عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 19-03-2024, 07:46 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,991
إفتراضي

وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم : كالحلاج مثلا ؛ فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق مثل : الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي ؛ في " طبقات الصوفية " وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد فهذا أصل التصوف ثم إنه بعد ذلك تشعب وتنوع وصارت الصوفية " ثلاثة أصناف " صوفية الحقائق وصوفية الأرزاق وصوفية الرسم فأما " صوفية الحقائق " : فهم الذين وصفناهم وأما " صوفية الأرزاق " فهم الذين وقفت عليهم الوقوف كالخوانك فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق فإن هذا عزيز وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك ؛ ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط : ( أحدها العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ويجتنبون المحارم و ( الثاني التأدب بآداب أهل الطريق وهي الآداب الشرعية في غالب الأوقات وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها و ( الثالث أن لا يكون أحدهم متمسكا بفضول الدنيا فأما من كان جماعا للمال أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة ولا يتأدب بالآداب الشرعية أو كان فاسقا فإنه لا يستحق ذلك وأما " صوفية الرسم " فهم المقتصرون على النسبة فهمهم في اللباس والآداب الوضعية ونحو ذلك فهؤلاء في الصوفية بمنزلة الذي يقتصر على زي أهل العلم وأهل الجهاد ونوع ما من أقوالهم وأعمالهم بحيث يظن الجاهل حقيقة أمره أنه منهم وليس منهم "
وكل هذا الحديث مخالف لكتاب الله فلا وجود إلا لمرتبتين :
الأولى المجاهدون في سبيل الله
والثانية القاعدين عن الجهاد والأولى أفضل من الثانية في درجة الجنة كما قال تعالى :
" فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"

وكلمة الصديق والشهيد وأمثالها كلمات تطلق على كل المسلمين فكل مسلم لابد أن مصدق بالوحى ومنه صدقه كما قال تعالى " والذى جاء بالصدق وصدق به" وكل منهم لابد أن يكون شهيدا على الكفار في القيامة كما قال تعالى" لتكونوا شهداء على الناس"
وتحدث عن اسم الفقير فقال :
"وأما اسم " الفقير " فإنه موجود في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لكن المراد به في الكتاب والسنة الفقير المضاد للغنى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ؟ " والفقراء والفقر " أنواع : فمنه المسوغ لأخذ الزكاة وضده الغنى المانع لأخذ الزكاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب } والغنى الموجب للزكاة غير هذا عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد وهو ملك النصاب وعندهم قد تجب على الرجل الزكاة ويباح له أخذ الزكاة خلافا لأبي حنيفة والله سبحانه قد ذكر الفقراء في مواضع ؛ لكن ذكر الله الفقراء المستحقين للزكاة في آية والفقراء المستحقين للفيء في آية فقال في الأولى : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } - إلى قوله - { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا } وقال في الثانية : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } - الآية إلى قوله - { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } وهؤلاء " الفقراء " قد يكون فيهم من هو أفضل من كثير من الأغنياء وقد يكون من الأغنياء من هو أفضل من كثير منهم وقد تنازع الناس أيما أفضل : الفقير الصابر أو الغني الشاكر ؟ والصحيح : أن أفضلهما أتقاهما ؛ فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة كما قد بيناه في غير هذا الموضع فإن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة لأنه لا حساب عليهم ثم الأغنياء يحاسبون فمن كانت حسناته أرجح من حسنات فقير كانت درجته في الجنة أعلى وإن تأخر عنه في الدخول ومن كانت حسناته دون حسناته كانت درجته دونه ؛ لكن لما كان جنس الزهد في الفقراء أغلب صار الفقر في اصطلاح كثير من الناس عبارة عن طريق الزهد وهو من جنس التصوف فإذا قيل : هذا فيه فقر أو ما فيه فقر لم يرد به عدم المال ولكن يراد به ما يراد باسم الصوفي من المعارف والأحوال والأخلاق والآداب ونحو ذلك وعلى هذا الاصطلاح قد تنازعوا أيما أفضل : الفقير أو الصوفي ؟ فذهب طائفة إلى ترجيح الصوفي كأبي جعفر السهروردي ونحوه وذهب طائفة إلى ترجيح الفقير - كطوائف كثيرين - وربما يختص هؤلاء بالزوايا وهؤلاء بالخوانك ونحو ذلك وأكثر الناس قد رجحوا الفقير والتحقيق أن أفضلهما أتقاهما فإن كان الصوفي أتقى لله كان أفضل منه وهو أن يكون أعمل بما يحبه الله وأترك لما لا يحبه فهو أفضل من الفقير وإن كان الفقير أعمل بما يحبه الله وأترك لما لا يحبه كان أفضل منه فإن استويا في فعل المحبوب وترك غير المحبوب استويا في الدرجة و " أولياء الله " هم المؤمنون المتقون سواء سمي أحدهم فقيرا أو صوفيا أو فقيها أو عالما أو تاجرا أو جنديا أو صانعا أو أميرا أو حاكما أو غير ذلك قال الله تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون } وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يقول الله تعالى : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه } وهذا الحديث قد بين فيه أولياء الله المقتصدين أصحاب اليمين والمقربين السابقين فالصنف الأول : الذين تقربوا إلى الله بالفرائض والصنف الثاني الذي تقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض وهم الذين لم يزالوا يتقربون إليه بالنوافل حتى أحبهم كما قال تعالى وهذان الصنفان قد ذكرهم الله في غير موضع من كتابه كما قال : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } وكما قال الله تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم } { على الأرائك ينظرون } { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } { يسقون من رحيق مختوم } { ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } { ومزاجه من تسنيم } { عينا يشرب بها المقربون } قال ابن عباس : يشرب بها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين مزجا وقال تعالى : { ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا } { عينا فيها تسمى سلسبيلا } وقال تعالى : { فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة } { وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة } { والسابقون السابقون } { أولئك المقربون } وقال تعالى : { فأما إن كان من المقربين } { فروح وريحان وجنة نعيم } { وأما إن كان من أصحاب اليمين } { فسلام لك من أصحاب اليمين } وهذا الجواب فيه جمل تحتاج إلى تفصيل طويل لم يتسع له هذا الموضع والله أعلم "
والفقير كما بين ابن تيمية كلمة تطلق على الفقير بمعنى المحتاج للمال كما قال تعالى { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون"كما تطلق على المجاهدين الذين أصيبوا بعجز حركى ولا يقدرون على ممارسة مهنة ما كما قال تعالى " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض }
وأما أولياء الله فكلمة عامة فكل مؤمن ولى لله كما تعالى " "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون"
ومن ثم فهو تعبير لا يختص بطائفة من المسلمين والأفضلية كما سبق التوضيح هى في التصنيف مجاهد وقاعد وليس هناك أى تصنيف أخر يبين الفضل إلا هو
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس