عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 28-09-2008, 03:48 PM   #20
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
إفتراضي

أثر الآلة على الملحون

عباس الجراري




قدم هذا العرض ـ مرتجلا ـ في الندوة العلمية الدولية التي نظمتها جمعية رباط الفتح في نطاق مهرجان الموسيقى الأندلسية المنعقد من 20 سبتمبر إلى 10 أكتوبر 1996 . وعقدت الندوة بعد ظهر السبت 7 جمادى الأولى 1417 ه =21 سبتمبر 1996 بقاعة المحاضرات التابعة لوزارة التربية الوطنية.





في بداية هذا العرض الذي سأتناول فيه " أثر الآلة على الملحون "، أرى ضرورة توضيح مفهوم كل من هذين الفنين: "الآلة " و "الملحون".



أما "الآلة " فهي ذلكم النمط الموسيقي الذي يعرف كذلك باسم " الموسيقى الأندلسية " بحكم ظهوره وازدهاره في رحاب الفردوس المفقود، والذي يعتمد الأداء الآلي المتكئ ـ لضبط إيقاعه ـ على نصوص شعرية متنوعة. وبسبب ذلك اكتسب تسميته ب "الآلة ".



وأما "الملحون " فهو ذلكم الشعر الذي تؤدى قصائده موقعة وملحنة في تركيز على إنشاد النص أو "الكلام "، وفق ميزان موسيقي يحفظ لهذا الإنشاد انضباطا إيقاعيا معينا.



ونظرا لأن الأساس في الملحون هو النص، فقد أطلق عليه " الكلام "، في حين شاع عن" الموسيقى الأندلسية" اسم " الآلة "، وهما مصطلحان ـ كما يبدو واضحا ـ يعكسان الخصوصية التي يتميز بها كل من الفنين .فأحدهما ينطلق من الشعر، والثاني من أداء اللحن الموسيقي.



وقد عرفت الآلة كما عرف الملحون تطورا يمكن تلخيص أهم ملامحه في نقطتين اثنتين:



الأولى: أن "الآلة " تحت تأثير عوامل موسيقية وشعرية محلية ووافدة عرفت في الأندلس تطورا أفضى بها إلى بناء منظم يقوم على "النوبة ". وهو مصطلح يعني مجموع الأجزاء التي يتتابع أداؤها داخل طبع خاص وبموازين متنوعة، مما يدل على وجود تأليف موسيقي متكامل يختلف عما كان معروفا عند العرب في الجزيرة من خلال نظام "الصوت ".



وقد انتقلت هذه "الآلة "إلى المغرب عبر عصور الاتصال، وأتيح لها أن تستقر فيه تراثا موسيقيا، لا سيما بعد انتهاء الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، بدءا من سقوط قرطبة سنة 1236 م إلى سقوط غرناطة عام 1492 م، وما تبع ذلك من هجرات إلى أقطار أخرى في طليعتها المغرب، حيث سادت مدرسة توفق بين الأثرين الغرناطي والبلنسي، في حين كان أثر إشبيلية قويا في تونس، وأثر غرناطة ظاهرا في الجزائر.



وعلى الرغم من الضياع الذي مس تراث "الآلة " بسبب اعتماده النقل الشفوي، فإن ما حافظ المغاربة عليه ودونوا منه ينحصر في إحدى عشرة نوبة هي:الأصبهان، والحجاز الكبير، والحجاز المشرقي، والعشاق، والماية، ورمل الماية، والرصد، وغريبة الحسين، ورصد الذيل، وعراق العجم، والاستهلال. كما أن الطبوع أو الموازين التي تؤدى عليها هذه النوبات هي: البسيط، والقايم ونصف، والبطايحي، والقدام، والدرج. ويظن أن نوبة الاستهلال وميزان الدرج من إضافات المغاربة.



الثانية:أن الملحون تطور محليا على مدى مراحل متباعدة، متأثرا بعوامل شتى، في طليعتها " الآلة" وذلكم هو صميم موضوع هذا العرض.

وقد مس هذا التأثر جوانب ثلاثة هي: المضمون، والشكل، والأداء. وحتى يتضح ـ أي التأثر ـ أرى ضرورة الإشارة إلى ما كان عليه كل واحد من تلك الجوانب ثم كيف أصبح.



أولا = المضمون

وتدل النصوص الأولى التي وقفنا عليها، والتي ترجع إلى القرن التاسع الهجري، أن أغراض الملحون كان يطغى عليها الطابع الديني المتمثل في مواعظ وتصليات، على حد قول مولاي الشاد الذي كان يعيش في أول هذا القرن، وهو من تافيلالت:





لاتقولوشي يا حسرا على زمان......... الخير والشر فكل زمان كاينين

ماحد اكتاب الله فالصدور ........... اعلاه نبكيوا اعلاه

ما قاطعين ياس من رحمة الله..........وحبيبنا الشافع رسول الله

فاش جا ذنب المخلوقين..........عند واسع الغفران



وبحكم التأثر بالأشعار التي كانت تصاحب " الآلة" بما فيها من قصيد وتوشيح وزجل ـ وموضوعاتها مستمدة من متطلبات مجالس الغناء بما تقتضي من غزل ونسيب وطبيعة في الغالب ـ أخذ مضمون الملحون يتطور، بدءا بشعر الطبيعة ووصولا إلى الغزل.وأول نص وصلنا يشيد بالطبيعة ويتغنى بها يتمثل في قصيدة لأحد الشعراء الفيلاليين كان يعيش في أوائل القرن العاشر الهجري، هو حماد الحمري الذي يقول في حربة قصيدته، أي لازمتها:



الورد والزهر واغصانو واشجار باسقا واطيار

ايسبحوا لنعم الغني والما افقلب كل اغدير



أما أول نص في الغزل فهو الذي قاله محمد بو عمر,، متمثلا في قصيدة"زهرة،" وكان معاصرا للحمري، وفي حربتها يقول:




زوريني قبل اللانقبار.......... يا هلال الدارا زهرا



وإذا كانت قصيدة الحمري قد قوبلت برضا الشعراء وجمهور عشاق الفن، فإن قصيدة بوعمر, ووجهت باستياء شديد يكفي للدلالة عليه أن نسوق هذين البيتين اللذين يقول فيهما شاعر معاصر يسمى لمراني، معبرا عن رفضه لاتخاذ المرأة موضوعا للملحون ومتهما صاحبه " لعشيق" بالزندقة والفسق:



زنديق بن الزنديق الوغد اللي يردنا فساق

يستاهل الرجيم ابلحجر حتى ا يموت بالتحقيق

ويلا ايموت يتصلب عام وبعد دلتو يحراق

وانشتتو ارمادو وانقول هكذا ابغى لعشيق



وقد احتاج هذا الموقف إلى عقود من السنين، قبل أن ياتي التهامي المدغري في أواسط القرن الثالث عشر الهجري ـ وهو شاعر المرأة بامتياز ـ ويعترف لبو عمر, في مثل هذا القول:






لو كنت في ازمان العاشق.........انكون لو الخو الشقيق

وانحق للجحود احقايق......... ونقول يا النايم فق


__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس