عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-01-2008, 04:36 PM   #3
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"] [12]

وعلى العموم، فعائشة بوسنينة شاعرة ملتزمة بقضايا الذات والكينونة الأمازيغية والوطن والقومية العربية، تنتقل من المواضيع الرومانسية التي تنفطر حزنا وكمدا لتصب جام غضبها على الذين أساؤوا إلى منطقة الريف وعاثوا فيه فسادا وتخريبا، داعية أبناء الريف إلى الوحدة والتشبث بالهوية والأرض وترك الهجرة والاغتراب قصد بناء الريف الجديد والتطلع إلى الغد المشرق. وتعزف الشاعرة في كل قصائدها أنغام التحدي والصمود والإصرار و الأنفة والكرامة والاعتزاز بالذات والقوم والاقتراب من عامل الطفولة الذي تميل إليه الشاعرة كثيرا؛ لكونه عالم البراءة والخير الأسمى، هاربة من عالم الكبار الذي دنسته القيم المنحطة في عالم موبوء بالقيم الكمية المهترئة.

ج- الخصائص الفنية والجمالية:

تستند الشاعرة في ديوانها إلى قصائد متنوعة البنى، و تتأرجح في عمومها بين قصائد الإيزري كقصيدة "رغروبياث/ الغربة"، والقصائد الموحدة القافية كقصيدة "ثمازيغت ناغ/ أمازيغيتي"، والقصائد المقطعية كقصيدة "ءارعيز ءينو يامغان/ أنفتي الكبيرة". وتشغل الشاعرة مجموعة من القوافي التي تتقطر عذوبة موسيقية وتنغيما إيقاعيا مؤثرا كقافية الراء والنون والقاف.

وتتراوح قصائد الشاعرة بين قصائد شعرية تترنح شاعرية وبلاغة وقصائد تطفح بالمباشرة والتقريرية الموضوعية.

وتوظف الشاعرة قصائد غنائية وقصائد قصصية كقصيدة "مسعود" التي تستعمل فيها تقنيات السرد والحكي التي يستعين بها جنس "ثيقصيصين"، كما تجمع قصائد الشاعرة بين الذاتية في التعبير والموضوعية في الطرح والتصوير.

ومن هنا، فالمعجم الشعري يجمع بين حقول دلالية متنوعة: حقل الذات، وحقل الأرض، وحقل الطفولة، وحقل الهجرة، وحقل الغربة، وحقل الوطن، والحقل القومي.

وتتسم لغة الشاعرة باختيار الكلمات الواضحة التي تستعمل كثيرا في قبيلة قلعية مبتعدة عن لغة قبائل أهل الريف التي تمتاز بالأصالة والعتاقة التاريخية والقاموسية والإغراب. ونلاحظ أن لغة الشاعر تطفح بالكثير من الكلمات العربية مثل: إظهار، ءيعيزان، يبحار،…. بيد أن هذه اللغة تمتاز بشاعرية التعبير ورونق التصوير من خلال استخدام صور التشبيه والإكثار من صور المجاز والاستعارات وصور الترميز من أجل خلق وظيفة شعرية يتداخل فيها المحور الاستبدالي مع المحور التركيبي عن طريق الانكسار المجازي والانزياح وانتهاك أعراف الحقيقة وإخضاعها لقانون المجاز وسمات الخرق الفني والجمالي.

ومن الصور البلاغية الجيدة نلفي هذه الصور الاستعارية:

ءارعيز ءينو يمغارن ذگور ءينو يباحار

[13]
شوقاغ زايس ءيذورار شوقاغ زايس ربحار

[14]
ونجد قصيدة "تاسكورث ذي رقفاز/ الحمامة في القفص" نموذجا شعريا للصورة الرمزية التي تحيل على مدينة مليلية التي احتلها الإسپان وحولوها إلى أسيرة مطوقة بقيود الذل والاستعمار والمهانة تنتظر يوم الانعتاق والتحرر:

منعان ثاسكورث شادانت سوفيرو
ءاگينت ذيرقفاز ءاگين ذايس غازو
ماشحا ثشنا غارابي ماشحا غاس ثرو
ذارقماس ءاثاسكورث ءاجمتاث ءاتضو
ءاتقفاز ذگ ءوجانا ءاتاف ميخ ثارزو

[15]
ويتمظهر إيقاع الديوان في تبني الإيقاع الشعري القديم المتوازي من حيث المقاطع والكلمات، ويسمى عروضيا بشعر الإيزري أو إيقاع "لايارا لايارا لايارا لابويا".

وتستخدم الشاعرة أيضا وحدة البيت المستقل، وتشغل القافية الموحدة والمتنوعة. كما يتأرجح الإيقاع الخارجي داخل الديوان بين القافية المطلقة الموصولة والقافية المقيدة بسكون التي تكثر كثيرا بشكل لافت للانتباه.

ويتجسد الإيقاع الداخلي عن طريق التوازي الصوتي واللفظي وتشغيل تقنية التكرار والمعادلة الصرفية والتركيبية.


خاتمــــة:
نلاحظ من خلال هذه الدراسة أن عائشة بوسنينة هي الشاعرة السباقة إلى طبع أول ديوان شعري أمازيغي نسوي في منطقة الريف باللغة المحلية، لتتبعها بعد ذلك فاظمة الورياشي ومايسة رشيدة في انتظار ديوان لويزا بوسطاش وديوان حبيبة خلفي وديوان نزيهة الزروالي. ونلاحظ أن الشاعرة عائشة بوسنينة لاتكتب الشعر فحسب، بل تكتب القصص والحكايات للكبار والصغار على حد سواء.

وتمتاز الشاعرة على المستوى الدلالي بتناولها لقضايا ذاتية رومانسية وقضايا محلية أمازيغية تتعلق بالهوية واللغة والكتابة والأرض والغبن والتنديد بسياسة التهميش والإقصاء. كما أنها تتناول مواضيع وطنية وقومية وإنسانية، بيد أن أهم موضوع يؤرقها هو موضوع الطفولة وأنفة الإنسان.

هذا، وقد نوعت الشاعرة أنماطها البنائية وإيقاعاتها الموسيقية وصورها الشعرية رغبة في خلق صوت شعري متميز في منطقة الريف يتسم بالوضوح وسلاسة الأسلوب واحترام مواصفات الإيزري وجودة التعبير.

ونخلص مما سبق ذكره أن عائشة بوسنينة ستبقى شاعرة الصمود والتحدي والمقاومة التي كرست شعرها للتغني بالحرية ومجابهة الاحتلال والوقوف في وجه الظلم والغبن والإهمال واللامبالاة، متسلحة في ذلك بالصبر وشجاعة الفعل والمغامرة، والإصرار على التغيير والثورة والتمرد عن السائد باستشراف غد الأمل والمستقبل الأفضل.

حواشي
[1] التعريب:


أمازيغيتي سأكتبها بيدي
أكتبها بأشعار دمائي
أكتبها على الورقة لكي لاننساها
سأكتبها على الأرض حينما تكون جافة لاتزهر
أمازيغيتي هي التي ينطق بها لساني.
[2] التعريب:


سأتحمل المحن الجسيمة كالجبال
أبحث عنك ليلا ونهارا
من أجلك يعبق القلب وينتشي سكرا
من أجلك تحزن الحدائق وتمنع عن إنبات الزهور
من أجلك لم تمطر السماء.
[3] التعريب:


تركتني أختي وأصبحت وحيدة
انعزلت في جبال الريف أتلقى ضربات هواء البحر
لم تسأل العربية أبدا عن وجودي
كأنها لاتعرف بأني أختها من زمن بعيد
يوحدنا معا الله والدين.
[4] التعريب:


سخرتم بها منذ الصغر، كيف تنتظرون أن تكبر بعد؟
لم ترضوا بها، وسمحتم لأنفسكم باللعب
تكتبون عنها القصص ، وأنتم لاتدرون قيمتها
قلتم عنها أقوالا وسوفتموها أملا
منذ ولادتها وهي في حضن أمها
أسقطتم إياها في الأرض فرفستموها بأرجلكم
أشعلتم فيها نارا ولم يكن جلدها سوى ورق رقيق
سببتم في قتلها لكي لاتعيش أبدا.
[5] التعريب:


أيتها الهضبة الصاعدة يا منبع الماء
حسدك الجيران على جمالك الرائع
كادوا لك كيدا حتى اختلطت الأمور
تبكين يا أماه؛ لأن أولادك فرقوك إربا إربا
أنت في قلبهم ،علقوك قلادة على صدورهم
من سينساك؟ من سينكرك؟
أنت تتحدين، فمن يقدر على إذلالك؟
من أجلك ضحوا بأرواحهم
كتب عنك الأجداد صفحات وصفحات.
[6] التعريب:


قبضوا على الحمامة فقيدوها بالحبال
وضعوها في القفص فعاملوها معاملة مهينة
كم هي جميلة عند الله! وكم شكت له من شكوى!
اتركوها حمامة وخلوا سبيلها
تطر في السماء لتبحث عما تريد.
[7] التعريب:


أنفتي كبيرة، في قلبي تسبح شامخة
ترعرعت معي منذ صغري
عبرت بها البحار والجبال
شربت من أجلها المرارة وكل المرارة
لم تتغير هذه الأنفة أو تتبدل طوال حياتي.
[8] التعريب:


قال لي جدي حكاية في صغري
قال لي: هاجر مسعود مع عبد الهادي
بسبب تهميش الأمازيغية التي همشوها ظلما وحيفا
احترق قلبه وتمزق لظى
دونها أثناء سفره فوق الصخور الصماء
لم تبق الحياة كما كانت حياة عز وكرامة
يرسل الدموع التي تزهر المرارة
أصبح البحر الأبيض مرا
هاجر مسعود المسكين أرضه
تحمل في أرضه مالا يطاق من الأتعاب الجسام
صعد نحو الجبال لينقش تيفيناغ
كتب عن الماضي وكتب عن الحاضر
كتب عن الأمازيغية كيف كانت.
[9] التعريب:


عد ياولدي العزيز
فالموت يفرق بين الناس
الحياة في أرض الغربة
جعلت أمك تحترق شوقا وحنينا إلى رؤيتك
عد ياولدي! فالزمن صعب جدا
لن يتركك تتمتع بحياتك وتسعد بها.
[10] التعريب:


أرسلت دموعا حارة تساقطت من عيوني
بكيت على فلسطين وأتمنى من الله أن يشفق عليها
بكيت على الأطفال الصغار
يتسلحون بالأحجار فيقذفون بها الصهاينة
بكيت بقلبي فجفت دموعي
[11] التعريب:


ابحث وابحث فإنك لن تجد مكانك
أينما تنظر لن تجد مكانك
لو بحثت في البحار أو الجبال
لو صعدت إلى الجبال واستعملت الجبال في تسلقك
لو هبطت في أعماق البئر لن تجد سوى التراب والحجر
آنذاك ستفكر كم ارتكبت من عذاب في حق الآخرين
ستبكي دموعا وستجمعها بيديك
سآتي راجلة
لأشتكي آهاتي
رأيتك متلهفا بلا جدوى
تتلهف على حياة تنقضي بسرعة
لم يبق الرجال كما كانوا
لم يعد هناك من نثق فيهم أو نشكو لهم
[12] التعريب:


أنا في الوسط بين الأطفال
ينظرون إلي بعيونهم
لايتكلمون ولا يقولون لي شيئا
يضحكون معي ويلعبون
قلوبهم صافية أني معهم في هناء وسعادة
لهم مكان كبير في قلبي
ناديت صارخة ليسمعوني
أريد أن أقوله لكل الناس
أنفتهم تكبر مع الحمام
[13] التعريب:


أنفتي كبيرة فهي في القلب تتبحر
[14] التعريب:


عبرت بها الجبال وعبرت بها البحر
[15] التعريب:


قبضوا على الحمامة فقيدوها بالحبال
وضعوها في القفص فعاملوها معاملة مهينة
كم هي جميلة عند الله! وكم شكت له من شكوى!
اتركوها حمامة وخلوا سبيلها
تطر في السماء لتبحث عما تريد.[/
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس