عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-03-2008, 05:16 PM   #31
الحقيقة.
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2006
المشاركات: 1,184
إفتراضي

ثانيا:

حين يعلو صوت الجهلة وقت المصائب يتضاعف الضرر مرة، وحين يسكت العقلاء تحسبا لعاطفة العامة، يتضاعف الضرر مرتين.

وسأستق من الماضي حالة واحدة للمثال، وهي لغة الحزب الشيوعي العراقي أبان انقلاب 1968 التي أطنبت بدموية الانقلابيين وفاشيتهم وأن أيديهم ملطخة بالدماء ،،الخ. والحزب الشيوعي كان صادقا ولا شك بأوصافه. وهو أيضا توخى من خلال هذه الأوصاف تحريض الشارع على الانقلابيين لإسقاطهم. لكن هذه اللغة حصرا هي واحدة من أخطر عوامل تثبيت حكم البعث آنها. فأهم عنصر فعال في تحريض الجماهير على نظام، هو استشارة جرأتها. بينما لغة الحزب الخطابية سلبت هذه الجرأة كليا من الجماهير وجعلتهم يتهافتون لنيل الرضا من الانقلابيين. لأن المواطن البسيط، العنصر المنفذ للوثبة، لاشك وتساءل مع نفسه: (( ما الذي يورطني أنا الفرد الأعزل مع هذا النظام، إذا كان الحزب القوي المعارض منذ زمن يعرف أن عناصر النظام فاشية دموية ستقتل وتذبح))

نعم! عناصر النظام فاشية ودموية ودكتاتورية، لكن للخطاب السياسي فقها، منه: أن لا نردد على مسامع المواطنين ما يثير فيهم الإحباط والتيئيس.

الأدهى من ذلك، أن الحزب وكأنه يؤكد على خوفه من الانقلابيين، اجتمع يوم 29 تموز 1968 وألغى شعار استلام السلطة. أي عمليا أعلن عجزه عن المقارعة المسلحة لهذه العناصر.

والخطاب الذي عولجت به فاجعة الصحن العلوي، مغلوط على الأقل في الجانب الذي ترك فيه للجهلة العنان. على سبيل المثال: نشر أحد المواقع صورة للراحل محمد باقر الحكيم يوم مقتله وفوقها الآيات القرآنية: (( تبت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب )). وعلى كتابات، كتب الدكتور مؤيد عبد الستار يؤبن به الراحل، بعنوان: (( مقتل الحكيم يفتح أبواب المستقبل))! والدكتور مؤيد أخطا عن غير قصد ولاشك. وانتصارا منه للراحل وتعزية بالفاجعة اختار السيد حامد كرم أن يعقب بمقال على اعتراضي المستمر على فتوى الراحل بالتعاون مع أمريكا، وبأن القرآن ذكرنا مرارا بتحريم اتخاذ أعداء الله أولياء، كذلك اختار أيضا أن يلمح لمقال لي عن الاستقبال الكبير للراحل في النجف وشعوره وكأن أبواب النصر فتحت له فشارك المستقبلين في ترديد الشعار (بالروح بالدم ) لكن السيد حامد كرم ودون معرفة ألغى كل مديح له للراحل، حين قال: (( ليتدبّر نوري المرادي قوله تعالى: ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) الأنعام/44. )) ولا أدري كيف تجرأ هذا الأخ واختار هذه الآية حصرا لوصف الحال الذي جرى للراحل بينما المصاب الفاجع الذي حدث بغتة لازال طريا ولازالت الدموع والدماء لم تجف بعد؟!

إلا أن أغرب التعليقات وأكثرها مفارقة في رثاء المرحوم الحكيم، جاء على لسان شخص يدعى الدكتور أحمد الصافي. فبمقال له على كتابات بعنوان: (( بين ظافر العاني والدكتور نوري المرادي يتم النصب برفع الأيادي )) قال: (( لا ادري لماذا يستخدم حرف الياء في لغتنا العربية للدلالة على التنسيب. وإذا قلنا إن حرف الياء هو مشترك لغويا بين الطائفي ناطق النظام المقبور ظافر العاني ومترصد الوطنيين العراقيين نوري المرادي ، فأني أجد من المهم الإشارة إلى انهما لديهما عامل مشترك آخر ألا وهو التحريض على الدماء والقتال ودفع الأبرياء من العراقيين للاقتتال.. فهل علمت هذا الشيء أيها المرادي أم انك مع صاحبك العاني تنصبان المرفوع برفع الأيادي!!))

والجواب أتركه لأهل الدعابة. فأنا أيضا لا أدري لم يستخدم حرف الياء بالنسيب، ولم هو مشترك بين المرادي والصافي والعاني! ولا أدري ما علاقة هذا العنوان الغريب والسفيه في الوقت ذاته بمصاب فاجعة الصحن ؟

ومثال آخر على صوت الجهلة، الاتهامات الجاهزة لتنظيم (القاعدة) أو فلول النظام بالحادث. بل وتبرع الرئيس الأبجدي للعراق الأمريكي أن أعلن صراحة هذا، فردده جهلة بمستوى تفكيره فأعلنوا اعتقال 19 فردا بينهم مواطنين سعوديين وكويتيين فاعترفوا بصلتهم بالقاعدة وأنهم وراء الحادث الأليم!

ويا لسفه القولين!

السفه، أن من صرح بإعتقال 19 شخصا بينهم عرب، عاد وعدل تصريحه وبعد أقل من عشر ساعات، فقال أن المعتقلين هم 4 وكلهم عراقيون! طبعا جاء هذا التعديل بعد (العين الحمرا) التي صدرت من الإعلام السعودي، حين طالب بإثبات. وهذا التعديل، إذاً، جاء أما طمعا بالموقف السعودي تجاه مجلس الإمعات في مؤتمر وزراء الخارجية العربي القادم، أو أنه محض ادعاء لم يصمد لمجرد طلب إثبات. الأمر الذي سينعكس حتما على مصداقية التصريحات اللاحقة لهؤلاء الجهلة.

والسؤال: أبعد أن جيّشت أمريكا كل هذه الجيوش ودول العالم على القاعدة، تعود القاعدة وكالعنقاء تضرب حيث تشاء؟!

أما القول الجاهز الآخر بأن الحادث من فلول النظام، فهذا والله أجهل من اتهام القاعدة. فإذا كان لفلول النظام هذه القدرة العجيبة على الضرب وبهكذا عنف ورغم أنف أمريكا وجبروتها الذي تحصلته بأعتى أذرعتها الثلاثة ( Cia و Fbi والمارينز) المستبيحة الآن لأرض العراق، ورغم عداء الشعب العراقي للنظام ورغم قوة، أو هذا ما كانت تتبجح به، جيوش المعارضة الستة،، إذا قامت فلول النظام بهكذا ضربات رغم كل هذه الصعوبات والجو العدائي، فهذه إذاً ليست فلول وإنما طلائع! هكذا ستفهم العامة الحال، أو يحتمل أنها ستفهمه. والعامة تأسرها جرأة البطل أكثر من فكره.

فلو سأل العامي نفسه، أيهما أكثر جرأة وأقوى شكيمة، فلول النظام هذه أم جيش المعارضة الستة الذي قيل أنه يربو على الثلاثين ألفا، والذي أنهته أمريكا ببيان بسيط أذاعته فسلم عناصره أسلحتهم؟!

فهل فكر الجهلة بهذه الحقيقة التي تقود العامة إليها لغتهم الخطابية؟ هل فكر هؤلاء بأنهم يعملون نفسيا لإعادة النظام عبر دعايتهم ولغتهم الخطابية المغلوطة؟! فالعناصر التي تخلت أول أيام احتلال بغداد عن موالاتها للنظام، خوفا أو طمعا، ستعود وتواليه وتعمل لصالحه طالما هو بهذه القوة وإمكانية الردع والثأر.

ثم هل حقا يتصور هؤلاء الجهلة بأن اتهاما يرددوه كالببغاوات سينقذ جلد الجيش الأمريكي؟!

والحمد لله أن أحدا من عقلاء العراق من أئمة ومراجع وأصحاب رأي وكتاب أفاضل لم يتهم غير أمريكا. والحمد لله أن عائلة الراحل هي الأخرى لم تتهم غير أمريكا. والحمد لله أن المرجع الأعلى للشيعة السيد السستاني لم يتهم غير أمريكا. فإن كان لوحدة الرأي هذه من حوب أو قدر عند الله سبحانه وتعالى، فبسبب الراحل وبه سيؤجر والذين معه في ذلك الحادث الأليم.

والنصيحة إلى المواقع العراقية ومسؤولي الأعلام، وهي: لا تجعلوا للجهلة لسانا، خصوصا والعواطف مستنفرة والتربة خصبة للشائعات!
الحقيقة. غير متصل   الرد مع إقتباس