لحظية الفردانية المتفكرة
لحظية الفردانية المتفكرة
أن نصادف في مشهدٍ من المشاهد السياسية الراهنة تماثلاً في ردَّات أفعال الأفراد في تقييمهم للمشهد أو اتخاذ موقفٍ لفظي منه، حتى يتهيأ لنا بأن هناك موقفاً جماهيرياً متشابها وعاماً سيؤدي دوره في إكمال مشوار الاحتجاج الى نهاياته المطلوبة لكنه يحتاج لوقت فقط، فإن هذا التهيؤ فيه من المغالطة ومجانبة الحقيقة ما فيه.
تتشابه مشاعر الأفراد في التقزز من رائحة كريهة والابتعاد عنها حتى لو كان هؤلاء الأفراد على خصومة وخلاف فيما بينهم، أما تشابههم في الاعتراف بالشيء الجيد فإن اعترافهم به سيكون على درجات، منها ما يُعبَّر عنه بالمديح المُبالغ فيه، ومنها ما يكتفي بقول كلماتٍ بسيطة ك (لا بأس به)، ومنها ما يكون الاعتراف بهذا الشيء الجيد مشروطاً، وآخرها عدم الاعتراف بجودة هذا الشيء حتى لو كان في داخل المعني غير ذلك.
عندما تتجمع آراء الناس في تعبيرها عن عدم رضاها من نظام سياسي، نتيجة غياب العدل وتفشي الفساد وانخفاض أداء الدولة على مستويات مختلفة من سياسية الى اقتصادية الى غيرها، فهذا أمر طبيعي يندرج تحت اسم (الفردانية المتفكرة Reflexive individualism)، حيث يرى كلُّ فردٍ من الأفراد بأنه اكتشف رداءة نظام الحكم وفساده منذ زمن، وأنه قد آن الأوان للصراخ في وجهه، ولا يكتفي الفرد بذلك بل يصوغ منهجه أو خطوط منهجه في شكل المستقبل القادم ويلخصها: بإطلاق الحريات ومحاربة الفساد وعدم استبعاد الآخر وعدم الاستحواذ بالسلطة واتخاذ القرار والمواطنة قبل الفئوية الخ
ورغم جمالية طروحات الأفراد والجماعات، فإنهم ومنذ تحقيق أول انتصار لهم، حتى لو كان هذا الانتصار غير ناجزٍ وواضح، فإن الفرد سرعان ما يرتد عن حالة الانصهار في المجموع المنضوي تحت (الفردانية المتفكرة)، فيعود الى جماعته: حزب، عشيرة، مدينة، إقليم، الخ ويترجم أدائه الانتخابي في ذلك (الانتخابات في مصر وتونس وليبيا مثال لذلك).
قد يكون السبب في ذلك التصارع بين ولاءات الفرد غير الواضحة بين ولاءه الطبيعي وولاءه الصناعي، فابن العشيرة وابن الطائفة الدينية وابن الإقليم وابن العرق هو ابن طبيعي لتلك التجمعات، في حين ابن الوطن أو ابن التوجه الفكري هو ابن صناعي لتلك المجموعات خصوصاً عندما يكون الفضاء الذهني والإعلامي يُرشح عدم ثبات حدود الوطن والتبشير بتقسيمه، ويحذر من تسيّد طائفة أو عرق على المشهد (السودان، العراق نموذجين)..
من هنا فإنه لتجاوز لحظية (الفردانية المتفكرة)، يتوجب على الفصائل والأفراد التهيؤ لتحضير فكرٍ جبهوي شامل يوظف طاقات المعترضين لتوصيل نشاطاتهم لتغيير أشكال الحكم، مع الحفاظ على حدود الوطن، لا بل التبشير لفكر وحدوي يوظف النشاطات للتقدم نحو مشاريع وحدوية قابلة للتنفيذ، وإغلاق المنافذ أمام المتصيدين من الأجانب لحرف مسار الانتفاضات الشعبية وتحويلها لتدمير الدول وصنع مناخ اقتتالي دائم في كل دولة.
__________________
ابن حوران
|