الموضوع: مقتطفات نقدية-
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-04-2009, 08:25 PM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

تتركب هاتان الجملتان من فاصلتين زمنيتين إعلاميتين استبداليتين بين حضور صورة الرؤية و هي تتشكل في حاضرها المتخيل و غياب صورة موازية موزعة بين أجزاء المكان البعيد المحذوف من جدول المقاربة و المتروك للمتلقي لاستحضاره بقرائن ذاتية :
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ؟
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟

يسأل الشاعر الحبيبة الغائبة عن طبيعة الحزن و يستثير علاقة وجوده بها ، كعلاقة الحزن بالمطر ، و في الحقيقة هذا النوع من الأساليب لا ينتظر الإجابة بقدر ما يشرك المتلقي تكرار السؤال و إعادة صياغته بدلالات مختلفة و مقنعة غير تلك التي طرحها الباث أو المؤلف ، و يصبح بذلك المتلقي طرفا أساسيا في عملية التصور و لو في صورة نكرة في سياقها اللغوي ، و يترك المجال للذوات الأخرى تلعب دور العنصر الفاعل في تحديد الصورة في تركيب جديد ، إذن حضور الصورة الرئيسة في معادلة الباث و المتلقي تتحول إلى باث جديد يجدد الطرح من منطلق تجربة مشتركة :
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
انتقال من حالة الإدراك (أتعلمين) إلى الكيف (كيف تنشج / كيف يشعر)
و يتخلل التراكيب النداء / يا واهب الخليج / يا واهب اللؤلؤ / يا واهب المحار ، ثلاث مقاطع متجاورة ، تشكل متتالية صوتية و إن لم يكن نداء حقيقا و في سياقه التعالق بين الذات و الغيب و المكان و الفضاء ، تربطها مستويات داخلية ، مصدرها الشاعر نفسه ، يوجد تراتب في هذا النداء
الخليج = اللؤلؤ = المحار ، الخليج يابسة و ماء و اللؤلؤ وسطه الماء فلا معنى لليابسة ، و موطن اللؤلؤ المحار فلا معنى للأشياء غير المحار و إن كان وسطها الماء ، عملية انتقائية في إظهار أهمية الحقيقة التي يبحث عنها و فضح فساد المحيط الذي يشكل عالما و لكنه عالم ضحل
اصيح بالخيلج : ” يا خليج
“يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
كأنه النشيج
يا خليج”
” يا واهب المحار و الردى

و على مستوى انزياحات النّص فالشاعر تعمّد الخروج عن سياق الطبيعة و توظيف انحرافات أخرى لمركبات غير طبيعية لأشياء و كائنات و مخلوقات ذات طبيعة حقيقية و أخرى خيالية نلمسها في تشكيل بنية القصيدة منذ البداية ، و التخلي عن النسيج اللغوي المعهود و العدول عن مكونات الألفاظ كما وردت في سياقها القاموسي أو السطحي ، و الالتفات إلى المستوى الصوتي لهذا البناء المتراكم و الخيارات الإيقاعية التي يهدف إليها الشاعر في تحديد مؤشرات ثنائية خاصة بالرسالة التي يشتغل عليها في مجمل الإسنادات التي وظفها و المفردات التي اختارها في تشكيل الصور و التوفيق بين عناصر و مكونات غير حقيقية ، معظم الأفعال التي حددها الشاعر أسندها إلى أسماء و صفات مثيرة :
عيناك غابتا نخيل
أو شرفتان…
التوصيف تحول إلى خيال ماثل يعتمد المفاضلة قد يكون اختياره للنخيل مقصودا بما أنّ بلاد الرافدين تعج بها و لها مكانة خاصة في حياة النّاس و تحتل جزءا كبيرا من ذاكرتهم ماضيا و حاضرا ، و تعد رمزا للحياة و الخصب و البقاء و التحدي و العلو و السمو ، كان بإمكانه أن يختار غيرها و لكنها قريبة من نفسه أكثر من اعتبارها كثيرة أو متوفرة و لدى النّاس ما لديه عنها ، فمن خلالها تتشكل صورة الوطن أو العراق :
أكاد أسمع النخيل يشرب المطر
و أسمع القرى تئن …..
إنّ الجدول الذي رسمه الشاعر لاستحضار علاقته بهذه الأرض غارق في في تربة العراق و غاباته و أزقته و مائه ، و كل الأرض تئن و تحنّ كمثل حاله ، فليس هناك أبلغ من أن يتحول النبات إلى كائن يتمتع بما يتمتع به متألم ، أو فرح أو حزين يبحث عن الحرية و البقاء ، كبحث عطشان عن الماء أو أرض عطشى حرمها الجفاف من البقاء و الحياة و خضرتها النضرة ، و من الصور المجازية أن تتحول القرية إلى ذلك المخلوق الذي يعاني خلف هذا المكان الموحش بعد ألفة و تصبح الأرض قفارا و لم يعد ينتظر فيها موسم الحصاد لأنّ الحرث و الزرع انتفيا من قاموس الحياة في هذا المكان فـ :
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي ، واهب الحياة “
ويهطل المطر
و لأنّ تحولا منتظر حتى و إن كان بعيدا فإنّه سيتحقق (مبسم جديد ) يصنعه زهر أو طفل …
إنّ التكثيف في هذه الصورة يحقق تجاوبا قويا مع المتلقي لأنّ المطر سوف يهطل و يغمر المكان الحياة .
فمجمل ما ورد من صور قد شكّل المظهر الحقيقي لمعاناة الشاعر و الوطن حققتها دلالات موزعة بين
اختيار النسق المناسب للفكرة و شبكة التراكيب من جمل فعلية و اسمية و تكرار و ترادف ، و بين انزياحات متنوعة ، كل ذلك ضمن إيقاع منسجم في اختيار حركات الكلمات و مصوتاتها المتبادلة و اعتماد اللازمة (مطر مطر مطر) كمقطع متناغم منسجم مع طبيعة الأشياء و تداخلها و تشاكلها و تنازع الأ لوان فيها .


الهوامش :

1- ديوان بدر شاكر السياب

2- الأسلوب ، أحمد الشايب ، مكتبة النهضة المصرية ،

القاهرة - ط 6 - 1966

3- الأسلوبية و الأسلوب ، عبد السلام المسدي ، دار

الكتاب الجديد المتحدة ، – ط الخامسة /1993- ط4- الانزياح في التراث النقد ي و البلاغي ، د. أحمد محمد ويس ،

منشورات اتحاد الكتاب العرب – دمشق 2002

http://www.arabicstory.net/forum/lof...hp/t13617.html
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس