الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-08-2003, 09:37 PM   #24
أطياف الأمل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,258
إفتراضي

ورحل الغالي!


لم نستغرق وقتا كثيرا فالبيت لا يبعد الكثير ..وصلنا إلى بيت أبي .. دخلت وبسرعة ركضت إلى غرفته ولحقني أخويّ.. فتحت الباب فوجدته في سريرة .. أمي بقربة تذرف العبرات ونورة ويوسف وأحمد وفيصل أيضا كانوا حولة .. ملتفين حوله.. دنوت منه بسرعة .. أمسكت يده .. سبقتني عبراتي الحديث ولكني قاطعتها قليلا فقلت سائلة أبي:أبي .. مابك يا حبيبي؟؟ هل أنت بخير ؟
نظر إلي بحنان وقال: أصبحت الآن أفضل برؤيتك يابنتي .. أنا الآن أفضل حالا .. لا تخافي علي .. فأنا بخير .. أجل أنا بخير يا صغيرتي ..
قربت يده إلى وجهي حتى بللتها بدموعي .. جال أبي ببصره حولنا ثم قال : الآن أنا مرتاح .. أبنائي جميعهم حولي .. جميع أحبتي حولي .. الآن أستطيع أن اموت وأنا مرتاح ..
صرخت به أمي: لا تقل هذا يا حسن .. أنت بخير !! فلم تذكر الموت ؟؟ لا تذكره مرة أخرى .. أرجوك لا أتحمل ذلك ..
- ولكن الإنسان لا يضمن عمره يا حبيبتي .. لذلك دعيني أتكلم ..دعيني أسعد بقربكم جميعا .. ولو لآخر مرة في حياتي ..
أوشكت أمي على الرد إلا أن سيل دموعها منعها من الحديث .. تدخل سعود بالحديث لأنه كان المتجلد الوحيد بيننا .. وقال: عمي .. استعذ بالله من الشيطان .. أنت بخير يا عمي .. ولا داعي لمثل هذا القول . .إنه مجرد تعب بسيط .. وستقوم بخير إن شاء الله .. خالتي .. هل استدعيت الطبيب ؟؟
أشارت أمي برأسها بالنفي فأردف سعود قائلا:حسنا سأذهب لأستدعيه الان..
واستدار كي يخرج من الغرفة إلا أن عمي استوقفه فقال: سعود .. توقف .. لا أريد طبيبا ولا غيره .. أريدكم أنتم يا أحبتي .. هيا تعال وأجلس بقربي .. وأنت يا فهد لم تقف بعيدا ؟؟ اقترب !!
اقتربا أخويّ من أبي وأنا لازلت ممسكة بيده أضمها إلي وأبكي بحسرة ومرارة..
تكلم أبي كثيرا .. أوصاني بعدة أشياء .. وآخر ما قال: هدى .. آه يا زوجتي الحبيبه .. كم أحبك .. أعذريني .. إن تركتك فهذا أمر الله وقدره .. فلا تحزني .. وادعي لي بالجنة .. علنا نلتقي بالدار الآخرة ..
ألقت أمي رأسها على صدر أبي وقالت باكية: حسن أرجوك لا أقوى على سماع هذا الكلام .. أرجوك! أنت بخير يا حبيبي.. فلا تقل هذا الكلام..
- أجل انا بخير .. أجل ..
التفت إلي وقال: روز .. ابنتي الحبيبه .. أعلم أنك لست ابنتي .. وانك ابنة أخي.. لكني والله لم أشعر يوما أنك لست ابنتي .. أنت عندي كما نورة .. ابنتي الحبيبة المميزة .. لذلك يا روز .. لا تتركينا .. ابقي معنا .. ولا تنسنا .. لا تتركي أمك هدى لوحدها .. ابقي دوما معها .. وأيضا لا تتركي اخوتك سعود وفهد لوحدهما .. حاولي أن تعدلي بين الاثنين يابنتي .. وأنت يا فيصل .. أمنتك والدتك .. انتبه عليها .. وكذلك الحال عندك يا يوسف !! انتبها على والدتكما واختيكما وأحمد ..
وأنتما يا فهد وسعود .. لاتحسباكما أقل من أبنائي!! بل أنتم أعز .. أنتم أبناء أخي رحمه الله .. اعتنوا بالجميع .. بخالتكم .. بروز ونورة .. بأحمد .. تعانوا ولا تتركوا بعضكم أرجوكم يا أبنائي .. وأجعلوا المحبة دوما هي نبراسكم ومرشدكم في حياتكم ..
كانت الدموع تجري في عيون الجميع .. وتنساب على وجوههم وتبللها .. وفجأت سكت أبي .. أختلجت شفتاة بعنف .. وطفق يرنو ببصره البعيد .. نطق لسانه بكلمات كانت كطعنات في قلوبنا .. نطق لسانه الشهاده.. وارتفعت سبابته تستشهد .. ثم .. توقف أبي عن الكلام .. وليس الكلام فقط . .بل عن الحياة أيضا .. لم يعد أبي يتنفس !! فلقد سكن صدره .. لم يعد يعلو ويهبط .. بل أن حتى قلبه لم يعد يدق!! أيعني هذا ؟؟ لا .. لا مستحيل !!
وبدأ الجميع بالنداء العقيم .. همست أمي وهي تتحسس وجه أبي الساكن:حسن .. حبيبي .. أجبني أرجوك .. أجبني أيها الغالي .. لم أنت صامت ؟؟ أغفوت يا حبيبي ؟؟ أتود أن تنام قليلا ؟؟ حسن لم لا تجبني ؟؟ أجبني يا أبا فيصل !! هيا أخبرني ..
وعندما لم تتلقى أمي أي أجابة .. أخذت تهز جسد أبي بعنف .. وتصرخ:حسن!! ويحك يا حسن .. مابك ؟؟ لم لا تجيبني ؟؟ هل أنت غاضب مني ؟؟آه ياحسن.. أجبني أرجوك .. قل لي أي شي.. ولكن لا تصمت .. لاأتحمل صمتك ..فهو يدمرني .. يعذبني ويقتلني .. آه يا حبيبي .. لا تمت أرجوك .. لا تتركني وحدي في هذه الحياة المخيفة .. كيف سأربي الأولاد دونك ؟؟ كيف سأتحمل كل شيء وحدي ؟؟ كنت تحمل المسؤولية كاملة ..والآن تركتها لي وحدي ؟؟
سكتت قليلا تمسح دموعها ثم أردفت : إذا لم تكن تود أن تفيق لأجلي.. فأفق لأجل أبنائك .. فيصل ويوسف وأحمد ونورة وروز وسعود وفهد!! أليس لهم معزة تسمح لك بأن تعود ؟؟ حسنا وماذا عن الصغير ؟؟ ابن فيصل ؟؟ أليس له معزة عندك هو الاخر ؟؟
وأيضا لم يجب أبي .. ولن يجب .. فلقد رحل أبي .. رحل الغالي .. ولن يعد ..
انتحبت أمي وصرخت وهي تلطم نفسها وتبكي: آه يا زوجي.. لقد قتلتني يا زوجي .. لقد قتلتني ..
ضممتها لي بقوة ونورة أيضا .. امتزجت دموعنا وعبراتنا فعبقت المكان برائحتها ..قلت لأمي مهدئة: أبي رحل يا أمي ولا يسمعك .. توقفي عن الدمع يا أماه .. فلقد رحل الغالي ..
كان رحيل أبي فاجعة لم تتحملها نفس أي منا .. عاصفة حطمتنا .. وخلفتنا بعدها بقايا مخلوقات .. حطام بل أجساد خاوية ..
كان وقعها علينا كبير .. كبير جدا..فلم يصدق أي منا ما حدث .. أبي رحل ؟ رحل بعيدا جدا.. ولكأنه تعلق بأسراب الطيور المهاجرة وهاجر معها .. ولكن الفرق .. أنها قد تعود .. أما هو فلن يعود ..
وبدأ العزاء..فجاء أناس كثر معزون .. من كل أرجاء المملكه .. أناس ميزت بعضهم ولم أميز الكثير منهم .. كنت جالسة بجوار نورة .. سألتها: نورة ..أين زوجة فيصل؟؟
نظرت إلي وقالت: في الأعلى فهي تعبة بعض الشيء..
- لم؟؟ مابها ؟؟
- ألا تعلمين أنها حامل في شهرها الثالث ؟؟
صعقتني كلمتها وعذبتني .. حامل ؟؟ وفي شهرها الثالث ؟؟
بدت علامات الذهول والدهشه على وجههي .. ربتت نورة على يدي ونهضت .. اتجهت إلى أمي وجلست بجوارها .. لا أدري لم آلمني الموضوع.. لم يكن فيصل يهمني .. لذا لا أدري لم أكترث لو كانت زوجته حاملا أم لا .. ويحي .. ألا أريد أن أتخطى عذابي ؟؟
ذهبت إلى أمي .. جلست أمامها .. مسحت دمعها وقدمت لها كأس من الماء وقلت: أماه .. أريحي نفسك قليلا .. ستقتلين نفسك ألما .. أنت تعذبين أبي بهذه الدموع ياغاليه .. اتريدين تعذيبه؟؟
هزت أمي رأسها بالنفي فأردفت قائلة: إذا امسحي دموعك وتجلدي من أجل أبي .. وادعي له بالرحمه بدل البكاء..
كنت أنا أبكي بصمت بداخلي .. ولكني حاولت التجلد .. لأجل أمي ..
جاء الليل .. ونشر غطاءه الأسود على الدنيا .. فاكتست لونه .. وتحلت بحلته ..
ذهبت الناس جميعهن .. فلم يبقى في البيت سوانا .. أنا واخوتي .. دخل سعود ومعه فهد ويوسف وفيصل .. اقتربوا من أمي .. قبلوا رأسها وقدموا لها العزاء ..وقدموه لي أنا ونورة أيضا.. خرجنا من الغرفة التي بها أمي وبقيت نورة معها..وما أنا ابتعدنا كفاية عن حجرة أمي..حتى ضممت أخوتي وبكيت .. بكيت كثيرا فلقد حبست دموعي طيلة اليوم ولم أطيق الصبر أكثر .. ضمني فهد إليه وقال بعد أن مسح دمعه: هوني عليك يا أختي .. إنه لشيء صعب علينا أن نفقد عمي حسن .. ولكن ادعي الله له بالجنة بدل بكائك ..
قال فيصل: أجل يا روز .. امسحي دموعك وتجلدي .. إن لم يكن لأجلك .. فلأجل أمي المسكينه ..
مسحت دموعي وهززت رأسي موافقة على كلامهم .. قال لي سعود: روز .. لقد تأخر الوقت الآن يا صغيرتي .. وسأدعك تنامين هذه الأيام هنا .. فخالتي ونورة بحاجة إليك .. ابقي بجانبهم يا صغيرتي ..
- حسنا يا أخي .. انتبهوا على أنفسكم ..
ذهب فهد وسعود .. ودخل يوسف غرفته .. وبقيت انا وفيصل وحدنا بالممر .. كان مطرقا رأسه وكذلك الحال عندي .. وبعدما أن طال الصمت بيننا قطعته وقلت بلهجة حادة: مبروك .. سمعت أن زوجتك حامل ؟؟
رفع رأسه ونظر إلي .. ثم أشاح وجهة بسرعة وقال: أجل ..
سألته ساخرة : وماذا تريد أنت ؟؟ فتاة أم صبي ؟؟
أجابني: فتاة ..
- حقا ؟؟
قال وقد بدت في عينيه نظرة غريبة لم أعرف ما قصد بها وقال: أريد أن يكون الجنين فتاة .. وسأسميها روز !!
تجاهلت كلمته وتجاهلت الطريقة التي كان ينظر بها إلي ..فقلت بغير اكتراث: رزقك الله بالذرية الصالحة .. عن اذنك .. سأذهب لأرتاح ..
صعدت غرفتي .. أغلقت الباب على نفسي وجلست في ظلمة الليل على الكرسي .. لا ضوء لدي سوى ضوء القمر المخترق نافذته حجرتي ..
أخذت افكر .. ترى ماذا قصد فيصل ؟؟

يتبع ..
__________________


أحـــــــ هو حيــــــــــاتــــــي ــــمـــــــــــــد


أطياف الأمل غير متصل   الرد مع إقتباس