عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-10-2010, 07:20 PM   #5
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

وَإذا بالشوقِ يَسري ..

في عروقي ..

لفؤاد ..

بهدير الصُبح مَنظرْ .
جميل ها هنا هذا التصوير للشوق والذي يتخذ شكل دم (نوراني) وكانت الكلمات الداخلة في تكوين هذه القطعة منسابة ومشعرة بهذه اللغة الوجدانية المنسابة بينهما دون أن ينشغل الشاعر بسرد أشياء أخرى تشوش على هذه الصورة.وكعادة الرومانسيين في عدم الاستخدام المباشر للفظة كان تعبير بهدير الصبح منظر إلماحًا بأنه (أي الفؤاد) كالنهر في عذويته .
والصدى رَدد هَمساً ..
يتهادى ... بدلال ..
جميل أن يلاحظ الشاعر هذا الهمس بل ويشرح تهاديه ودلاله ، لكنه كان بحاجةإلى تعميق أكثر كما حدث في الشطرات السابقات في مراقبة حركة الشوق التي تسري إلى العروق نحو الفؤاد
أصباح الحلو سكر ؟!

اي سكر ..

اي شهد ..

اي بلوى ..

اي طفل ...
نجد ها هنا الشاعر يصل إلى حالة الذروة في نشوته ليتساءل تساؤل الحيران الجذلان ويتمثل حال الذي يخطئ من شدة فرحته فيقول أي بلوى ، إنها ليست بلوى بالمعنى الحقيقي ،ولكنها كقول البعض منبهرًا بالآخر :"قاتله الله ما أشجعه ! قاتله الله ما أروعه! قاتله الله ما أكرمه!"
فهو لا يدعو عليه ولكنه من شدة إعجابه كمن يقول للآخر :"أنت مصيبة !" وهذا التعبير يفهمه المصريون جيدًا لأنه جزء من تراثهم اللغوي ، وهنا للمرة الثالثة تنزاح دلالة الكلمات إلى عكس معناها داخلة في نطاق الإعجاب والتشجيع.
كحرير مرهف ..
حلماً تسامى ...

في الجفون الناعسات ..
نشوة .. والعمر اخضرْ .
يعاود بعدُ شاعرنا هذه النغمة التي بدأها بمراقبة حركة الشوق لينتقل بنا إلى مراقبة حركة الحلم وكل ذلك ناتج عن إطلالة المحبوبة ، وهذ االتوازي في الحالة بين الحرير وأثر رؤيته وملمسه في النفس وبين الحلم المتسامي في صورة فانتازية رائعة يشعِر القارئ بمتعة التحليق في الخيال وحركة الألوان بين السماوي (الأزرق الفاتح قريب من اللون الفيروزي) وبين الأخضر والأبيض والمرمر ، كل هذه المدخلات تجتمع لتصنع عالمًا من الروعة والمتعة وتحقق معنى الشعر ما أشعرك ، وهو أننا مع قلة المجازات والصور إلا أننا نُبهر بما كتبه الشاعر العزيز من خلال إدخاله هذه الصور غالبًا بشكل منظم ونقلات هادئة منسابة من حالة إلى أخرى . إنه حلم تسامى في الجفون الناعسات وليست النائمات لتظل المراوحةبين الحلم والحقيقة متحققة وتظل صورة الدلال الأنثوي حاضرة من خلال النعاس ، والعمر أخضر ما أروعها من عبارة رغم تكرارها إلا أنها أتت في سياق يزيد من قوتها الدلالية
ويك قلبي يا فراشه ..

لا تنوشيه ..

فيغفو ..
ويستمر هذا المسلسل الجميل ليعود الشاعر إلى قلبه ويظل منتقلاً في ضمائر الخطاب بينه وبين الآخر والذي تلاحظه أن خطابه للآخر أكثر حضورًا مما يعطي دلالة بنسيان الشاعر نفسه في مثل هذا الجو الرومانسي البديع ، وياء المخاطِب أو المتحدِث أتت للمرة الثانية على مسافة متساوية تقريبًا من مجيئها في المرة الأولى (عروقي) ليؤكد حالة السّكْر (بسكون الكاف) في عشق المحبوبة ولذا يصرح الشاعر لأول مرة بأنه بكأس الصبح (يسكر) ، إذ يكون الصبح هو هذا المسكِر الجميل الذي يتهادى فيه المحبون .
وهنا يكون جميلاً أن يكون الصبح -على عكس مواعيد العشاق- هو ملاذ الحب لاسيما وأن ضياء الشمس وصفاء السماء يساعدان على الشعور بهذه المتعة الرومانسية(لكن في غير الصيف !!!)
وبكأس الصبح يسكرْ ..


أصباح الحلو سُكرْ ؟

اي سكر ...

عسل ..

ثم غزال تهادى

بنقاء ..
بدلال ..

صوت فيروز تلوى ..
ناعساً ...

طرف تفجرْ .
هذا الجزء مكرر ودل عليه ما هو قبله ، بل وتكررت كلمة دلال للمرة الثانية بغيرما داعٍ حقيقي اللهم إلا التداعي والجري وراء سحر الصورة .

ضَحكَ ... العصفور ..
تاه شَعر ... الشمس

أشقرْ .
جميل في هذا البيت تعبير تاه شعر ...الشمس أشقر. إن المحب لما يعجب بشيء فإنه يراه في كل شيء ويرى كل شيء هو هذا المحبوب وهذا هو سحر الشمس يقرنه الشاعر بالشَعر وكان وجود العصفور من قِبَل التجانس في الصورة وإن كان بعيد ًا بشكل كبير عن المضمون الشاعري ؛لأن أول تعبير يناسب الحقل الدلالي للشمس كالغصن والعش بعيد عن تعبير العصفور ، لهذا يمكن القول أن تعبير العصفور أتى متأخرًا أو غير متجانس مع الحالة الشعورية بشكل كبير وإن كان أتى متماشيًا مع المشهد الإجمالي ولكن بغير إضافة حقيقية .
واحتوى الارض ..

عبير...

وإذا الحلم الصغير
الحلو بيدرْ .

جميل تعبير احتوى الأرض عبير وإن كنت أتوقع أن يكون هذا الشعر الأشقر هو الذي احتوى الأرض ، وهذا التراوح بين الحلم والحقيقة كان في صالح النص محدثًا حالة من المتعة والتحليق في آفاق رحبة تخرج بنا قليلاً عن ضائقة هذه الحياة وما فيها من أسى وكمد . وجميل أن يكون الحلم قد أنسنه الشاعر وغازله بالصغير الحلو يكون في النهاية بيدر وهو حقل القمح تقريبًا ليظل اللون الأصفر في المشهد الختامي بريق الشمس مع لون الحقل الذي هو لون سنابل الأحلام مع شعر المحبوبة حاضرًا ، ويظل الصبح مكتسبًا (سكريته) من هذا المشهد الرائع الذي هو من تجليات المحبوبة على مُحبها .
قصيدة جميلة رائعة أحييك عليها ، ودمت مبدعًا وفقك الله ، وإلى الأمام
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس