الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-10-2007, 11:22 AM   #48
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو طايل عامل التنظيف :

حاول أن يتنبأ بالظروف التي دفعت (أبا طايل) للالتحاق بعمال النظافة لدى البلدية، كان وهو يراقبه من على شرفة غرفته المطلة على الشارع من وضع سيناريوهات دفعت أبا طايل للالتحاق بهذا العمل .. ما الذي جعله يختار هذا العمل منذ أكثر من عشرين عاما؟

إن علامات التراتب الاجتماعي، تظهر في المسكن والملبس والمأكل والعمل وما يقتني من سيارة وما يملك من عقارات وحجم علاقاته مع وجهاء ومسئولي الدوائر الحكومية وما يقال عنه في المحيط الذي يعيش فيه، ومكان جلوسه في مجالس الرجال وكم من الوقت يمكن أن يستمع إليه الآخرون دون مقاطعة أو تشويش بابتسامة أو ضحكة أو سؤال خبيث .. هذه مسطرة علامات التراتب الاجتماعي في بلادنا، وأكبر الظن أن علية القوم وأقلهم شأنا يتفقون على معظم نقاطها .. وتلك النقاط ستسهل معاملاته أو تعقدها في حياته، فإن تعرض لمشكلة وهو في أدنى سلم التراتب الاجتماعي سيكون أثر تلك المشكلة عليه أكبر منها لدى من يتقدم عليه في سلم التراتب.

أن يقوم رجل بتنظيف الشوارع وحمل أكياس القمامة، ومرافقة سيارات رفع القمامة حتى تصل الى مكان تجميعها، فهي مهمة وإن بدت حقيرة، فهي خطيرة بكل تأكيد، وخطورتها تعود على من يمتهنها، فهو سيعلن للآخرين بكل وضوح أنه اختار موقعا في أسفل درجات السلَم ..فلن يطمح أن يزوج ابنته لأحد أفراد المجتمع المهم، أو يزوج ابنه من إحدى فتيات من يتفوق عليه في سُلَم التراتب الاجتماعي، ولن يشترك في أحاديث التباهي بالطعام والملابس والمساكن، ولن يشترك بأحاديث الانتخابات أو يفكر أن يرشح نفسه أو أحد أبناءه ..وفوق ذلك لن يتنفس هواء نقيا، هذا إذا لم يتسلل له أحد الميكروبات اللعينة من فوطة مشبعة بدماء وصديد نزيف، أو ضمادة خراج مصاب بمرض خبيث!

لتجاوز كل ذلك والهزيمة من ملاحقة أجواء نظرات المجتمع، يفر من تضيق عليهم الحياة الى بلاد بعيدة، حيث يتحولون هناك الى أرقام أو (صفات) دون اسم أو دون معرفة إحداثيات مواقعهم الاجتماعية، فلن يعرف ابن الدنمرك من هو أبوه أو خاله أو عمه، وقد يبعث ببعض النقود فيتزوج ابنه من ابنة رجل يفوق وضعه الاجتماعي وضع أبيه قبل أن يهاجر ليمارس عمله بعيدا عن عيون المجتمع المحلي .. وقد يُنظر لبناته نظرة حسد وتوق كبير للزواج بهن.. وقد يعود وتقام له ولائم احتفاء بعودته ..

لكن ما الذي جعل (أبا طايل) يختار هذا العمل في بلدته، والعمال الوافدين كثيرون، ورواتب تلك الأعمال لا تفوق غيرها من رواتب العمال؟

من يعرف؟ فلعل أبا طايل لديه فلسفة خاصة، فقد يرى نفسه أكثر أهمية من طبيب مختص في (الأجهزة الليمفاوية) أو الأمراض التنفسية، فلولا خدمة أبي طايل لاحتاجت البلاد أربعة أضعاف ما هو موجود من أطباء الاختصاص، فهو بالنتيجة يساوي أهمية ثلاثة أطباء مختصين!

سأل نفسه : لماذا أشغل نفسي في مراقبة الناس، فترتيبهم وتسخيرهم لأعمال يختارونها تعود لله وليس لي ولهم . فلو تساوى الناس في تفكيرهم ورغباتهم وأعمالهم لخربت الدنيا .. لكن في أسواق الأبقار تجد هناك من يرغب في التخلص من بقرة وآخر يرغب بقوة في شراءها .. وفي المحاكم الشرعية تجد هناك من يريد التخلص من زوجته بطلاقها، وآخر ينتظر انتهاء فترة (العدة) للزواج بها.. ولو تساوت عقول الناس وسلوكهم لكان جميع من في الأرض يتسابقون لجمع أوراق (التين) لتغطية عوراتهم.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس