عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-01-2009, 08:22 PM   #11
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

يقول التاريخ إن استيلاء الإفرنج على بيت المقدس في عام 1099 قد تم بعد مقاومة ضارية .. وأن الحصار قد اضني المهاجمين أكثر مما فعل بالمدافعين ."وان الإفرنج كانوا يحاربون في بلاد لم تسبق لهم معرفة بها ، وكان يعوزهم السلاح ، ولم يتوافر عندهم من الأقوات ما يكفي لحصار المدينة ، يضاف إلى ذلك اشتداد الحرارة وتعذر الوصول إلى أماكن ظليلة ، وثقل الأسلحة التي يحملها الفرسان ، وتعرض العساكر للهجمات المفاجئة ، إذا توجهوا لالتماس الماء من جهات تبعد عن مواضعهم ، فضلاً عن أن الأقوات أخذت في النفاد.
وهكذا لم يسقط بيت المقدس سهلاً ومهلاً في عام 1099 ، كما سقط على يد اسرائيل !!.

وحين نعود إلى المقاتل الإفرنجي صاحب المذكرات نجد وصفاً دقيقاً للضائقة الخانقة التي كان يعيشها الإفرنج في معركة القدس ، إذ يقول – "وفي اثناء هذا الحصار بقينا عشرة أيام لا نجد خلالها خبزاً نشتريه .. ووقعنا فريسة الظمأ المحرق ، واحتملنا أشد المخاوف حتى لقد كنا نمشي ستة أميال لإرواء جيادنا وحيواناتنا ، غير أننا وجدنا الماء عند نبع سيلو (سلوان) الواقع عند سفح جبل صهيون ، إلا أنه كان يباع بيننا بثمن جد غال ... وكابدنا وطأة الظمأ ، حتى لقد كنا نخيط جلود الثيران والجاموس لنحمل فيها الماء مسافة أميال ، وكان الماء الذي حملناه معنا في الأواني قد أسِن ونتن ، واقتصر طعامنا اليومي على خبز الشعير ، مما صار مثار حزننا ومبعث أسانا ، حتى لقد أصبح الرجل منا يعجز عن أن يجد جرعة كافية من الماء تروي غلته لقاء دينار .. أما بصدد معركة الاقتحام ، فيقول المحارب الإفرنجي صاحب المذكرات .. " وفي يوم الاثنين ، 12 يونيو(حزيران)،هاجمنا البلدة هجوماً عنيفاً ، وحطمنا السور الصغير ، ورفعنا السلم على السور الرئيسي ، وصعد فرساننا وضربوا المدافعين عن المدينه بالسيوف ، وناوشوهم بالرماح ، وكان قتلاهم أكثر من قتلانا ، والأهالي حصنوا المدينه تحصيناً عجيباً ، وقوموا الدفاع عن الأبراج أثناء الليل وفي يوم الجمعة قمنا بهجوم على البلد دون أن نستطيع أخذها . فاصبحنا في ذهول وخوف شديدين، وقد حمي وطيس القتال بين المدافعين عن المدينة ورجالنا " وهنا .. هنا يذكر التاريخ .. أن الإفرنج قد ساءت حالتهم لقلة الماء, وندرة الأقوات ، وشدة الحرارة ، وتعرضهم باستمرار لهجمات المدافعين ، ونشوب النزاع بين أمراء الإفرنج أنفسهم .. كل ذلك حمل كثيراً من الإفرنج على أن يتسللوا وأن يتوجهوا إلى يافا ، لعلهم يجدون سفناً تحملهم إلى بلادهم .

لقد سقطت يافا في عام 1948, كما سقطت عام 1099 .
وكما تلقى الإفرنج المؤن والسلاح والرجال من يافا في الماضي ، فقد تلقى اليهود في زماننا ، السلاح والرجال بعد أن استولوا على ميناء يافا ...

ولقد سقطت القدس في عام 1099 ، والإفرنج يعانون الجوع والعطش ، وسقطت القدس الجديدة في عام 1948 وكاد مئة ألف من اليهود أن يستسلموا بعد أن حاصرهم العرب ومنعوا عنهم الماء ، لولا الوساطة العربية ولولا وقف إطلاق النار ... ثم سقطت القدس القديمة في عام 1967 من غير حصار ولا قتال .
وكان أول ما فعلوا أن زحفوا صوب مدينة نابلس في أواخر تموز 1099، ولم تكن المدينة قادرة على الدفاع عن نفسها، فلم يبقَ أمامها إلا أن تستسلم، وأنباء المذبحة الرهيبة التي ألمَّت ببيت المقدس لماّ يمض عليها إلا شهر واحد…. وهكذا استسلمت مدينة نابلس أو "دمشق الصغرى" كما حلا للمؤرخين أن يصفوها.
ثم توجه الإفرنج بعد ذلك شمالا، في اتجاه منطقة الجليل في فلسطين، فاحتلوا بيسان وطبريا والناصرة، وأنشأوا فيها تحصينات قوية وأقاموا حاميات عسكرية.

وبعد أن تم للإفرنج توطيد أقدامهم في تلك المناطق، توجهوا نحو الساحل، لتحقيق هدفين استراتيجيين، الأول تمكين اتصالهم البحري بأوروبا، وثانيها قطع الصلة بين العالم العربي وفلسطين.
ووضع الإفرنج خطتهم للاستيلاء على أرسوف-شمال يافا-(كانون الأول 1099) ولكن هذا الثغر العربي لم يكن هدفا سهل المنال، فقد أخفقت الحملة، وارتدت على أعقابها خائبة، فقد دافع الأهلون عن مدينتهم دفاعا باسلا…جعل لأرسوف مقاما مرموقا في التاريخ.

وترصد الإفرنج لأهالي أرسوف قرابة شهرين، وهم يشنون عليهم غارات متوالية حينا بعد حين، إلى أن خرج المزارعون من هذه المدينة الباسلة للعمل في أراضيهم، ولم تكن معهم إلا معاولهم، فانقض عليهم الإفرنج وأسروهم وانتقموا منهم انتقاما وحشيا بالغا، فقطعوا أنوفهم وأقدامهم وأيديهم…..وهذا ما أثبتته المصادر الغربية قبل العربية .

وعاد الإفرنج إلى مناطق الجليل مرة ثانية، فسيطروا على إقليم السواد شرقي بحيرة طبريا، وكان هذا الإقليم تابعا لدمشق، و وقعت بين الإفرنج والأهلين مناوشات متعاقبة، وأنزل الإفرنج بالقرى والمزارع المجاورة خسائر فادحة، حتى توغلوا في الجولان، واقتربوا من دمشق نفسها. وجولان الماضي تذكرنا بجولان الحاضر!!

وكانت أخبار هذه المعارك التي خاضها الإفرنج لاحتلال فلسطين بأسرها، بعد أن فتحوا بيت المقدس، تتجاوب في أرجاء العالم العربي فتهزه هزاً عميقا، وتبعث في نفسه كل مشاعر الحزن والغضب وراح الشعراء في الوطن العربي يندبون سقوط بيت المقدس، وينعون على حكامهم تقاعدهم عن الجهاد.


وكانت النقمة، أشد النقمة، على الخلافة الفاطمية في القاهرة، فقد كانت البلاد من غزة حتى نهر الكلب شمالا تحت حكم الفاطميين.

وأخيرا تحرك الفاطميون، إزاء النقمة العارمة، وخرج الوزير الفاطمي، الأفضل، على رأس جيش لمقاتلة الإفرنج، ووصل إلى عسقلان في شهر آب 1099، وكان ذلك بعد أن استولى الإفرنج على بيت المقدس بثلاثة أسابيع، أي "بعد أن فات الأمر" كما عبر المؤرخ العربي. وهو مماثل للتعبير الشعري:

وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل ..

ذلك أن الحب والحرب سواء بسواء، ..كلاهما له أوانه وزمانه"!!
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس