عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-12-2007, 08:03 PM   #8
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

5-1- العذريون وتقليدية الشعرالعربي.
عزا الناقد رفيق عطوي العودة إلى الشعر الجاهلي واستلهام الاصالة منه إلى الاختلاط بالأعاجم الذي أثر على اللغة العربية من حيث العجمة واللحن فنقل الشاعر الأموي صوره الغزلية من الماضي تارة بإضافة مساحيق لإخفاء معالمها وتارة بالإبداع على منوالها، بينما عزا عبد الله الغدّامي إلى كون ّ العصر الجاهلي قد شهد ميلاد النسق الثقافي الفحولي الذي تمت العودة إليه وتمثله مع مطلع العصر الأموي” (49)
وقد جاءت صورة المرأة عند الشعراء العذريين تقليدية تمتح من العناصر الفنية لصورة المرأة في الجاهلية فلم يخرج ذي الرمّة وهو الناسك في محراب الحب المسبِّح بآياته في وصفه لصاحبته “ميّ” عن الصورة التي كانت تسكن مخيلة امرئ القيس ” فاطمة” والنابغة الذبياني “نعم “وطرفة بن العبد ” خولة ” فلما شبّه الاقدمون المرأة بالظبية لم يخرج ذي الرمة من نسق هذا التصور وإن كان قد أضاف إليها أضواء جديدة من شعاع الضحى فبدت صورتها أحلى وعشقها أمتن، قال في ذلك :
برّاقة الجيد واللبات واضحة * كأنها ظبية أفضى بها كَبَبُ.
نلاحظ أن الروح السامية في هذا الشعر تُنبئ عن تطور نوعي فيما أسميناه بحضارة العين لدى العربي ، لقد تعددت زوايا النظر فتلطف الإحساس ولان الحوار الداخلي للشاعر فتهذبت معانيه النفسية وارتقى نظامه الذهني وفاضت على اللغة العربية التي عجزت عن الإحاطة بتلك المعاني فكان من شاعر العصر الأموي إلا أن أعاد تكرا ر نفس أساليب إحداث الرغبة لدى المتلقي ولم يفتح الخطاب اللغوي آفاقا إبداعية جديدة فكان عجز المعجم عن نقل تلك الأحاسيس الجياشة المترعة بالوله والشوق.
5-2- المرأة المثال في مضمار الفحولة الشعرية العربية.
إن صورة المرأة المثال في وجدان العربي شعريا قد حملها النسق الثقافي المفتوح على الاستفحال اللغوي المترسخ إلى استكناه صورة النسق المُهيمن، فصورة المرأة المثال قد انغرست في الوجدان العام الثقافي العربي وخلقت لدى الوعي الشعري عدم إمكانية خروجه عن أنموذج الفحولة الشعرية التي استغلتها حرائر الحجاز في استنهاض الفَحْلِيَّة العربية، إذا صح التعبير، لدفع العربي المتهالك على الجوارى لحماية شرفه وبقاء نوعه، وقد نجحن في إعادة تسويق الفحولة عبر شعر عمر بن ابي ربيعة إذ كان الشاعر هو الأصل في اختزال الوعي العام والمسؤول عن استشراء المخيال العام للقبيلة، لإحداث تلك الرغبة في عودة الحجازي إلى نسقه الثقافي الأصلي وذلك بعودة عمر إلى الجزيرة البلاغية الجاهلية بما هي أرضية التصورات المثالية حول المرأة وبما أن هذه التصورات لم تكن حاضرة فقط في اللغة بل كانت متجدرة بالقيم كمنظومة أخلاقية تسكن الذاكرة الذهنية والسلوكية للذات العربية.
” فليس في طبع الثقافة الذكورية أن تتحمل أو تقبل (واقعية) الجسد المؤنث،ومن الضروري لهذه الثقافة أن يكون التأنيث قصيا ووهميا لكي تظل الأنوثة (مجازا) ومادة للخيال،في هذه الحالة-فقط- تكون الأنوثة جذابة ومطلوبة في المخيال الثقافي ،وتنتهي جاذبيتها بمجرد تحوّلها إلى واقع محسوس”.(50)
إن اندفاعية شعر عمر نحو الإباحي قد ساهم في تشكيله نواة النسق الفحولي التي تزكي الشرط الفحولي باحتوائه على عناصر ومقومات استدراج الرغبة الليبيدية كقانون فحولي لاستمرار سوق القيم الشعرية .
فقانون الفحولة الشعرية المُنبني على الرغبة والرهبة قد جعل الحرائر يختر عن شخصيتين :
- شخصية عمر المشبِّب بهن وبنفسه لتشكيل الرهبة عند العربي من فجور المحصنات.
وشخصية مضمرة لمن ستُعيده الرغبة بالعلاقة مع الرهبة إلى العودة إلى العشق الأصلي بما يتجدر لدى الوعي العام العربي من خصوبة وكمال الصفات لدى أصل النسق الثقافي تلك العودة التي وإن أثنت العربي عن الاستمرار في شبقيته وأزهدته في تهتك الجواري ، كانت هي التحول الثقافي الذي صنع شعراء النسق كما رسّخ الأعراف الجاهلية الشعرية والقيمية لدى جميع عصور الشعر العربي.
الخاتمة:
هناك آفاق تصورية ومنهجية لدراسة الشعر العربي في تاريخيته ، لقد تمت مقاربتنا لهذا الشعر من تجاوز الواقع اليومي المعيش إلى بناء الفعل التخيّلي ،ومن الاعتماد على الحضور التاريخي لإحاطة القراءة بضرورة التعبير عن الرمزي المنغرس في الطقوس حيث سيطرة الانفعال بالعالم المرئي وتشكيله كانطباع عبر الصورة الشعرية .
فهل استطاعت اللغة أن تنقل حقيقة ما أحسّه العربي من أحاسيس جيّاشة بداخله اتجاه الأنثى التي عشقها؟
إن الشاعر العربي كان يقرض الشعر مأخوذا بسحر المرأة”المثال” إذ أن ميكانيزمات اللغة الشعرية لا تبين عن سلطتها إلا إذا باينت وتخلّصت من ثقل الواقع على شحناتها العاطفية.
إن شعراء العصر الأموي قد استوحوا لغة امرئ القيس وتشبيهاته وصوره وقيمه الجمالية واستخدموا عباراته وألفاظه بعينها فهذا الوصف لا يمت إلى اتجاه حسّي ولا يصدر عن تجربة واقعية، وبذاك وجب انتفاء عناصر التمييز والتفارُق بين العصرين على المستوى المتخيّل الفنّي .
فالذوق العام الشعري في قطار الشعر العربي عبّر عن تجليات متشابهة من العصر الجاهلي حتّى الشعر الحديث الشيء الذي يدفعنا للقول بأن زمن القصيدة العربية لم تكن يوما ما ناشزا من فضاء الذاكرة العربية، ذاكرة امرئ القيس، عمر بن أبي ربيعة، بدر شاكر السياب، أمل دنقل، أدونيس ونزار قباني عميد الاستفحال الشعري لكل الأزمنة…
ولم تكن المرأة كموضوع وذات بالقصيدة العربية في يوم من الأيام هاربة من بيت الطاعة، ولم تكن دهشة الوعي العربي من اختلاف صورتها الشعرية والواقعية دافعا لرصد الاختلاف في الإحساس العربي والإيحاء الذي تُضفيه اللغة على الإحساس الشعري.
- لماذا كان الشعر ديوانا للعرب؟ تساؤل يُلخص جوابه كل تاريخ القصيدة العربية في صراعها مع القوافي.
فلما يوصف الكلام الشعري كهجاء وفخر ومدح يعيد الشعر إنتاج سلطة البلاطات وأُمرائها، ولما يعبّر عن الوجدان العربي في تجلياته تتحول القصيدة إلى كائن شفاف يعيد صياغة الأسئلة، لمن هذا الشعر؟ وما هي حدود علاقاته مع الآخر،متلقّي ومتلقية؟ وهل تكفي كيمياء الأحاسيس للقول باستمرار القريض الشعري حاضرا في جل العصور الأدبية؟
كيف انتشت اللغة بقدرتها على التعبير عن نفس تلك الاحاساسات ؟ وما مدى محدوديتها لمّا استعملها امرئ القيس ومزجها عمر بن أبي ربيعة بكيانه ووجدانه وأنطقها جميل بن معمر من فيض روحه ؟ مستلهمين جميعهم المرجعية الأسطورية والدينية في رسم الصورة المثالية الحاضرة دوما وأبدا في المخيال العربي.

♦ ♦ ♦

(هذا المقال عبارة عن الفصل الأول من كتابي ” الكتابة النسائية …حفرية في الأنساق الدالة..الأنوثة ..الجسد..الهوية” مطبعة سجلماسة،رقم الايداع القانوني 1683/2004 الطبعة الأولى شتنبر 2004 ابتداء من ص: 9، والكتاب كله منشور رقميا بموقع اتحاد كتاب الأنترنت العرب)
::. عبد النور إدريس
::. باحث من المغرب

♦ ♦ ♦

هوامش الدراسة:

1- د. رفيق خليل عطوي ،”صورة المرأة في شعر الغزل الأموي”، دار العلم للملايين بيروت لبنان ، الطبعة الأولى ، أكتوبر سنة 1986، ص:7
2- نفس المرجع السابق ص:40
3- نفس المرجع السابق ص:28
4- نفس المرجع السابق ص: 28
5- نجيب محمد البهبيتي “تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري ” دار الثقافة ،الدار البيضاء سنة 1982 الصفحة:129
6- د.رفيق خليل عطوي ص:11
7- د.رفيق خليل عطوي ، نفس المرجع السابق الصفحة :52
8- نفس المرجع السابق ص:11.
9- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ص:54.
10- د.محمد طه الحاجري ، في تاريخ النقد والمذاهب الأدبية ،دار النهضة العربية، بيروت 1982،الصفحة :70.
11- نفس المرجع السابق ص:148.
12- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ص:12.
13- الأغاني، بولاق ،الجزء الثاني، ص:179 .
14- نفس المرجع السابق ص:27.
15- خليل عبد الكريم ، العرب والمرأة، حفرية في الاسطير المخيم ، الانتشار العربي سينا للنشر الصفحة :66.
16- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ،الصفحة:202
17- نفس المرجع السابق ص:30.
18- المرأة والعرب ، حفرية في الاسطير المخيم ،الصفحة :86.
19- د.حميد لحمداني ،الواقعي والخيالي في الشعر العربي القديم (العصر الجاهلي)، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، الطبعة الأولى،1997 ص:82.
20- د. سعيد الايوبي ،عناصر الوحدة والربط في الشعر الجاهلي ، مكتبة المعارف، الرباط،1986 الصفحة :540.
21- المرأة والعرب ، حفرية في الاسطير المخيم ،الصفحة :86.
22- إميل ناصيف ، أروع ما قيل في جمال المرأة ، دار الجيل، بيروت ، سلسلة “أروع ما قيل “العدد 16 الصفحة 5.
23- بزوغ العقل البشري ،ترجمة إسماعيل خفي ص:166 نقلا عن د. علي البطل، الصورة في الشعر العربي ،ص: 56
24- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ،الصفحة:369
25- صورة المرأة في شعر الجاهلية وصدر الإسلام ، دراسة تحليلية نقدية ،أطروحة لنيل شهادة دكتوراة الدولة ، إنجاز:علي بيهي، تحت إشراف د.يونس لوليدي سنة 2001 .
26- عناصر الوحدة والربط في الشعر الجاهلي ، الصفحة :398.
27- د. سعيد بنگراد ،السيميائيات،مفاهيمهاوتطبيقاتها،منشورات الزمن شرفات سلسلة 11، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء2003 ص:128.
28- المرأة والعرب ، حفرية في الاسطير المخيم ،الصفحة :236.
29- المرأة والعرب ، حفرية في الاسطير المخيم ،الصفحة :11.
30- نفس المرجع السابق ص:16.
31- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ،الصفحة:11و12.
32- طه حسين ، حديث الأربعاء ، الجزء الأول، دار المعارف بمصر ،القاهرة، الطبعة 12، سنة 1925،الصفحة :314..
33- لقد تغزل امرئ القيس عند إحساسه بقرب أجله على رأس قبر امرأة من بنات الملوك حيث دُفن بجوارها وقد قال :
أجارتنا إن المزار قريب * وإنّي مقيم ما قام عسيب
أجارتنا إنّا غريبان هاهنا * وكل غريب للغريب نسيب.
34- نفس المرجع السابق ص:35
35- محمد مفتاح،في سيمياء الشعر القديم، دراسة نظرية وتطبيقية ، دار الثقافة، البيضاء الطبعة الأولى ، سنة 1982، الصفحة :183
36- نفس المرجع السابق ص:183
37- المرأة والعرب ، حفرية في الاسطير المخيم ،الصفحة :222.
38- حديث الأربعاء ، الجزء الأول، الصفحة :190.
39- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ،الصفحة:262.
40- نفس المرجع السابق ص:262.
41- نفس المرجع السابق ص:276.
42- نفس المرجع السابق ص:34.
43- د. عبد القادر القط،في الشعر الاسلامي والاموي ، دار النهضة العربية ،بيروت، 1987،الصفحة:174.
44- نفس المرجع السابق،ص:174-175.
45- الحبب= ماء الأسنان الخَصِر= البارد
46- د. سعيد بنگراد ،السيميائيات، مفاهيمها وتطبيقاتها،منشورات الزمن شرفات سلسلة 11، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء2003 ص:131.
47- نفس المرجع السابق، ص131.
48- د.ريتا عوض ، بنية القصيدة الجاهلية ، الصورة الشعرية لدى امرئ القيس، دار الآداب، بيروت،الطبعة الأولى،سنة 1992،الصفحة 327.
49- عبد الله الغدّامي “النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية،المركز الثقافي العربي،الدارالبيضاء الطبعة الأولى سنة 2000 ص:223.
50- عبد الله الغَدّامي “المرأة واللغة-2-”ثقافة الوهم، مقاربة حول المرأة والجسد واللغة، المركز الثقافي العربي-الدار البيضاء الطبعة الأولى سنة 1998 ص:42.

السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس