عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 28-05-2011, 11:54 AM   #75
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(70)
ولكن الشاعر استطاع عن طريق التقاطه المرهف لعناصر الصورة أن يشحنها بإيحاءات الذهول الأسى الذي أصابه حين صدمه منظر الدار الموحشة ، فجلس في ساحتها حزينًا شاردًا يلقط الحصى في ذهول وينكت بيده خطوطًا في التراب ، ثم يعود فيمحو ما خطه ليعود فيخطه من جديد ، ووالغربان تسقط حوله في الساحة الموحشة تضاعف من الإحساس بالأسى اللوعة والذهول ، فهذه صورة شعرية رائعة بكل المقاييس، رغم أن العلاقات بين عناصرها ومكوناتها علاقات طبيعية مألوفة ، وليس فيها أي تخطيم للعلاقات العادية والمنطقية بين الأشياء ، أو بتعبير آخر ليس فيها أي استخدام مجازي للغة ، ولكن الشاعر استطاع من خالل اختياره البارع لعناصر صورته ، وللعلاقات بينها أن يوحي بكل معاني الذهول والشرود والحزن التي أراد أن يعبر عنها . ومثل هذه الصور ليست قليلة في تراثنا الشعري القديم .
أما شعرنا العربي المعصار فهو بدوره حافل بمثل هذه الصور التي لا تقوم على المجاز ، أو على تحطيم العلاقا ت المألوفة بين عناصرها ، ومع ذلك تزخر بالقيم الإيحائية والطاقات التعبيرية ، فحين نقرأ مثلاً الفقرة الثالثة من قصدة "فقرات من كتاب الموت " (68)للشاعر أمل دنقل التي يقول فيه :
أعود مخمورًا إلى بيتي في الليل الأخير
يوقفني الشرطي في الشارع للشبهة
يوقفني برهة
وبعد أن رشوته أواصل المسير
***
توقفني المرأة في استنادها المثير
على عمود الضوء(كانت ملصقات الفتح والجبهة تملأ خلف
ظهرها العمودا)
تسألني لفافة (لم تيرك الشرطي واحدة من تبغها الليلي)
تسألني إن كنت أمضي ليلتي وحيدا
وعندما أرفع وجهي نحوها ..سعيدا
أبصر خلف ظهرها شهيدا
معلقًا على الجدار ناصع الجبهة
تغوض عيناه.. كنصلين رصاصيين
أصرخ من رهافة الحدين
أمضي بلا وجهة
_______________________
(68):أمل دنقل ، ديوان تعليق على ما حدث .دار العودة. بيروت .1971.ص11.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس