عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-04-2021, 08:09 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,971
إفتراضي

"الوجه السادس: أن الكون وما فيه كله لله تعالى وبيده وتحت تصرفه وتدبيره، إذن هو الذي يجب أن يدعى وحده؛ لأن الملك ملكه والخلق خلقه، والأمر أمره.
قال تعالى: (الرحمن على العرش استوى، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) وقال تعالى: (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير) وقال تعالى: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) وقال تعالى: (الله الصمد) والصمد: هو الذي تصمد إليه الخلائق في طلب حاجاتها."

كلام صحيح فالمالك لكل شىء هو من يطلب منه لملكة كل شىء ثم قال :
"الوجه السابع: أن الله تعالى ذكر عن أنبياءه ورسله الكرام (ص) أنهم قد سألوا الله تعالى في بعض أمورهم فلم يستجب لهم، ولم يتحقق لهم مرادهم، كما قال تعالى عن نبيه محمد (ص): (إنك لا تهدي من أحببت) وقال أيضا: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) وقال: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم)
وقال عن إبراهيم -(ص): (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه)ومعلوم أن الله تعالى لم يستجب لإبراهيم في هذا.
وقال عن نوح: (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين، قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين)
فكيف وهذه حالهم يدعون من دون الله تعالى؟!
وانظر أيضا إلى ما حصل يوم أحد، لما قاتل المسلمون بقيادة رسول الله (ص) المشركين وأرادوا النصر عليهم، فلم يتم ذلك، مع ما بذلوه من الأسباب، وقد أنزل الله -عز وجل- آيات كثيرة في سورة آل عمران فيها تربية وتوجيه للمسلمين، بسبب ما حصل منهم.
وانظر أيضا إلى ما حصل من علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معركة صفين، حاول أن ينتصر على الطرف المقابل وبذل وسعه، فلم يتم له هذا المراد.
وهذا علي بن أبي طالب وابنه الحسين لم يستطيعا أن يدفعا عن نفسيهما ولا عن أهل بيتهما ولا أن يردوا قدر الله السابق فيهم؛ فأين عقول هؤلاء الذين يدعون عليا والحسين من دون الله عز وجل فأين هؤلاء الذين يدعون عليا والحسين من دون الله -عز وجل-؟ لم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم أو يردوا قدر الله السابق فيهم وعن أهل بيتهم وهذا أمر معلوم بالعقل لا يستطيع أحد من الناس أن ينفك عنه، وأمر مشاهد محسوس لا يمكن دفعه، وقد كان علي والحسين -رضي الله عنهما- يلجئون إلى ربهم في حالات الشدة ويدعونه، فعلى من يزعم محبتهم أن يسلك سبيلهم ويتبع طريقتهم.
وقد وصل الأمر ببعض الناس أنه في بيت الله الحرام وعند الكعبة، عندما أراد أن يقوم قال: يا علي؟! فسمعه بعض أهل العلم، فقال له: لو كنت في بيت أحد من الناس واحتجت إلى حاجة من البيت، هل تذهب إلى جار صاحب البيت أو تسأل صاحب البيت نفسه، فما كان منه إلا أن قال: أسأل صاحب البيت نفسه، فانظر بارك الله فيك أنه لم يستطع دفع ذلك، بل اعترف بالحق ولذا قال تعالى: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا)
وأضرب مثلا آخر يعقله كل الناس: لو أن رجلا أغناه الله -عز وجل- وأعطاه من الأموال الشيء الكثير وله أولاد، وكان دائما يقول لأولاده: إذا احتجتم إلى شيء من المال أو الطعام أو الكساء فأخبروني، فكان هؤلاء الأولاد لا يطلبون منه، بل يذهبون إلى الجيران ويسألونهم، فهل فعلهم موافق للعقل؟! أو من السفه المنافي للعقل، وهذا فيما يتعلق بالخلق فكيف بالله -عز وجل- الذي له المثل الأعلى.
فعلى العبد أن يتجه إلى ربه الذي هو خالقه وسيده ومولاه في قضاء حاجاته وتفريج كرباته وقد يحتج بعض الناس بمعجزات الأنبياء (ص) في دعاءهم من دون الله، وأن موسى (ص)مثلا كان يضرب الحجر فيخرج منه الماء، وأن عيسى(ص) كان يحي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فأقول جوابا عن ذلك:
أولا: أن هذه المعجزات إنما هي من الله، قال تعالى: (قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله) فعلى العبد أن يسأل الله الذي أعطى هذه المعجزات لهم.

ثانيا: أن هؤلاء الأنبياء (ص)كانوا يسألون الله -عز وجل- كما تقدم في الآيات، فعليك يا أيها المرء أن تقتدي بهم، فهم القدوة والأسوة الحسنة.
ثالثا: أن الأدلة السابقة واضحة في الدلالة على المنع من ذلك، بل حتى فيما يقدر عليه الإنسان الأولى بالمرء أن يبدأ بسؤال الله -عز وجل- أولا.
وقد حكي عن أبي جعفر محمد الباقر -رحمه الله تعالى- أنه قال: من عرضت له حاجة إلى مخلوق، فليبدأ بالله -عز وجل-"

والاستدلال هنا صحيح فالمخلوقات رسلا أو أئمة أو غيرهم لا يقدرون على نقع أنفسهم ولذا طلبوا من الله ومع هذا رفض الله بعض طلباتهم فلو كانوا يقدرون على نفع أنفسهم ما طلبوا من الله ثم قال :
"الوجه الثامن: أن الله -عز وجل- كما أمر عباده أن يدعوه وحده ونهى عن دعاء غيره، فهو يحب من عباده أن يدعوه ويستغيثوا به ويلجئوا إليه في جميع أمورهم ومختلف شؤونهم، فالدعاء عبادة محبوبة لله تعالى فالذي يدعو ربه تعالى يفعل شيئا محبوبا له مقربا لديه، ودليل ذلك: الحديث القدسي، وهو حديث عظيم، قال (ص)"ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " وقد جاء هذا الحديث عن جمع من الصحابة، وهو مخرج في الصحيحين والسنن والمسانيد، وهو حديث صحيح متواتر، وللدارقطني جزء في طرق هذا الحديث ورواياته فانظر إلى هذا الكرم الإلهي، يدعو عباده لكي يسألوه ويدعوه، وذلك في كل ليلة، وهو غني عنهم، فعلى العبد أن يغتنم هذا الكرم العظيم من قبل الرب -عز وجل- فيكثر من دعائه، وسوف يجد انشراحا في قلبه وراحة في نفسه، وزيادة في إيمانه.
قال تعالى: (واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما) وقد أخرج مسلم من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري عن النبي (ص) فيما يرويه عن ربه -عز وجل- أنه قال: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم".
وفي "سنن ابن ماجه" من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): "من لم يسأل الله يغضب عليه" وقد قوى هذا الحديث بعض أهل العلم، والحديث فيه ضعف، ولكن نصوص الكتاب والسنة تشهد لمعناه، فالذي لا يسأل الله تعالى مطلقا ولا في شيء من أموره، لا شك أن الله تعالى يغضب عليه، لأنه لم يتخذ الله ربا وإلها، والدعاء: منه ما هو واجب مثل سؤال الله الهداية، لقوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم) وسؤال الله المغفرة، ومثل الدعاء بين السجدتين.
وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
الرب يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضب
وقال بعضهم:
أبا هانئ لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك فضل الله والله أوسع ...
ولو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قلت هاتوا أن يملوا ويمنعوا"

الاستدلال هنا صحيح فيما عدا رواية نزول الله الكون وهى رواية بائنة العوار لكونها تجعل الله يحل فى الكون وهو المكان كالخلق وتجعله جسما يتواجد فى مكان وتجعله محدودا بحدود وهو ما يخالف قوله تعالى " ليس كمثله شىء"
ثم قال :
الوجه التاسع: كما أن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة دلت على منع سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ففطرة الإنسان دلت على ذلك؛ لأن الله -عز وجل- فطر العباد على التوجه إليه ودعاءه في وقت الشدة وحلول المصيبة، وهذا في كل الناس حتى الكافر منهم، كما ذكر الله -تعالى- عن المشركين، فقال: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) وقال عنهم: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا)
بل حتى الحيوانات مفطورة على التوجه إلى ربها وفاطرها، قال تعالى عن هدهد سليمان -(ص): (فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين،إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله)
فانظر كيف أنكر هذا الحيوان الطائر على هؤلاء الذين توجهوا لغير الله؛ لأن ذلك فطرة فطر الله -عز وجل- عليها جميع الخلق، إنسهم وجنهم وناطقهم وأعجمهم"

والاستدلال الأخير بقصة الهدهد على الدعاء الكلامى لا يصلح لأنه يتحدث عن عبادة القوم للشمس وهى أمور عديدة مثل السجود والدعاء الكلامى وعن أنها من الفت التشريعات
ثم قال:
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس