الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-12-2007, 05:51 PM   #50
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو مروان السايس

زالت ملامح الدهشة من نفسه بعد أن أكمل العمال تحميل عشرين بقرة تم تنزيلها من طائرة شحن تابعة لخطوط (لوفتاهنزا الألمانية)، تلك الدهشة التي كانت مخلوطة بالإعجاب من الكيفية التي أعد بها سبعون رأس من الأبقار من نوع (فريزيان) من مطار (أمستردام) حيث وضع كل خمس أبقار في صندوق مستطيل بشكل مخالف حيث تكون رؤوس الأبقار باتجاه متعاكس رأس يتجه الى طرف الصندوق المستطيل والرأس المحاذي له في الاتجاه المعاكس .. كان أحد الواقفين من أصحاب الأبقار الخمسين الأخرى والذين سبق لهم أن استوردوا أبقارا قبل تلك المرة، يتحدث عن الكيفية التي يتم بها تجويع تلك الأبقار قبل شحنها من أجل تخفيف وزنها من ناحية، ومن أجل تقليل ما تطرحه من فضلات في طائرة الشحن من ناحية أخرى ..

ابتدأ بالتفكير بالكيفية التي سيعامل بها تلك الأبقار، فقد تأخر أبو مروان السايس عن الالتحاق بعمله، والوقت كان منتصف الليل، وليس له دراية سابقة بالتعامل مع هذا الكم من الأبقار، فكل ما يعرفه عنها معلومات نظرية تلقاها بالجامعة، لن تسعفه كثيرا في التعامل مع الأبقار .. شكا للمستورد، فطمأنه أنه سيكلف ابنه أن يقوم بإدارتها ريثما يحضر أبو مروان ..

وصلت الشاحنتان الى المزرعة بعد منتصف الليل بساعتين .. وتم تنزيل الأبقار في المزرعة، التي كان بناؤها يثير إعجاب حتى المهندسين المعماريين لما فيه من دراسة لعلاقة المكان بما خصص له، فهنا مخزن العلف الخشن وهنا مخزن العلف المركز، وهناك مرابط الأبقار حيث درست المسافة بعناية، بين واحدة وأخرى ووضع حاجز من أنبوب صلب بين كل بقرتين واستحدث مجرى خلف الأبقار بعمق غير مضر للبقرة، ولكنه يسمح لبول الأبقار أن يجري فيه دون تلويث المكان، وهناك ممر أمامي يسمح للسايس بأن يتجول بحريته من أمام الأبقار لكي يقدم لها الأعلاف ..

لم تغمض له جفن، فكل فترة يوقظ ابن المستورد ويخبره بأن بقرة قد أخرجت صوتا كأنها متضايقة، جاراه ابن المستورد ثلاث مرات، ثم طمأنه بأن الأمر اعتيادي وطلب منه النوم وعدم إيقاظه مرة أخرى ..

وصل أبو مروان بعد ثلاثة أيام من وصول الأبقار، وغادر ابن المستورد المزرعة، وكان صاحب المزرعة الذي بدا عليه التعب من السهر لا يفارق المزرعة نهائيا، اكتشف أبو مروان أهمية ندرته ـ على الأقل في دائرة معرفة صاحب المزرعة ـ وكان قد حدد معه راتبا يعادل ما يتقاضاه خريج جامعي مرة ونصف .. ولكنه بادر لحظة وصوله في طلب زيادة الراتب حتى أصبح ضعف ما يتقاضاه خريج ..

ولدت أول بقرة، وفرح صاحب المزرعة بتلك الولادة أكثر مما فرح بولادة أول أطفاله.. استأذن أبو مروان الغياب عدة ساعات، فعاد ومعه أثاث بيت كامل ومجموعة من الأطفال و حوالي ثلاثين خروفا والكثير من الدجاج البلدي والديك الرومي والإوز وغيره .. لم يعترض صاحب المزرعة الذي ما زال ببقايا فرحة المولود الجديد من العجول ..

كان طول أبو مروان حوالي المترين ومع ذلك كان ينتعل حذاءا بكعب عال، وكان عندما يريد صاحب المزرعة أن ينطلق بسيارته لمشوار اقترحه عليه أبو مروان، يعتمر حطة بيضاء على رأسه ويلبس ملابس (مكوية)، وكانت الحطة البيضاء تتناسب مع أسنانه البيضاء العريضة والطويلة ووجهه الوردي، والذي كان يبدو بهيئته تلك كأنه أحد المتقدمين لتمثيل دور عميل إنجليزي في فلم عربي وثائقي ..

كان يبدو صاحب المزرعة، الذي يتوجب أن يكون الشخصية المحورية في كل النشاطات الخاصة بالمزرعة، شخصية ثانوية الى جانب السايس أبو مروان، وكان ذلك يحدث في الزيارات الخارجية لتمشية شؤون المزرعة، فكان المتكلم والمفاوض هو أبو مروان، وصاحب المزرعة يستمع وينفذ ويقود السيارة بالسايس .. حتى من كان يزور المزرعة، يكون في ضيافة أبي مروان ..

تضاعفت كميات الحيوانات التي يملكها أبو مروان داخل المزرعة، حتى غدت أبقار المزرعة هي الأخرى ثانوية بالنسبة لممتلكات أبي مروان .. وإن جاءت سيارة (برسيم أخضر) تجمعت عليها في البداية حيوانات أبي مروان وما يفضل منها يقدم للأبقار ..

أحضر أبو مروان عاملا من العمال العرب الوافدين دون أن يشاور صاحب المزرعة، وهمس بأذن صاحب المزرعة قائلا : إنه عامل لقطة وأجرته قليلة حيث لا تزيد عن ربع أجرتي، وكما ترى فإن عمل المزرعة زاد والأبقار قد اكتملت ولاداتها، فكان لا بد من أن يكون معي من يساعدني، لم يعترض صاحب المزرعة كعادته ..

بعد خمسة شهور، حضر صاحب المزرعة ولم يحس به من كان فيها، فسمع صوت رجاء و مسكنة من العامل العربي الوافد، حيث كان يطالب أبا مروان بإعطائه بعض رواتبه لتحويلها الى أهله، وكان أبو مروان يأخذها من صاحب المزرعة لكي يسلمها لأجيره، ولكنه كما يبدو لم يعطيه شيئا، فعندما اقترب صاحب المزرعة منهما وجد العامل العربي يقبل حذاء أبي مروان ويشبك يديه بساقه .. فار الدم برأس صاحب المزرعة وأخذ يخطط للتخلص من أبي مروان..

في اليوم الثاني أحضر بعضا من أقاربه ومعهم أسلحتهم، وجعلهم بعيدين عن المكان قليلا تحسبا لأي طارئ، وأمره على الفور بإحضار سيارات والخروج من المزرعة دون تأخير ..

انصاع أبو مروان للأوامر بعد رجاء لم يفده، ولكن أقارب صاحب المزرعة بقوا يتناوبون على حراستها مدة أسبوع تحسبا من عمل تخريبي قد يتسلل أبو مروان ليلا ليسمم الأبقار.. لكن ذلك لم يحدث ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس