الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-03-2006, 12:44 AM   #16
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(14)

لم يكن الوحيد الذي يتلذذ في رؤية الآخرين يتضرعون ، أو يبدو عليهم الضعف .. بل ما هو الا نموذج من بين نماذج كثيرة في مجتمعاتنا ، و قد يقول قائل : ومن أين جاءت هذه الصفة المنتشرة بكثرة ..

فقد يسهل رؤية هذا النموذج ، عند موظفي الدولة بكثرة ، فاذا ما أحس الموظف بأن المراجع ، تنتابه حالة من التلهف على إنهاء معاملته بسرعة ، فان الموظف يبادره ، بأن يحضر ورقة من دائرة بعيدة ، أو جهة قد تكون غير مدرجة في سلسلة الطلبات البيروقراطية الكثيرة ، ولكن الموظف لا يريد تفويت الفرصة ، في التمتع برؤية المراجع وهو يترجى و يتوسل ..

وقد تجدها عند خباز في يوم عطلة ، فيرى جمهرة الطالبين لخبزه ، بكثرة فيطلب منهم الاصطفاف بطابور طويل ، ولو تمادوا كثيرا فانه سيطلب منهم عدم الكلام مع غيرهم أو إطفاء سجاير المدخنين منهم ، كيف لا ، فالفرصة قد أتته فلماذا لا يضع يديه على خصريه و يأمرهم بأوامر مختلفة ، أو يحرمهم من الخبز لذاك اليوم ..

وقد تجدها عند سائق تكسي ، في يوم ازدحام للمسافرين في محطات التنقل ، ولكن ليس هناك من السيارات ، ما يكفي لنقلهم الى حيث يريدون .. فيضع نظاراته القاتمة على عينيه ، ويسير بين طوابير الركاب ، فيؤشرون له ، وهو يشير اليهم بحركة كلها كبرياء و عجرفة ، معتذرا عن السفر ، ثم يدور حولهم مرة واثنتين وثلاثة .. كيف لا ، فهذه من الفرص النادرة التي يمارس فيها هواية التلذذ بإيذاء الآخرين ..

وقد تجدها عند عجوز بلغ زوجها العجز قبلها ، فتصرخ به بمناسبة ودون مناسبة ، لتيقنها بعدم إمكانياته لإيذائها ، أو العكس بين رجل ، حل بامرأته عارض مرضي ، فيذيقها شتى أصناف الزجر و الإيذاء النفسي ..

أما نموذجنا الرئيسي ، فهو شرطي المرور الذي تتاح له فرص أكثر من غيره في ممارسة تلك الهواية ، التي يتشابه بها مع النماذج السابقة بكثرة ، ولكن ممارساته ، تفوق غيره بطرافتها ووضوحها في نفس الوقت ..

يقف أحيانا قرب سيارة الشرطة ، ويؤشر للسيارات لتقف بالقرب منه ، ويتفحص عيني السائق وتتجول عيناه داخل سيارته ، فيكتشف أضعف نقطة بطريدته ، كما تكتشف سباع الغاب تلك النقطة في فريستها ، عندما تطاردها .

فيطلب أوراق السائق ، وقد تيقن أن هناك شيء قد ظهر من خلال تعبيرات وجهه ، و شدة لمعان عينيه ، فان أبرز السائق أوراقه وكانت كاملة ، فانه يطلب منه أن يفتح له صندوق السيارة الخلفي ، أو أن يختبر بمعيته جاهزية الأضوية و المساحات ، حتى يهتدي الى نقطة الضعف عنده .. وغالبا ما يكون حزره في مكانه .. حيث علمته تجاربه الطويلة ، أن لا يقوم بتلك الأسئلة و الطلبات ما لم يكن متأكدا من أن الذي أمامه لديه ما ينبئ بوجود ما يبرر المخالفة ..

مع ذلك فاليوم معظم هؤلاء الشرطة ، لديهم من التذهيب ما يجعلهم يتفوقون على من سبقوهم قبل عشرين عاما ، حيث أن الأولين ، كان أحدهم يصر أحد عينيه ، ويتكيء على جانب السيارة ، ويسأل أسئلة كأن السائق الذي تطرح عليه الأسئلة ، أحد خصومه المذنبين في عمل كأن يكون قد طلق أخت الشرطي أو اختلف معه على معاملة إفراز أرض ، فلن يكن من السهل الإفلات من الشرطي ، الا بتوسل كبير أو إرضاءه بشيء ما ..

أما شرطة اليوم فمعظمهم متعلمون ، لا يطالب أحدهم بأكثر من خضوع بسيط وكلمات تبجيل وتوقير و احترام مبالغ فيه ، حتى تسجل تلك النقطة لصالح الشرطي ، فقد يستغل تلك الناحية ، في التوسط في مجال آخر .. فالمصالح متبادلة بين أفراد المجتمع .. و كثيرا ما نرى أناس يوسطون كبار قوم في قرية أو مدينة من أجل الإفراج عن رخصة سوق أو تغيير ( كروكي ) أو مساعدة أحد الممتحنين لنيل رخصة سواقة .. وكلها نوافل تؤدي للتمتع في استغلال وضع الآخرين ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس