من ذكريات طفولتي وشبابي صوت كنت أنتظره دائما هو صوت المسحراتي في رمضان. ربما اندثر هذا الدور مع الوقت ومع التطور التكنولوجي ، وتوسع المدن ، وربما تحول هذا الصوت إلى مصدر إزعاج لبعض النائمين ، وربما لم تعد هذه المهنة ( إذا كان من الممكن تسميتها كذلك) تلبي الحاجات المعيشية لمن يقوم بها ، خاصة وإنها موسمية إذا جاز التعبير، إلا إنها تذكرنا بماض جميل وببساطة نفتقدها. إنها من التقاليد الرمضانية التي يحن إليها من عرفها، مثلها مثل مدفع رمضان.
المسحراتي لمن لا يعرف هو رجل يطوف في الشوارع ضاربا على الطبلة ، يوقظ الناس من نومهم قبيل صلاة الفجر وينبههم لأوان السحور والصلاة ؛ لذلك ترتبط نداءاته بهذين الأمرين . من هذه النداءات : يا نايم وحد الدائم... قوموا على سحوركم خلوا النبي يزوركم... طبعا هناك العديد من النداءات المتنوعة التي يجود المسحراتي في ابتداعها وغنائها وكثير منهم يتمتعون بروح النكتة ويتفننون في صياغة ما يمتع سكان الحي وينال استحسانهم.
بدأت مهنة المسحراتي ( كما يقال)في مصر أيام الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي أصدر أوامره بأن ينام الناس باكرا ، وكان جنوده يمرون على المنازل ويدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور . وفي بغداد أصبح المسحراتي أو الطبال حرفة أيام الخلافة العباسية ، وقد ابتكر البغداديون فن القومة الذي اختص بالغناء في سحور رمضان... منذ ذلك الحين أصبح المسحراتي جزءا من تقاليد رمضان تجده في كل البلاد العربية والإسلامية تقريبا.
كان المسحراتي فيما مضى يورث إبنه هذه المهنة ، وكانت علاقته بأهل الحي وثيقة بحيث أنه غالبا ما كان ينادي على الناس كل باسمه، ويزورهم في بيوتهم حيث يقدمون إليه بعض الأطعمة .أما يوم العيد فكان يدور على المنازل مع طبلته يعيد على الناس الذين يعطونه العيدية من المال والهدايا والحلويّات التي استحقها بعد تعب شهر كامل ويبادلونه عبارات التّهنئة بالعيد السّعيد..
ولعل الشاعر فؤاد حداد من خلال شعره والمطرب سيد مكاوي من خلال غنائه هما من أسبغا على المسحراتي سحرا خاصا . اخترت هذه المقاطع التي أحبها كثيرا .
وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال
حبيت ودبيت كما العاشق في ليالي طوال
وكل شبر من بلدي حتة من كبدي حتة من موال
أو هذا المقطع:
مسحراتي قولو والله زمان
منقراتي وادي نقره كمان
طوال السنه في حيكم هيمان
قولوا العوافي يللي قلبك وافي