عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 02-01-2009, 09:04 PM   #4
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي



كتب المقوقس إلى ملك الروم يعلمه بذلك. فجاءه من ملك الروم جوابه على ذلك يقبح رأيه وبعجزه ويرد عليه ما فعل ويقول "إنما أتاك من العرب اثنا عشر ألفًا (بعد إمدادات الخليفة) وبمصر من بها من كثرة عدد القبط ما لا يحصى !
قال المقوقس:والله إنهم على قلتهم وضعفهم أقوى وأشد منا على كثرتنا وقوتنا، إن الرجل الواحد منهم ليعدل مائة رجل منا، وذلك أنهم قوم الموت أحب إلى أحدهم من الحياة.
ثم أقبل المقوقس على عمرو بن العاص وقال له:إن الملك قد كره ما فعلت وعَجَّزني وكتب إليّ وإلى جماعة الروم ألا نرضى بمصالحتك وأمرهم بقتالك حتى يظفروا بك أو تظفر بهم ولم أكن لأخرج مما دخلت فيه وعاقدتك عليه وإنما سلطاني على نفسي ومن أطاعني، وقد تم صلح القبط بينك وبينهم ولم يأتِ من قِبَلِهم نقض، وأنا متم لك على نفسي، والقبط متمون لك على الصلح الذي صالحتهم عليه وعاهدتهم، وأما الروم فأنا منهم براء. وأنا أطلب إليك أن تعطيني ثلاث خصال".

قال عمرو "ما هن ؟"
قال: لا تنقض بالقبط وأدخلني معهم وألزمني ما لزمهم وقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم على ما عاهدتك عليه فهم يتمون لك على ما تحب، وأما الثانية إن سألك الروم بعد اليوم أن تصالحهم فلا تصالحهم حتى تجعلهم فيئًا وعبيدًا فإنهم أهل ذلك لأني نصحتهم فاستغشوني ونظرت لهم فاتهموني، وأما الثالثة أطلب إليك إن أنا مت أن تأمرهم يدفنونني في أبي يُحَنَّس بالإسكندرية". فقال عمرو: هذه أهونهن علينا ".

لم يغير المسلمون النظام الإداري المعمول به في مصر قبل الفتح، سواء على المستوى المركزي لإدارة الولاية أم على المستوى المحلي لإدارة الإقليم، اللهم إلا في حدود ضيقة استدعتها الضرورة والظروف، ولم تكن تلك السياسة نابعة من جهل العرب بالنظم الإدارية، أو رغبة في استمرار تدفق الضرائب إلى خزانة الخلافة كهدف يمكن الفتح من ورائه وإنما كان إبقاؤهم على النظام الإداري، نتيجة عدم معرفتهم باللغتين اليونانية والقبطية المستعملين في دواوين مصر، ثم احترام نصوص عهود الصلح التي تم التعهد فيها بالحفاظ على الحريات، وصون الممتلكات والأموال، وعدم التدخل في شئون الأقباط..

الأوضاع الاقتصادية

ـ الزراعة

تعتمد مصر منذ القدم على حرفة الزراعة اعتمادًا أساسيًا، وقد كان المسلمون يعرفون خيرات مصر الوفيرة، فقد أُثِرَ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قوله: "ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة".. وأثر عن ابنه عبد الله قوله: "من أراد أن يذكر الفردوس أو ينظر إلى مثله، فلينظر إلى أرض مصر حين يخضر زرعها، وتخرج ثمارها"..

ومعلوم أن المسلمين مُنِعُوا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من مزاولة الأنشطة الاقتصادية عامة خاصة الزراعة حتى لا ينشغل الجند عن واجبهم الأول الجهاد في سبيل الله، وكم أن في مقابل ذلك يكفل لهم عمر رضي الله عنه معاشهم ومعاش أولادهم وذويهم إلى جانب ما يحصلون عليه من غنائم حربية، وكان لا يسمح لهم بالخروج إلى الريف ومخالطة الناس إلا في وقت الربيع يرعون خيولهم ودوابهم، ثم يعودون إلى أماكن سكناهم ثانية..

ومما يشهد بالخير للمسلمين من فاتحي مصر أنهم لم يصادروا أراضي القبط الزراعية، ولم يستولوا عليها لأنفسهم .

دخل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصر على رأس الجيش الذي فتحها وكان على رأس الجيش كما نعلم عمرو بن العاص وابنه عبد الله والزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعقبة بن عامر الجهني، وغيرهم كثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم وحصرهم.

لما فتحت مصر أتى أهلُها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا له: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سُنَّةُ لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك ؟ قالوا: إذا دخلت ثنتا عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أباها، وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل، قال لهم: إن هذا لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤونة، وأبيب، ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيرًا حتى همَّوا بالجلاء عنها فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر: "إنك قد أصبت لأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وكتب بطاقة داخل كتابه وكتب إلى عمرو: "إني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة فإذا فيها: "من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد: فإن كنت تجري من قِبَلَََك فلا تجرِ، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك" فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج، لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل، فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، فقطع الله تلك السُّنَّةَ السُّوء عن أهل مصر إلى اليوم.
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس