في الماضي غير البعيد، دأبت النسوة في الريف، على الاستفادة من كل ما حولهن من مواد متواضعة، كالجلود والريش والعظم والقش، فيصنعن منها الكثير من الأواني المنزلية أو قطع للزينة يتم تعليقها في صدر الغرفة.
من القش، كانت النسوة تصنع أواني لنقل الحبوب أو حفظ الخبز والبيض أو لتنقية بذور الحبوب من الشوائب، وكل آنية تأخذ اسمها من استعمالها أو شكلها، ف (المرجونة: هي إناء من القش يتسع لحوالي عشرة كيلوغرامات من الخبز) و (القبعة) هي إناء يتسع لحوالي خمسين بيضة، و(المغمقان) هو إناء مخروطي مقلوب، يتسع لأكثر من صاع من القمح أو العدس، وهكذا.
كانت النسوة تتفنن في صناعة أطباق القش التي تعلق للزينة في صدر الغرفة، وكانت المرأة ترسم نقوش الطبق في مخيلتها قبل البدء في عملها به، ثم تذهب الى أكوام القمح المحصود وتنتقي أعناق السنابل الطويلة، وتنقعها بالماء وتضيف بعض الصبغات الملونة.
كانت البداية، من أهم الخطوات التي تتوقف عليها جودة العمل ومتانته، حيث كانت المرأة تعقد عيدان القش المنقوعة بطريقة لا تخلو من مهارة متراكمة، ثم تتناول عودا بعد آخر، وبألوان متناغمة ومتناظرة، ملتزمة بشكل الرسم المحفوظ بالمخيلة، وعندما تنتهي من العمل تصنع عروة من القش ليعلق هذا العمل الفني الشعبي في صدر غرفة الجلوس.
كانت تلك الأعمال لها دلالاتها المستترة، فقد تكون سببا في اجتذاب الخاطبات لبنات الأسرة، وقد تكون ملهاة عن الغيبة، لانشغال النسوة الزائرات بالتأمل بتفاصيل اللوحة.
ما ذكرني بتلك المسألة، هو ما يدور من حولنا من أعمال مختلفة تتشابه مراحلها مع مراحل عمل الطبق، فمشاريع فكرية تنهار، ودول تتحطم، ومؤسسات اقتصادية كبرى تهوي، وعلاقات عاطفية تنتهي للخصام.
وقد يكون سببها عدم الالتزام بالرسم المحفوظ في المخيلة، أو أن (البدوة) كانت محبوكة حبكا غير متين، فانفرط ما بعدها من صفوف!
ليس زمنا بعيدا يا صديقي
بل قد كان قريبا حتى انقطع المطر
وعم القحط والجفاف
وغابت سنابل القمح عن اراضينا
وبالتالي غاب القسل والقش
وغابت المقاطف وغاب بدوة
كلماتك اعادتني الى ذكريات موغلة في القدم
ومستغرقة في العمق
حين كنا اطفالا
وكان لكل شيء نكهة خاصة
بالذت اجتماع النسوة وطقوس التكاثف والمساعدة
والفنون النسوية المشتركة
اخي ابن حوران
استثرت التراث العتيق في نفسي
فشكرا بقدر كل حرف جميل خططته في معزوفتك الريفية الاردنية
__________________
كيف استر الدمع في عيونٍ عرايـــــا
وسحاب الألم لا يترك في العمر ورقة إلا ويرويها بالشقاء
أنّى للدموع الاختباء والفؤاد جريح
والنزيف سنين من عمرٍ صار خراب
فيا دمعاتي الحوارق هونا على الخدود حرّقها لهيبك
وهونا على العمر صار يجر الخراب وهو في بواكير الصبا