ولمواجهة آثار التضخم فقد قامت حكومات كل من السعودية و قطر و عمان و الإمارات برفع الرواتب من حوالي 15% الى 70%. على المدى القصير فان هذا قد يساعد الموظفين الحكوميين, و لكنهم سوف يزيد من التضخم و لن يفيد في التعامل مع المشاكل الاقتصادية الهيكلية.
ان العمالة الأجنبية التي تميل الدول العربية الى الاعتماد عليها بشكل متزايد بسبب أجورهم القليلة و إنتاجيتهم العالية و التي تفوق مواطني هذه الدول أصبحوا يظهرون إشارات من عدم السعادة و عدم الرضا عن المعاملة السيئة التي يعاملون بها.
ان العمال الأجانب الذين يشكلون ما بين 80% - 95% من العمالة في القطاع الخاص في الدول الخليجية الصغيرة, قاموا بعدد من الاضطرابات في الشهور الأخيرة في البحرين والإمارات للاحتجاج على التضخم, الذي يؤدي الى إضعاف مداخيلهم. و في دول الخليج التي يشكل فيها الأجانب ما يقرب من 40% من سكانها فإن مثل هذا الاضطراب يمثل نذير شؤم.
في هذه الأثناء, فإن أغنياء المنطقة قد ازدادوا غنى من خلال قدرتهم على الدخول الى أرباح النفط المفاجئة , سواء أكان ذلك بشكل قانوني أو غير قانوني. لقد أصبحت ثروات الأغنياء بالملايين بينما ازداد الفقراء فقرا وهو ما رفع أعداد غير القادرين على تحمل نفقات الزواج.
ان عملية ضخ المال بشكل كبير وعدم التحكم فيها يؤدي الى خلق عدم توازن اجتماعي خطير. ان الناس يأملون في أن تؤدي عوائد النفط في التخفيف من مشاكلهم الاقتصادية و لكنهم وجدوا أن كما كبير من هذه الأموال قد تم سحبه نحو الفساد و تم توجيه النقود خارج البلاد الى حسابات خاصة وتم دفع الكثير منها على نواح كمالية أو مشاريع عسكرية أو أنها ببساطة أهدرت.
ويجب أن يتم استحضار أسوأ قضية تتعلق بالطفرة النفطية في الشرق الأوسط. فتحت حكم الشاه محمد البهلوي حاولت ايران استعمال تدفق عوائد النفط بعد ارتفاع الأسعار عام 1973 لبناء مصانع جديدة, و التقليل من نسبة البطالة و القيام بتحويل الاقتصاد و العمل على تحديث المجتمع.
على الورق, بدت جهود الشاه متنورة بشكل عظيم. و كما في الدول العربية اليوم , فان المؤشرات الكلية للتطور الإيراني – حصة الفرد من الناتج المحلي و التعليم و الاستثمار الأجنبي بدت هائلة.
و لكن تم إساءة إدارة المشاريع و استشرى فيها الفساد. و قد أصبح أزلام الشاه أغنياء بشكل كبير و لكن محنة الإيراني العادي ازدادت بسبب أن البطالة اقترنت بتضخم عظيم. و عوضا عن حل المشاكل في ايران أثار ازدهار النفط الثورة الإيرانية.
ويبدو أن بعضا من زعماء المنطقة قد استفادوا من هذا الدرس. فالملك عبد الله ملك السعودية يواصل إظهار قبضة قوية على مصالح بلاده طويلة المدى. وقد قام بضخ المال في المدن الاقتصادية و التي سوف تكون "مراكز للتميز" من اجل اجتذاب نوع من الاستثمار المفيد و الذي و على مدار الوقت يمكن أن يتجاوز مشكلة كساد العمالة السعودية. و هو يقوم كذلك بإنشاء جامعة الملك عبد الله حيث يعمل على إحضار أساتذة من مختلف دول العالم من أجل تطوير منهج يركز على العلوم و التكنولوجيا و الإبداع.
و لكن حتى هنا فان هناك ناحية مظلمة : ان الملك عبد الله في سن 83 ومن غير المتوقع أن يكمل ولي عهده مثل هذه المشاريع بنفس هذا التصميم على التطور.
كيف يمكن للمنطقة ان تتجنب هذا ؟
بداية, ان هذه الأموال بحاجة الى التحول من الصناعات ذات الكثافة الرأسمالية العالية التي تضمن ربحا سريعا للمستثمرين الى تمويل صناعات ذات كثافة عمالية عالية يمكن أن تزيد عمليات التوظيف و من شأنها تطوير قوة عمالة أكثر قدرة.
و على بعض المستويات, فان هذا يعني التفكير في الاستثمار الإقليمي كشكل من إعادة توزيع الثروة و الهندسة الاجتماعية و العمل الخيري.
بالطبع فان آثار هذه الأعمال لن تظهر سريعا على المدى القصير, و لكن اذا كان أولئك الذين يديرون هذه الأعمال حكماء بما فيه الكفاية فإنهم بالتأكيد سوف يحصلون على جوائز سياسية في السنوات المقبلة, إن الجوائز السياسية سوف تكون مهمة لأنها سوف تجعلهم يتجنبون الإقصاء على يد الجماهير الغاضبة.
ان تفادي مثل هذه الثورات الداخلية و إزالة الكثير من الغضب و الياس الذي يصلي الإرهابيون و المتطرفون للحصول عليه سوف يكون هدية كبيرة للعالم الذي سوف يبقى مدمنا على نفط الشرق الأوسط و بالتالي سوف يكون معرضا للتأثر بتقلباته لعدة عقود قادمة.