عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-07-2007, 06:28 PM   #7
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"]الإنسان هو كما هو بعد إدراكه الحدّ النوعيّ للبدائيّ والنّمطيّ أو هضمه الفويرقات المؤسّسة لذهنيّة كل خبر من الأخبار الفنية أصدق من ابن القارح وأجرأ على قول الطّبع وإن كان على ما هو عليه مكبّلا بالأغلال مبتهجا باللّعنة ومن يتغنّى باللعنة من شعراء الغواية بسرد خبر بشار الساخر وقد أعطي عينين بعد الكمه ليلتذّ برؤية السالم وهنا يقدر الخبر على إبراز أهمّية المشهد باعتباره وسيلة تعذيب إلهيّ وكأن عذاب الله لا يكون ناجعا إلا بالمسخ وإرجاع العينين لشاعر أعمى ليشهد عذاب ذاته وكأنّنا هنا أمام إله صاد مصاب بعقدة تعذيب الآخرين وعيونهم تبصر عذابهم، أليست عبثية تنسب إلى الخالق شأنها شأن المعتقدات المتعلقة بالقول بأنّ الله يجدّد للكافرين يوم القيامة جلودهم ليشعروا بالألم وهكذا فالألم إلهيّ مذاقه أرضي دنيوي ومن هنا تنشأ حيرة السؤال الطّبيعية لإبليس عن مسألة الغلمان وأهل القريات في الجنّة.
وتدفق أخبار في رسالة الغفران تراوح بين بناء خبر الغفران وتخريبه تنبت المضارع من الوجس والخطر والطلع والقول والضّرب "ويجس في صدره (ص71 وص72) ويقول - لأفتي ناطقا بالصواب (ص 273) " ثم يضرب سائرا في الفردوس ص264" فيطلع فيرى إبليس لعنه الله ص 308 و309 و310" وتفيض عنها إمكانيات يتيحها جذر غفر بمعنى رغف والرغيف مرتبط بمفهوم الأكل والأكل هنا بآكليه ومحضريه وهم من أشهر طباخي حلب وإن كان الإطار إطارا لغويّا ميتافيزيقيا ألا وهو إطار الجنّة فالجنّة منشطرة بين الأرضيّ مرفوعا بجسد اللّغة في فعل حاضرها والأخروي الممكن في مستقبلها والآمر فيها ابن القارح رمز الإنسان المنشطر بين دواعي الطّبع الخارب وزيف الخبر الراسم وذلك هو أنموذج الإنسان المحيّر الكامل الناقص الشّره الباحث عما يشبع الرغبات الجسديّة، رغبات البطن والأذن والعين والأير والفرج وما إلى ذلك من خبر كتمان الفضيحة. أليست تلك صفات من حارت البريّة فيه؟ أليس المعرّي المتلبّس بمهمّة الرّاوي الساتر الفاضح ولافتته - مولاي الشيخ - في رسالة ابن القارح مندّد أو مشيد بسلوك ابن القارح ولافتته - مولاي الشيخ - في رسالة الغفران؟ واللاّفتة بحرفها تسخر مقاميّا باللاّفتة في حوار رسالة ابن القارح برسالة المعرّي لتنتهي إلى رسالة تحاور القارئ المفترض الّذي يرتفع بالتّأويل إلى درجة أرقى أو يتجاوز التّأويل والتّفسير إلى الوقوف على حيرة الطّبيعي الّذي يحاول أن يعيد الأمور إلى نصابها فتتحوّل شخصيّة ابن القارح من موضوع كره أو نقمة إلى حافز مناصرة لطبع مولاي الشيخ ابن القارح الخائف على نفسه وعلى المعرّي من مسألة العقاب وتصوّره للتّوبة مما يسنح للمعرّي بأن يهتف من بعد بذهنيّة مغايرة لذهنيّة سائدة يمثّلها فكر ابن القارح الرّاغب في الكمال، فالمعرّي يضمر جديد الفكر الهازل، فكر الشّعور بالنّقص، نقص ابن القارح وهو العاجز عن التحرّر من وهج الحياة الدّنيا، وهج الجسد البشريّ، حيث يفارق الطّبع النّاقص ثقافة الكمال المرسوم وفي هذا نبله اللّغويّ أو السرديّ الّذي يلوح بنبله الإنسانيّ، الذي يقدّم الإنسان هو الإنسان، في فوضاه يبني بيته الحكائيّ ليهدمه بدءا من حطام لغته النثريّة والشعريّة في آن ليصيّره متحرّكا نحو رحلة سامورها المضارع في يخطر ويجس ويبدو له فتبلغ به جنّتها ناقصة على الدّوام تخرّب بخبرها، يسترها ويعرّيها دون ركون إلى يقين مميت أو سكون نفس أو استقرار يجمّد الحيوان المنسوخ الممسوخ، فالحيوان المتحوّل بقدرة تدبير اللاّغي إلى ذهب وزبرجد وعسجد ودرّ، حيوان حيّ في جنّة الإنسان العلائيّ، جنّة الخلود، حيّ بمعنى لا يمكن أن يقطع مع الطّبع الإنساني الذي لا يمكن أن يكون خارج الدّنيويّ أو خارج مفهوم الصّراع الطّبيعيّ بين مفهوم الغفران المقترن بمفهوم الفناء الطّبيعيّ ومفهوم ابن القارح الثقافي ومن لفّ لفّه ممن يتصوّرون مفهوم الخلود في الفناء وهو مفهوم الخلود الشّائع مفهوم العوامّ فهذا التناقض يثير قلق المعرّي بوصفه ناقدا طبيعيّا يوضح ما أشكل على القارئ البدائي والنمطي كما يقول باز وليني(**)Pasolini . وهذا القلق ضارّ نافع حين يخلخل الإيمان، إيمان هذا القارئ ويرتقي به إلى مرحلة جديدة أو درجة مختلفة نوعيّا من الحيرة الفكريّة الجادّة السّاخرة دون أن يمكّّنهم من الجواب اليقين في الحاضر بناء على خبر الماضي لأنّ خبر الغفران خبر مستقبليّ غير خبر غضّ الطّرف وكتمان السّرد أو خبر الكذب، كذب الرّواية البانية خبر التّوبة من وهم خطّة الرّاوي ونمطيّة تدبيره السّاحر بجاذبيّة السرد فيقنع الشّكل دون الأكل كما يفهم من سجع الهمذاني إذ المهمّ في رسالة الغفران ليست مراجع إحالات الكلام في الخبر بقدر ما يؤمّنه محفل إيقاعه من مشهديّه مفلومة بأساليب تخريب أو تناصّ متحدّ قد يمتسخ عوالم أخرى مفترضة بجرأة التّجريب، تجريب مغامرة الدّخول أو النزهة في غابات السّرد الروائي - والعبارة لايكو (***) Eco- وجذوع أشجارها جذور لغويّة بكر غير مطروقة تكون على شاكلة برخ و ربخ وغيرهما مستغنية عن جذور شجرة الغفران الباسقة غفر ورغف وغرف وفرغ، وتلك حؤولة نوعيّة طبيعيّة نحو تفكير ما بعد حداثيّ يقضي الأرب من الفكر لا الطّعام ليخلو صدره من سرور الدّعاء والإيقاع السجعيّ إلى سرور التّدبير بالتّفكير فيصير الخبر في الغفران خراب الغفران بالإنسان أي بفكر الإنسان وبطبعه من أجل الإنسان الحيّ المستقبليّ لا الإنسان الميّت الحيّ بذكره أي بأخبار غفرانه الّذي لا يتمّ. والإنسان بما سيفعل لا بما فعل أو يفعل الآن، فعل لغة لا يد، وجنّته من طبعه الإنسانيّ الخرب في فعله المستقبليّ لا في ما يتوسّل به من أخبار اليقين المؤدّية تمويها إلى الكذب والظّنّ.

والطّبع الإنسانيّ الخرب إحداثيّة مفيدة في ما توفّره إمكانيّة الجذر خرب من تمكّن في التمرّد بتمكين الشّيطان الثّابت في مبدئه الطّبيعيّ المتمرّد رغم الأغلال - إنه الوحيد الأوحد الذي لم يمتهن خبر النّفاق والتبدّل ولم يسع إلى الخروج من النّار للدخول إلى الجنّة بالأسلوب أو الطّريقة التي تدبّرها ابن القارح بالواسطة. وخبر الشّيطان لم يكن اعتراضيّا أو هامشيّا أو مضمرا أو هو مجرّد نزوة وإنما هو محطّة سرديّة متأنّية مدعومة ببيتي بشّار بن برد تشهد بصراع التمرّد العقلانيّ المترف في وجه الغفران العاطفيّ البائس. فالشّيطان يهتدي إلى معرفة مخاطبيه في مشهديه الوضوح في الآخرة، آخرة الإنسان المطلق وقرينة المنادى "فلان وفلان" لا "على بن منصور القارح".

إنّ مصيدة الخبر في اقتفاء الأثر للظّفر بالغفران تمكّن من ملامسة خيوط دقيقة تشدّ إلى أخبار ثلاثة:
1- خبر بائس واقف على حيرة البدائيّ الحائل قلقه اللاّهوتي إلى موقف الخائف من خبر الزّندقة، خبر الحداثة، باحثا عن الحلّ في التّوبة انطلاقا من توبة غيره من المحدثين بخراب الطّبع أمثال بشار وأبي نواس والحلاّج وابن الرواندي ومولاي الشيخ أي المعرّي وغيرهم وما تلك التّوبة المأسوف عليها إلاّ توبة غفران الصّدقة المتوقّفة على تزييف خبر لنقض خبر فيسرّ المغفور له سرور البؤس.
2- خبر سعيد متحرّك على بؤسه البدائيّ غنيّ بجاذبيّة غربيه ناظر بعينه وعقله الطّبيعيّ لا بوجدانه اللاّهوتي محاولا تجاوز خبر ابن القارح البائس وسقفه سلطة أساسها حنق حرّيات التّعبير. وصاحب الخبر السّعيد هو المعريّ لا غير بوصفه هدف رسالة ابن القارح ومتلقّيها فهو ينطلق من حيرة ابن القارح ليجاريه في نزهته على هواه ليهرب به إلى ما هو أبعد وأعقد فينشئ رسالته، بل بيته اللّغوي الممكن على أجنحة التّخييل لا الاستنساخ والتّنميط فيوهمك عصفور جنّته بالحطّ على أغصان اللغة دون ركس.
3- خبر مستقبل ينتظر أن يكتبه متلقّ مفترض لا يتحوّل إلى أمشاج وأحاسيس مائعة من قبيل الآهات والحسرات لا يرى في خبر المعرّي غير خبر حبّ الإنسان الرّاغب بطبعه في تحويل كلّ ما هو جاهز قاتل - ولو كانت صورة الجنّة نفسها كما تخطر مشاهدها صائبة مفرطة في حسّ النزوة، نزوة ابن القارح العلائيّ لا المعرّي القارحيّ في رسالة المدخل أو القادح فابن القارح في رسالة الغفران فلان بن فلان المغرور، آمر ناه في جنّته لا يشبع من ملاذّها يظلّ محروما حرمان التّخمة وهو إن انطلقت رحلته من خواطر النّفس أو القلب فإنّه ينتهي بعين ابن القارح إلى جنّة معهودة محيّرة قوامها الشّغف بما هو ظنّي أو مثير للجدل في أبسط المسائل اللغويّة وأعقدها فلا وجود لتفسير أوحد أحد.

يتحوّل الخبر في رسالة الغفران من مجرّد نقل خطيئة فتهمة ووعد ووعيد وتشريع لغفران التّوبة وإعادة ما قيل إلى إخبار إنشاء وتصرّف في ما ينقل عن ابن القارح من دعاء وأساليب المحاكاة والمحاكاة السّاخرة في إيقاع سجعي ثابت لكنه متحول بسياقات القول مما يجعل رسالة الغفران مرفقة برسالة ابن القارح شبيهة بمقامات الهمذاني باعتبارها جنسا بكرا يصبح التناصّ فيه قائما على التحدّي، تحدّي النّصوص بعضها بعضا، فهذا الجنس يرسم الخطوط الأولى لخبر فنّي عربيّ كان له أن يتطوّر إلى شكل فنّي آخر لعلّه الرّواية الّتي أنشأها في ما بعد "سرفنتس" في "دون كيشوط" إلا أنّ عوامل موضوعيّة حالت دون ذلك فلم يتحوّل الخبر الفنّي لا في المقامات ولا في رسالة الغفران إلى جنس فنّي يؤسّس إلى ذهنيّة بديلة مختلفة تتحدّى ذهنيّة النصّ الواحد الذي يجعل كل الأخبار الأخرى رغم تصانيفها منسجمة مع النصّ الأوحد ومجنّدة إيمانيا للبرهنة على إعجازها فصار النصّ الأوحد في ذهنيّة المفكر الأنموذجle modèle نصا أعظم لا يطال ولا يقدر الإنسان المنبوذ الكنود أن يأتي بمثله ولعلّ هذا من الأسباب التي جعلت إدوار سعيد يعتبر أن المسلمين بلغوا بنصّ القرآن مرحلة الكمال فنظر إلى كل إبداع في مجال الخبر يوكل للإنسان مهمّة مستحيلة أو محكوما عليها بالفشل مسبّقا.

إنّ الخبر في رسالة الغفران يسري في شرايين الكلام ليدفق مشوّقا في ردّ مضمر على ذهنيّة بدائية منمطّة بذهنيّة حداثيّة منفتحة على الاختلاف أو هي أرقى أو أحدث متولّدة عن الأولى أو محترقة بورقها المؤلم ملتهبة بقدح الخبر الخرب خبر الظّنّ الرّاقي، خبر النقص، نقص الإنسان لا كماله.

في علاقة الخبر بالغفران علاقات كتاب بكتب شتّى وذاك ما يجعل رسالة الغفران في جدل مع نصوص المدوّنة الأدبيّة منذ الجاهليّة وهذه الكتب أو النصوص لا تتراكم تراكم - كان يا ما كان - أو تراكم الحجّة المنطقيّة الّتي تدعم الحجّة العقلية والعكس بالعكس ولكنّها تضارع ما قيل وما يقال مضارعة النّقد والاختلاف لقول ما لم يقل أو يمكن أن يقال أو سيقال وأنّ ما دوّن أو ما كتب ليس بالضّرورة ما ينبغي أن يقال في كلّ الأحوال ولا هو صادق في كل الأحوال. لذا فإنّ وجاهة رسالة الغفران تكمن في الوعي بضرورة تغيير النّظرة إلى الخبر وتلك قضية مرتبطة بقضايا الوعي بالمفاهيم وكيفية تكوّنها.


الهوامش:
(*) أبو العلاء المعرّي، رسالة الغفران، الطبعة الخامسة/ تحقيق عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ - دار المعارف بمصر.
(**) بازوليني، بقلم ريني دي سكّاتّي - قاليمار 2005
Pasolini par René de Ceccatty –Gallimard 2005
(***) امبرتو ايكو، ستّ جولات في غابات الرّواية وغيرها نقلته من الإيطاليّة إلى الفرنسيّة مريم بوزاهر، منشورات قرصّاي 1996
UMBERTO ECO : six promenades dans les bois du roman et d’ailleurs – éditions GRASSET 1996

محمّد خريّف / ناقد من تونس
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس