عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-03-2006, 08:17 PM   #2
أحمد ياسين
ضيف
 
المشاركات: n/a
إفتراضي



تجلى تراجع الوضع الدولي أمام السطوة الأميركية في القرار الأوروبي بإدراج الجناح السياسي لحركة حماس على قائمة الإرهاب

ملاحظة أولية
من خلال استعراض عميق لمسيرة الحركة منذ الانطلاقة وحتى الهجمة الأخيرة يمكن القول إن المرحلة الأخطر التي مرت بها كانت تلك التي تبدأ من قمة شرم الشيخ، مارس/ آذار 1996، وصولاً إلى انتفاضة الأقصى، وهي المرحلة التي يمكن القول إن المواجهة فيها لم تكن بين الحركة والدولة العبرية وإنما بين الحركة والسلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح التي نتجت عن اتفاق أوسلو.

في هذه المرحلة تمكنت أجهزة السلطة بالتعاون مع الاحتلال من إصابة الحركة، ليس في جسمها العسكري الذي ناله عطب كبير، مع أن تخفيض مستوى العمليات خلال المرحلة المذكورة كان في شق منه قرارا ذاتيا، وإنما في جسمها السياسي، إذ تمكنت السلطة الفلسطينية وحركة فتح من إحداث شيء من الشرخ فيه بخلافات بدأت تظهر بين قيادة الداخل وقيادة الخارج، أكان حول الصلاحيات أم حول استمرار المقاومة المسلحة، أم حول طبيعة التعاطي مع اتفاق أوسلو وإفرازاته على الأرض، وقد حدث شيء مشابه إلى حد ما مع حركة الجهاد الإسلامي.

خلال هذه المرحلة كان جزء من رموز الحركة قيد الاعتقال في سجون السلطة وآخرون في سجون الاحتلال، فيما الطرف الثالث يجاهد للتعامل مع الوضع الجديد بطريقة تحفظ للحركة تماسكها وشعبيتها.

من العسير القول إن شعبية الحركة قد تراجعت في هذه المرحلة بل ربما تصاعدت، لاسيما بعد اتضاح مشاكل أوسلو وسلطته من فساد وعدم تحقيق إنجاز سياسي معقول على الأرض، ومن هنا يبقى التفريق بين وجود الحركة كأطر ومؤسسات وبين وجودها كامتداد شعبي. والحال أن الامتداد المذكور كان كبيرا حتى وهي تتعرض لهجمة أودت بشكل رئيسي ببرنامجها المقاوم، ذلك الذي يحتاج إجماعا معقولاً في الشارع لم يتوفر خلال مرحلة أوسلو.

وهنا يجدر التذكير مرة أخرى بما ورد في البداية من أن شعبية الحركة كانت كبيرة وتنافس حركة فتح وتتفوق عليها في بعض القطاعات، حتى قبل إعلان حماس وقبل بدء المقاومة المسلحة من الأساس.


حركة حماس متجذرة في التراب الفلسطيني وفي الوعي الشعبي الفلسطيني وفي الوعي العربي والإسلامي لاسيما بعد أن ارتبطت بها ثقافة الاستشهاد التي
تقض مضاجع أميركا وإسرائيل

الهجمة الأخيرة وظروفها
تمثل الهجمة الإسرائيلية الجديدة على حركة حماس امتداداً للهجمات الأخرى الرامية إلى شطب خيارها المقاوم للاحتلال، ولا شك أن هذه الهجمة قد تحركت في ظل ظروف موضوعية خدمتها على نحو واضح.

وقد تجلت تلك الظروف في وضع خارجي بالغ السوء تمثل في الهجمة الأميركية على الوضع الدولي بعد هجمات سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة، وبخاصة بعد ملامح الحرب على العراق ثم خطوة احتلاله.

لقد أفرز ذلك تراجعا فلسطينيا داخلياً بظهور نجم قيادة رفض "عسكرة الانتفاضة" وانسجام الآخرين في السلطة معها، وبالتالي تراجع حالة الإجماع الشعبي والفصائلي حول المقاومة المسلحة.

ثم إلى جانب ذلك أو كداعم له تراجع الوضع العربي أمام السطوة الأميركية وكذلك الوضع الدولي كما تجلى في القرار الأوروبي بإدراج الجناح السياسي لحركة حماس على قائمة الإرهاب.

وقد تزامن ذلك مع وضع إسرائيلي خاص تصاعدت آماله باستثمار احتلال العراق في ضرب قوى المقاومة، ثم تصاعد عمليات حماس كرد على ذلك على نحو أحرج شارون وشطب وعوده المتوالية بإعادة الأمن للإسرائيليين.

في هذه الأجواء، وحيث الانحياز الأميركي الأعمى لسلطات الاحتلال بدأ شارون هجمة من لون مختلف على حركة حماس استهدفت قيادتها السياسية إلى جانب العسكرية وتجاوزت كل الخطوط الحمر المعروفة، حيث شملت مؤسس الحركة وآخرين من كبار قادتها (صلاح شحادة، إبراهيم المقادمة، إسماعيل أبوشنب، إسماعيل هنية، عبد العزيز الرنتيسي، محمود الزهار) إلى جانب القادة العسكريين الذين بدأت تصطادهم واحدا إثر الآخر، لاسيما في الضفة الغربية حيث العمل العسكري الفاعل للحركة نظرا لتوفر الأهداف، خلافا لما هو عليه الحال في قطاع غزة.


كسر إرادة قوى المقاومة لن يكون واردا بقوة الاحتلال لأنه عنوان لكسر إرادة شعب عظيم أثبت قدرته على الصمود والمواجهة على نحو هو الأقوى بين شعوب الأرض

آفاق الهجمة الجديدة
في هذه الأجواء طرح التساؤل بشأن مستقبل الحركة لاسيما إذا ما شطبت قيادتها السياسية. وهنا يجدر التذكير بأن قيادة الحركة السياسية في الضفة الغربية قد شطبت على نحو شامل، فالقادة هناك إما في عداد الشهداء أو أسرى. ومع ذلك لم يؤد ذلك إلى وقف نشاط الحركة وحضورها السياسي والعسكري.

إن ما ينبغي قوله هنا هو أن حركة حماس هي حركة ذات جذور فكرية واجتماعية لا يشطبها غياب القادة، وقد غابوا من قبل سواءً في الضفة أم في غزة، ومع ذلك تصاعد مدها، وقد ثبت عمليا أن استشهاد القادة أو أسرهم يضيف مددا كبيرا للحركة التي لا تحتاج لكي تبقى وتتمدد إلا إلى فضاء شعبي داعم، وهو ما يتصاعد عندما يضحي القادة بأنفسهم مثلما يفعل الكوادر.

لقد ثبتت هذه القاعدة بلغة التاريخ للحركات المشابهة، كما ثبتت أيضاً بلغة التجربة لحركة حماس نفسها كما تبين من استعراض تاريخها منذ التأسيس.

ولا شك أن وجود قيادة للحركة في الخارج كان ضمانة أخرى للاستمرار، مع أن هذه القيادة تعرضت وستتعرض للملاحقة خلال المرحلة المقبلة إذا ما استمرت الأجواء الدولية والعربية على سوءها القائم، وهو الأمر المستبعد في أغلب الاحتمالات بناء على تصاعد الورطة الأميركية في العراق وأفغانستان.

حركة حماس إذن حركة متجذرة في التراب الفلسطيني وفي الوعي الشعبي الفلسطيني. أما الذي لا يقل أهمية فهو تجذرها في الوعي الشعبي العربي والإسلامي كما لم يحدث مع أي حركة إسلامية أخرى في التاريخ المعاصر، لاسيما بعد أن ارتبطت بها ثقافة الاستشهاد التي تقض مضاجع الولايات المتحدة والدولة العبرية وكل من يفكر في استهداف الأمة العربية والإسلامية.

يقول عامي أيالون الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي "شين بيت" إن إسرائيل لا يمكنها الانتصار في الحرب على حماس بأساليب عسكرية، والسبب برأيه أن حماس ليست تنظيما في الأصل، ولكنها حركة أيديولوجية تجسد آمال فلسطينيين كثيرين فقدوا الأمل في عملية التفاوض، وتسعى لإزالة الاحتلال والعيش ضمن حياة كريمة".

موقف السلطة كنقطة حسم
من الضروري الإشارة هنا مرة أخرى إلى موقف السلطة الفلسطينية كنقطة حسم في الصراع الدائر بين حماس وقوى المقاومة مع الاحتلال، فخلال الشهور الماضية دفعت قوى المقاومة عمليا ثمن تردد السلطة واتجاهها نحو خيار التفاوض الرافض للمقاومة.

وإذا ما حسم هذا التوجه، أكان من خلال الحكومة الجديدة أم من خلال إعادة الاعتبار لياسر عرفات كملاذ وحيد لوقف المقاومة، فإن موقف حماس والجهاد سيغدو صعبا إلى حد كبير، وقد تتكرر مرحلة 1996/2000 على نحو ما، لاسيما والوضع العربي يعيش أوضاعا سيئة من حيث استجابته للضغوط الأميركية.

وبذلك يكون الوضع القادم مرتبطا إلى حد كبير بالرئيس الفلسطيني والموقف الإسرائيلي الأميركي منه، ثم وهو الأهم بتطورات الوضع العراقي، غير أن ذلك كله لا يغير من حقيقة أن كسر إرادة قوى المقاومة لن يكون واردا بقوة الاحتلال، لأنه عنوان لكسر إرادة شعب عظيم أثبت قدرته على الصمود والمواجهة على نحو هو الأقوى بين شعوب الأرض.
ــــــــــــــــــ
* كاتب فلسطيني
  الرد مع إقتباس