع في نهاية اليوم الدراسي ..

وتدور الأيام ، فتنتخب هيئة إدارية لنادي رياضي مأزوم ، فتقرر الهيئة الإدارية التي ترشح معظم أعضاءها لرسم حدود لذاتهم ، في شكل عمل عام .. و يقرروا التحرك من أجل رفد النادي بلاعبين صغار السن ، فيتوجهون لصاحبنا الأستاذ .. ويغدقون عليه بدفقات من المديح والثناء .. وهو يحاول لملمة تقاسيم وجهه ، ليبدو صارما ، وليقول لضيوفه أنكم أحسنتم الاختيار في التوجه لي .

ويدور الحديث ، ويتناوب الوفد الإداري الجاهل بأمور الرياضة ، و يبادر أحد أعضاء الوفد الإداري ، ليبين نفسه بأنه ليس تكميل عدد ولكنه صاحب قرار أيضا .. فيفاجئ الحضور بأنه يطلب من الأستاذ الذي قصدوه ، أن يقوم بتدريب الناشئين في النادي ، وسيكون من طرح الفكرة تلك جاهزا أمام زملاءه ، فيما لو استفسروا عن مبادرته المفاجئة ، فأعد جوابا ، بأنه اقترح ذلك دعما للنادي و أسلوبا أكثر ضمانا لانتظام اللاعبين بالتدريب مع أستاذهم !

لكنه فوجئ بأن أحد زملاءه ، قد زايد عليه ، وقال لماذا الناشئين ، ولما لا يكون الأستاذ مدربا للفريق الأول ؟ . وهكذا فقد تم التعاقد مع مدرب ، كمعظم العقود التي تتم في مجتمعاتنا البسيطة ، دون دراسة وافية ودون شرح كاف ودون توقيع ، ودون السماح باستيضاح ، حيث تطغي عبارات المواددة الفضفاضة ، على روح التعاقد الصحيحة ..

وبعد عدة جولات تدريبية ، للفريق الأول ، والذي كان يتغيب عنها كثير من اللاعبين ، بحجة مطالبتهم بمخصصات الموسم السابق ، أو مطالبتهم بالتحرر من النادي للعب في ناد آخر .. فكان الذين يحضرون حصص التدريب من الكثرة بمكان ، لكن الذين سيخوضون المباريات و الذين سجلوا في سجلات اتحاد كرة القدم ، لم يكونوا يحضروا التدريبات ، بشكل يجعل المدرب و الإدارة يعتقدون أن برامج التدريب وتكوين اللياقة قد اكتملت .. ولكن هذا لم يمنع الإدارة و المدرب بتنظيم مباريات ودية مع فرق أخرى ، و لكن تصنيفها أدنى من تصنيف الفريق التابع للنادي ..

تجمع أعضاء الفريق ، وحضر اللاعبون كلهم ، حتى الذين كانوا يغيبون عن التدريبات ، فكان لديهم اعتقاد بأنهم يتفوقون على كل اللاعبين في كل الفرق ، حتى لو لم يتمرنوا و لم يكونوا لياقة كافية في بداية الموسم الكروي !

صفر حكم المباراة لبدئها ، تحت أعين بضع مئات من المتفرجين ، الذين كانوا فاقدين الحماس ، حتى لحضور تلك المباراة الافتتاحية للفريق ، ولكن كونهم هم من أعضاء النادي وهم من أوصلوا الهيئة الإدارية ، فكان حضورهم من باب رفع العتب ، لا أكثر ..

بعد مرور ربع ساعة ، عن بدء المباراة ، سجل الفريق الخصم هدفا في فريق الأستاذ .. فخرج الأستاذ عن صمته ، و أخذ يصرخ ( كل لاعب مع لاعبه ) .. (هي .. فلان .. مد المكسورة ) ( ويقصد رجل اللاعب الذي يخاطبه ) .. حتى طغى صوت الأستاذ المدرب على صوت كل من في الملعب ، من مشجعين ولاعبين يشتمون بعض عندما لا يوصل أحدهم كرة للآخر ، أو عندما لا يحسن استلام الكرة .. ثم تشجع الجمهور و أخذ يشتم مع الشاتمين ، بعدما جاء الهدف الثاني للفريق الخصم ..

بانت أثر سوء اللياقة على لاعبين الأستاذ ، فأخذوا يسقطون على الأرض ويصرخون من ألم مفتعل بصوت عال كأنهم ذكور جواميس هائجة ، علهم يحصلون على ضربة خطأ .. ولكن الحكم أنذر اثنين منهم .. ثم طرد آخر ..

انتهت المباراة بأربعة أهداف نظيفة ، و ذهب الأستاذ بسيارته الخاصة ، ولم يلتق بأعضاء الإدارة ولا الفريق .. لتوضع تلك الفترة بسجل حياته المهنية كنقطة سوداء !!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس