عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 28-05-2008, 04:34 PM   #2
نظام الدين
عضو جديد
 
الصورة الرمزية لـ نظام الدين
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
الإقامة: تركيا
المشاركات: 3
إرسال رسالة عبر MSN إلى نظام الدين
إفتراضي مفهوم الإبتلاء والجزاء في الإسلام

الجزء الثاني

مفهوم الإبتلاء والجزاء في الإسلام
نظام الدين إبراهيم أوغلو

الإبتلاء أو الجزاء على شكلين

1ـ إمّا أن تكون عن طريق الإنسان لبني الإنسان مباشرةً:

قد يكون ظلم أشخاص فاسقين أوظالمين أو حُكّام طاغين وظالمين لبني إنسان سواء كان مظلوماً أو مذنباً، أوقد يكون عن جزاء الإنسان أو الأقوام بالظّلم على أنفسهم إمّا بإرتكاب المعاصي أو الشّرك بالله أو عن الجهل بسبب عدم أخذ الأفراد التّدابير اللاّزمة لحفظهم من الأفات والأمراض ونحو ذلك. وأمثلة على ذلك كثيرة ففي كتب التاريخ نرى ظلم كفّار القريش واليهود للرسول (ص) وأصحابه، وظلم المنافقين من المسلمين للرسول (ص) وفي إستشهادهم الخلفاء والصّحابة منهم عمر وعُثمان وعلي (رض)، والفتن التي وقعت في واقعتي الجمل والصفّين، ثمّ ظلم بعض حُكّام الأمويين والعباسيّين لأفراد شعبه، وظلم المنافقين عند إستشهادهم الإمام الحُسين حفيد (ص) في الكوفة وبأمرٍ من الخليفة الفاسقة يزيد بن معاوية، وظلمهم أيضاً لزيد بن علي بن الحُسين وغيرهم من أحفاد علي والحُسين وظلم الخليفة أبو عبّاس السّفاح والحجّاج بن يوسف الثّقفي لأفراد الأمّة الإسلامية، وظلم عساكر هولاكو وتيمور لنك للشعوب المسلمة، وكذلك نرى ظلم أفراد بعض الأحزاب الفاشية من المسلمين لشعبهم البائس ونحو ذلك. وقد يدوم ظلمهم بضع سنين لأنّنا نعلم أنّ الظّلم لا يدوم، وتكون نهاية هؤلاء الظّالمين كما نقرأ في كتب التّاريخ تنتهي بالخُسران والذّل والخلد في نار جهنم. ومن الإبتلاءات الجماعية فمثلاً سلّط الله على الأمويون العباسيين، وللعباسيين سلّط الله عليهم هولاكو، ولهولاكو سلّط الله عليهم العُثمانيين، ولروسيا سلّط الله عليهم أفغانيين، وننتظر الأن تسلّط الله أقوام مؤمنين من أيّ بلد مسلم كان على الأوروبيين والأمريكيين والإسرائيليين بأقرب وقت إن شاء الله كل ذلك إبتلاءات (ظلم مسلم على مسلم وحتى ظلم زوج على زوجة وظلم الأباء على الأولاد أو عكس ذلك، ومسلم على كافر، وكافر على مسلم). وهكذا إلى يوم القيامة الإبتلاءات مستمرة، المهم أن نعرف كيف يمكن التّخلص من الجزاء وتحويل أعمالنا إلى الحسنات، ويكون كما ذكرنا بعدم إنخداعنا وأن لا نختار حُكّاماً ظالمين دون رضا كافة الشّعب، والبحث عن حقوقنا المشروعة بأيّ وسيلة كانْ، وأن نضع لأنفسنا دستوراً خاصاً بنا أو برنامجاً إقتصاديّاً أو سياسيّاً أو إجتماعيّاً ونحو ذلك حتى لا يمتحننا الله بتسليط حاكم ظالم أو كافر علينا.
وأن نعرف مسؤولياتنا تجاه الله والشّعب كقوله تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وقول الرّسول (ص) (كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيتهِ) متفق عليه و(الظّالم عدل الله في الأرض ينتقم به ثمّ ينتقم منه) رواه الطبراني والدّيلمي. و(من أعان ظالماً سلّطه الله عليه) رواه أبن عساكر و( السّاكت عن الحق شيطان أخرس). وهناك آيات وأحايث كثيرة أيضاً على مسؤولية العُلماء والحُكماء تجاه ربّهم وشعبهم وحتى ظُلمهم لهم فقال (ص) (إثنان إذا صلحا صلح النّاس وإذا فسدا فسد النّاس العُلماء والأمراء) صدق رسول الله (ص)، وهكذا الإبتلاء مستمرة مادامت الأخطاء موجودة عند الأفراد والأمم.

2ـ أو عن طريق الكوارث الطّبيعية والحوادث الكبيرة لبني إنسان:

كالفيضانات والزّلازل والحريق والطّوفان والحروب والأمراض والقحط ونحو ذلك، كلّ ذلك يتم بإرادة الله تعالى بلا شك، فالبلد الطّيب والشّعب الطّيب محفوظٌ من غضب الله تعالى كما أخبرنا الله تعالى في آيات كثيرة. وقد يكون الجزاء عن طريق الكوارث فردية أو جماعية ومن قبل الله تعالى مباشرةً منها: كما نرى ونسمع من غرقٍ وحرقٍ للأشخاص وموتٍ بالأمراض الخبيثة أو الإنتحار وغير ذلك، ومن الجزاء للشعب أو الأمة كحوادث (كوارث) الزّلازل، وكوارث الفيضانات والحريق والمجاعات والأمراض وكثرة الحروب كما نرى في قوم لوط عاد وثمود وفرعون وحكم الأمبراطورية السّاسانية والبابلية ونحو ذلك

كيف يتم الحصول على المكافئات من الإبتلاءات والخلاص من العقوبات؟

يكون بالإيمان بالله وبالعمل الصّالح وبالنيّة الصّادقة وبالإستغفار والتّوبة والدّعاء والسّعي من أجل إزالة أسباب البلاء والصّبر عليه شراً كان أو خيراً لأننّنا لا نعرف أيهما أخير لنا، وكذلك يكون بالرّجوع إلى الله تعالى والتّوكل عليه في كلّ أمورنا وبالحب والبغض لله تعالى ثمّ بالوحدة وبالحبّ وبالتّعاون مع المؤمنين بشرط عدم التّعصب والتّفرقة والظّلم، وعند الإختلاف يجب الرّجوع إلى القرآن والسّنة بعد الإيمان بهما، ثم أن لا ندخل أهوائنا ومصالحنا الشّخصيّة أوالجماعيّة والطّائفيّة في سبب حدوث الإبتلاءات دون مراعاة مصلحة وحقوق الأخرين، والنّجاح فيها يحتاج إلى إرادة قوية خالصة لله تعالى، فالرّسول والصّحابة نجحوا في إمتحاناتهم وأصبحوا من العشرة المبشرة للجنة وبعدهم الأولياء والعلماء الصّالحون فالويل لأكثرنا في هذا العصر لأنّنا لن نفهم مغزى هذه الإبتلاءات ولن نأخذ الدروس لا من التاريخ ولا من القرآن الكريم. ولقد واجه أسلافنا الفتن بتحقق الأخوة الإسلامية كما في قول (إنّما المؤمنون إخوة) (ولا فرق بين أعجمي على عربي إلاّ بالتّقوى) (لايؤمن أحدكم حتّى يُحبّ لأخيهِ ما يُحبّ لنفسهِ) ثم نشروا الحُب والوحدة والتّعاون من أجل إحياء الدّين الإسلامي، وعلينا أن نتعلّم كلّ شيء وأن نعمل عملاً صالحاً كما أمرنا الله به في القرآن بالتّطبيق العملي لا بالقول أو التّكاسل وعدم المبالاة، وعلينا أن نحفظ أٌمّتنا الإسلاميّة من الأعداء وكذلك أوطاننا من الإستيلاء كما نحفظ إيمننا مهما أُتينا من الإبتلاءات لانّه بدونهما لا يُمكن إقامة الخلافة في الأرض، فقال تعالى (ياأيّها الّذين آمنوا مَن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يُحبّهم ويُحبّونه، أذلّةٌ على المؤمنين أعزّةٌ على الكافرين، يُجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائمٍ ذلك فضلُ الله يؤتيه مًن يشاء والله واسٍعٌ عليم ) . (ومن يتولّ الله ورسوله والّذين آمنوا فإنّ حزبّ الله هم الغالبون) . ولأجل الحصول على المكافئات من الإبتلاءات كذلك يجب علينا أن نكون أغنياء وذو إقتصاد كبير ونكون على قلبٍ طيّبٍ وأن نكون يقظين وأن لا ننخدع لمكر الأعداء، وأن نطالب حقوقنا، ونردّ الظّالم على ظُلمه، وأن ننتخب الحاكم العادل. بالإضافة إلى ذلك أن لا نكون متوكّلين أو قنوعين على أقدارنا وعلينا وأن نكون متطلعين لكافة ما يجري حولنا، وبعد التّمسك بأسباب النّجاح علينا بالتّوكل على الله والدّعاء له من أجل رفع البلاء علينا. وإذا عملنا ما أمرنا الله سوف نرى بعدها الرّاحة والسّعادة والحل الأمثل لمشاكلنا، ونكون في طمأنينة وأمان بلا شك. فهل يقبل العقل السّليم بأنْ يعمل ويسعى العدو ليلاً ونهاراً من أجل الوصول إلى هدفهِ، فيحضّر العُدّة والعدد والمال والمأوى ثمّ لا ينتصر! وحتى الرّسول (ص) نراه لم يستطع من حماية أصحابه في معركتي أحد وحُنين بسبب الخطأ الحاصل من الصحابة في عدم إلتزامهم أوامر القائد وغرورهم على كثرة عددهم، حدث ذلك مع وجود الرّسول (ص) فكيف نحن إذا أخطاءنا ولم نأخذ بالأسباب؟ فمثلاً في السّياسة إذا سعينا في إنتخاب حزب من الأحزاب أو وكيل من وكلاء النّواب (أعضاء مجلس الشّعب) الطّيبين الآهلين لإدارة الحكم فنكون قد أبعدنا البلاء وتوجهنا باب السّلام والرّحمة والنّجاح.

هل يُمكن أن يضمن الفرد حياة سعيدة لنفسه دون أن يذوق طعم البلاء؟

لايمكن لأي فرد عاقلٍ أن يقول أنا أستطيع أن أضمن حياتي بنفسي في كافة متطلّبات الحياة، لأنّني أستعينُ بعقلي ومالي وقوّتي وقدرتي وأولادي وأعواني وجنودي ونحو ذلك، والّذي يدّعي بهذا فهو إنسانٌ مريضٌ عقلاً وروحاً . لأن القرآن والسّنة يحذرنا من ذلك . ويقول الله تعالى في ذلك (ولنَبلُوَنَّكمْ بِشَيء منَ الخَوْف وَالجُوعِ ونَقصٍ من الأَموال وَالأَنفُس والثَّمرَات وبَشِّر الصَّابرينَ) . (وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حتَّى نَعلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُمْ والصَّابرينَ ونَبلُوَ أَخْبَارَكُمْ) ويقول أيضاً (ولا تقولنّ لشيء إنّي فاعل ذلك غداً إلاّ أن يشاء الله) . ويتبين من هذين الأيتين الإبتلاء من سنن الكون لابد أن يذوقه كل إنسان في الأرض ولا يمكن أن يتخلص من البلاء والجزاء أيّ إنسان في الأرض لآنهم لا يملكون شئياً أمام إرادة وقوة الله تعالى حيث يقول (قُل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً إلاّ ماشاء الله) ، لأنّه بالإرادة الجُزئية لا يُمكن أن يعمل الفرد شيئاً كثيراً و(فاقد الشيء لا يعطيه)، لأنّ قدرته لا يُساعده على ذلك، فبإرادة الله تعالى وبعد الدّعاء والأخذ بالأسباب يستطيع من وقاية نفسه من الأمراض أو تعجيل شفائه أوتأجيل موته وموت أحبّائه، وأن يوقف الفيضان أوالزّلازل وأن يمنع من هدر ماله ووقاية نفسه من جزاء الله ونحوه. فقال تعالى (قُل اللَّهم مالك المُلك تؤتِي المُلك من تشَاء وتَنْزع المُلك ممَّن تشَاء وَتعِزّ مَنْ تَشاءُ وتُذلُّ مَن تَشاء بِيدِك الخَير إِنّك على كُلِّ شيءٍ قَدِير) . فالإنسان يجب أنْ يذوق مرارة الحياة وحلاوته، ومن شقاء الحياة وسعادته، وكلّ هذا يتم بفضل الله تعالى لا بفضل الأشخاص وقدراتهم.

والله وليّ التّوفيق.
26.07.2005
نظام الدين غير متصل   الرد مع إقتباس