عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 04-10-2009, 12:06 AM   #407
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

أحدق بروحي
أتلفت حول جراحي
فحيح الليل المتوجع يئن بخاصرتي
لاشئ غيرالأنين

كان حضور الفعل المضارع بشكل واضح يدل على حالة استمرارية غير معلومة أمد النهاية،كما
أن الجمل كانت ذات طابع إيقاعي قريب من الشعر ، ربما جاء ذلك بشكل متعمد أو غير متعمد
للتعبير عن سرعة إيقاع الحياة وسرعة حدوث المشاكل والملمات.
فحيح الليل تعبير جعل له سمة من سمات الأفعى ، لكن لماذا يئن الليل ؟ هذا الليل المشبه
بالأفعى لابد أنه واجه قوة أو حدثًا أقوى منه جعله يئن إذ أنه لا يئن بلا سبب ،وتأتي جملة
لا شيء غير الأنين لتترك القارئ يتجول بفكره في أنحاء العمل ويتخيل ما يكون سببًا لهذا الألم.
لكن غلبة عنصر التصور أدت إلى صورة غير مفهومة السبب وهي يئن بخاصرتي ، ما علاقة الخاصرة بالليل وحزنه ؟ وكيف يمكن تصور هذه الصورة وما دلالتها؟ في تصوري أنها خطأ يأتي بسبب
توالي الصور الآتية إلى الذهن عند تخيل الحدث.
ليال
منفعلة لاتعرف الهدوء
زمن مغلف بالوهم .....
وغربة سمراء..
وشجون ليس لها آخر
وقمر جريح ينزف بآلاف الذكريات

الكلمات المذكورة كلها عبرت عن حالة عاصفة من الاضطرابات ، وجملة ليال منفعلة
فيها أنسنة لليل وهذا يجعل الحالة الشعورية أعمق ويجعلنا أمام حالة توحي بانتهاء
الحياة على سطح الكوكب ، ويأتي الزمن المغلف بالوهم ليزيد الصورة حيرة ، ويجعل
لتوالي العناصر الداخلة في تكوين الحدث إيقاعًا نفسيًا سريعًا . ومع هذه السرعة يكون
من الخطأ هذه النقاط ...... لأن الحدث السريع لابد من التعبير عنه بنقاط قيلة .
والجملة الأجمل القمر الجريح النازف بالذكريات ، إذ أن ذلك يجعل للقمر دلالة أخرى
وهي دلالة قلبية يكون القمر فيها جزءًا من القلب ، وهذه الحوادث كلها هي أقرب
إلى أن تكون حوادث متحققة في عالم القلب ، والذي يميز هذه الجملة أنها مركبة من
خيالين ، فالقمر لا ينزف فقط ، وإنما ينزف ذكريات وهذا يدل على مكانة الذكريات التي
تجري مجرى الدم ،وأين يا ترى تقع هذه القطرات من الدماء ؟
إن فكرة نزف القمر هي إذن ضمني لانتهاء الحياة واستقرار الظلام وخبو الأمل الباقي
من الضياء .وإذا كانت الذكريات هي الماضي ، فإنه لا حاضر لمن لا ماضي له ، وهذا
كله يجعل الحاضر في بؤرة الغموض واللاشيئية المتوقعة.


حبيبتي ...
ذكرياتي حلم لاهث
وحروفي تلملم ما تبقى من دفئ الجلسات

كأن المبدع كان يتذكر هذا الحدث واستخدام تقنية الفلاش باك flash back ليخاطب
الحبيبة بعد أن تذكر هذه الأيام العاصفة ، واستخدام هذه التقنية كان في صالح النص لأنه
جعل المتلقي يربط بين حالتين مختلفتين ويصل إلى الفكرة بشكل غير مباشر .
قصائدي إليك تجتاز ممرات الوهم المخيف
ودمعي طوفان لايوقفها ضجيج الواهمين
الطريق إليك حجارة بلهاء
علب فارغه
اتسمت هذه المقطوعة كلها بالجانب التشكيلي ، والأصح أن تقول دمعي طوفان لا يوقفه ....وليس" لا يوقفها" لكن من الصعب أن أجد دلالة للحجارة البلهاء ،إذ أن الحجارة صماء بكماء لا روح فيها ولا حياة.
قد يقول قائل إن هذه اللفظة تأتي كمقابل للحجارة الشاهدة على تاريخ الحب وأيامه الجميلة ، لكني لا أرى في النص قرينة تؤكد على هذا المعنى .العلب الفارغة كانت قريبة الصلة من الطريق على اعتبار أن كلاً منهما يكون ممتلئًا ، لكن العلاقة شكلية فحسب ، وليس في النص ما يجعلها قريبة الصلة من الجانب المضموني.
هرطقات كانت تدندن بها عجائز قريتي وهن راحلات إلى سفوح الجبل
ربما تكون الصورة غالبة على التفكير ، فكثير من الريفيات يعبرن خضرته وقريب من
منازلهن الجبال لكن هل تستطيع العجائز تسلق سفوح الجبال ؟ وماذا يفعلن ؟
لقد انتقلت بين عوالم عدة ، أولها العوالم الخربة المعبرة عن انتهاء الحياة على
سطح الأرض وهذا المقطع جاء ليعيدني إلى أجواء ريفية جميلة عبقة في تركيا
ربما أو سوريا أو العراق ، لكني أراها بعيدة الصلة عن النص بشك أو آخر .
القرية وما تثيره من معان جميلة في الذهن ..الخضرة ، البساطة ،الهدوء
في حضرة هذا النص تكون مقحمة على الصحراء القاحلة ، وحالة انتهاء الحياة
من على الأرض وأنين الأفاعي ...إلخ
لهذا يكون من الضروري الحذر في تناول الجوانب البيئية ومراعاة علاقاتها بالحالة
النفسية والدلالة المباشرة وغير المباشرة لها
لست
أدري كيف أعود إليك
جدران غربتي صدئه
لفظة جدران الغربة تقليدية معتادة ، ولعل من طريف التوافقات أنني علقت على نص
بنفس الاسم للأخ العزيز حمزة المقالح . لكن كان تعبير صدئة جيدًا للغاية إذ أنه
قوّى من قيمة الجدران وحولها إلى جدران حديدية ، لأن الحديد هو الذي يصدأ .
وتشبيه الجدران بالصدئة يدل على مدى استغراقها في القدم حتى استحالت على العلاج.
آذاني أدمنت على الوهم
كان جيدًا أنسنة الأذن وأعطاؤها سمة من سمات الإنسان لأن ذلك يجعل العالم الافتراضي
الذي يعيشه المبدع أكثر حضورًا في الذهن وتوقدًا في الوجدان .لكن ثمة تصحيح لغوي :
"
أدمنت على الوهم " ، تصحيحها :"أدمنت الوهم"
ربما إن عدت تتمتمين :
_ليته لم يعد

هذا الجزء من النص زاده جمالاً وكان خاتمة جيدة وقوية للحالة لاسيما في ارتباطها بالعنوان ليلة لا تكف عن البكاء . وأعطى هذا الجزء للنص حيوية واتقادًا شديدين ، فالليلة لا تنام من البكاء بسبب قولها ليته لم يعد ، أو أن النفس هي التي تقول ذلك القول أو يمكن تأويل العنوان على أنه ليلة َ لا تكف عن البكاء والضمير المستتر عائد على المحبوبة .
إن البكاء في نهاية الأمر هو القاسم المشترك لجميع هذه المكونات ، ويكون البكاء هو الكلمة النهائية إذ تتفاعل الحياة مع هذه الحالة الحزينة ، ويستمر البكاء إلى اللانهاية .
ليلة لا تكف عن البكاء عنوان يتسم باتساع الدلالة واحتمالات التأويل ، كما أن الصراع يكون حاضرًابقوة بين حالتين بكاء المفارقة ، وفتتور الحب أو مفاجأة النتيجة .
النص كان قويًا للغاية ، واتسم بالقدرة على رصد الحالات الانفعالية المتباينة وكان استخدام اللغة
المجازية عنصرًا فاعلاً في رفع مستواه ، وإن كان يؤخذ عليه الانفصال بين الحالة ومكونات البيئة

التي تستمد منها الصورة والانفعال .عمل جيد ، أرجو لك التوفيق فيما تكتب ، دمت مبدعًا وفقك الله
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس