الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-03-2006, 07:28 PM   #17
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو محمود المقاول

لا ندري من أين جاءت كلمة ( مقاول ) .. ولكنها لا بد أنها اشتقت من الجذر (قول) بفتح الواو .. وقيل للملك عند اليمن ( القيل ) لأن قوله نافذا ، وتقاول فلان مع فلان تفاوض معه على شيء ينفذه له ..

والمقاول في أيامنا هو من ينفذ مهمة إنشائية أو توابعها من متممات الأبنية والطرق و غيرها ، وهناك مقاول ومقاول بالباطن .. أي من ينفذ مقاولة أخذها غيره ، تاركا له بعض هوامش الربح ، كون الأول و هو الرئيسي أقدر على الوصول الى أخذ المقاولات و العطاءات ، من خلال علاقاته الواسعة ، و كون سجله زاخرا في تنفيذ تلك الأعمال ، بعكس مقاول الباطن ، الذي غالبا ما يكون مغمورا .. ويرفع شعارا باستمرار ( أريد أن أعمل ) ..

و يختلف المقاولون في قدرتهم على كسب الأموال ، فمنهم من يتفق مع كاتب صيغة المقاولة ، ويطلع على مناقصات الآخرين ، فيضع سعرا مدروسا ، يحتم إحالة المقاولة عليه . ومنهم من يتفق مع كاتب صيغة المقاولة على أن يهمل بندا رئيسيا في صيغة العطاء ، ثم بعد رسو المقاولة عليه ، يتم استدراك ذلك البند بأسعار تعوض ما تنازل عنه في البنود الأخرى ..

وهناك نوع من المقاولين ، يعرفون من أين يحصلون على مواد خام أرخص من غيرها ، فقد تكون ( ستوكات ) وقد تكون من منشأ غريب ، ولكن العلامة التجارية عليها ، تدل على أنها من منشأ معروف و سعره عالي ..

وهناك قسم من المقاولين يخسر بكثرة ، لأنه ينفذ الخطوة رقم خمسة قبل الخطوة رقم واحد ، وعندما يريد تنفيذ رقم واحد يضطر لهدم وإزالة رقم خمسة ، كأن يقيم الأبواب بقياسات تكون أضيق من أن تتسع لإدخال ماتور تبريد أو تدفئة ، فعندما يكتشف ذلك يضطر لهدم الجدار و إعادة توسعته و تغيير قياسات الأبواب ..

وهناك مقاول يحضر الأجراء خمسة أو ستة عمال ، و يأخذهم للموقع مع وجبات غذائهم ، ويكتشف أنه نسي تحضير الماء لصب الكونكريت أو الإسمنت مثلا .. فيضطر لدفع أجور العمال دون أن ينجزوا شيئا ..

أبو محمود ، لم يكن مهندسا ولا معمارا محترفا ، ولا محاسب جيد ، لكنه اقتحم مجال المقاولات في عينة من الزمن ، كان يتعذر على من يريد أن يبني لنفسه بيتا أن يجد من ينفذه بسرعة ، وحتى ببطء ، فالكل مشغول والكل بيده أعمال تحول دون قدرته على تلبية طلبات العملاء الجدد .. فاكتشف انه بإمكانه أن يتحول لمقاول ، يأخذ من بعض محلات بيع المواد عمولة ، مقابل أن يشتري لعملائه منهم ، و يأخذ من العمال عمولة وحتى من المكاتب الهندسية .. وهي علاقات دارجة في عالم المقاولة ..

كان يصطاد عملاؤه من أساتذة الجامعات الذين فتح الله عليهم في عينة من الوقت باب رزق ، في خضم إنشاء الجامعات الأهلية ، أو بعد سفرهم للخارج ، فلم يكونوا ذوي عهد سابق بالأبنية الفخمة ، ولم يكونوا مصنفين على العائلات البرجوازية .. فتكون عندهم سلوك برجوازي لكن دون جذور برجوازية ، فهم كالفلاحين الذين يغتنوا إثر بيع عقار ، فيعبروا عن غناهم إما بالزواج مرة ثانية أو بالإكثار من الطعام الدسم .. وركوب سيارة فارهة ..

فكان أبو محمود يخدع هؤلاء الأساتذة الجامعيين ، بالتحدث معهم بأنواع الحجر والإكسسوارات ، وهو يعلم مدى جهلهم بتلك الكلمات ، وحذرهم الشديد من السؤال عنها ، حتى لا يصنفهم من يسألوه بأنهم جهلة ..

رأيته وهو في جلسة محاسبة وتحكيم بينه و بين أحد الأساتذة في مكتب أحد المهندسين الأصدقاء .. كان يتعامل مع النصوص بالمشافهة ، وكان الأستاذ الجامعي ، يحس بحرج كبير نتيجة استغفاله بعد التنفيذ .. وقد أدرك أنه كان على درجة من الحمق ، عندما كان يتحدث مع المقاول والمقاول يطاوعه بعد كل تعديل تطلبه زوجة الأستاذ .

فكانت إن رأت مطبخا عند أحد صديقاتها ، تطلب من زوجها أن يضيف مترا زيادة على المخطط ، وإن رأت ( قرميدا ) على أحد البنايات تطلب إضافته ، و إن رأت حجر بناء بشكل ما ، تطلب إضافته .. والمقاول يبتسم ، ويقول معها حق .. وعندما يسأله الزوج الأستاذ عن إمكانية التعديل .. يجيب أبو محمود : كله في حبك يهون ..

لقد كلف كل هذا الجهل ، صاحب البناية ضعف كلفتها الحقيقية ، وكان المهندس يستمع لهما ، ويجد أن أبا محمود بجهله قد تفوق على الأستاذ الجامعي ، و أغلق أمامه المنافذ في تحصيل حقه المفقود ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس