http://www.alquds.co.uk/index.asp?fn...&storytitle=ff
مالك التريكي
yesterday's story
في البداية قدر دونالد رمسفيلد تكاليف غزو العراق بأنها تتراوح بين خمسين وستين مليون دولار، وعندما تجرأ المستشار الاقتصادي للرئيس بوش لاري ليندسي علي القول بأنها قد تبلغ مئتي مليار دولار، رد رمسفيلد أن هذا هراء .
ثم عوقب ليندسي بالفصل من وظيفته رغم أن واشنطن اضطرت بعد ذلك، عام 2005، إلي الاعتراف بأن هذه التكاليف لا تقل عن خمسمائة مليار دولار، إلا أن هذا الرقم بدا منخفضا جدا لجوزيف ستيغليتز الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد وليندا بيلمس أستاذة الاقتصاد في جامعة هارفارد فأجريا بحثا كانت نتيجته نشر تقرير في بداية 2006 قدرا فيه تكاليف الحرب بما يتراوح بين ترليون (ألف مليار) وترليونيْ دولار.
أما الرقم الجديد فإنه ثلاثة ترليون دولار، حيث أن عنوان كتابهما الذي صدر حديثا وأثار كثيرا من الجدل هو: حرب الترليونات الثلاثة: التكلفة الحقيقية لحرب العراق . ورغم ضخامة هذا الرقم فإن الكاتبين يؤكدان أنه أشد الأرقام التي توصلا إليها تحفظا لأن التكلفة الأقرب إلي الواقعية هي حوالي خمسة ترليون دولار! علما بأن الدولة الأمريكية لا تنفق علي مغامرة الاحتلال هذه من أموالها بل إنها ماضية في تمويلها بأكملها من القروض التي سوف يتعين علي الأجيال المقبلة أن تسددها بفوائدها.
غير أنه لا يزال، بعد كل هذا، من الساسة والإعلاميين الأمريكيين من يجادل ويماري ليس استماتة في الدفاع عن الحرب فحسب، بل وفي محاولة الإقناع بأنها حرب غير مكلفة، بل رخيصة رخص التراب . فمِن قائل إن الكاتبيْن أدخلا في حساباتهما نفقات لا تحتسب عادة في نفقات الحروب، مثل تكاليف الرعاية الصحية لقدامي المحاربين، وأسعار الفائدة علي قروض تمويل العمليات العسكرية وأثر الحرب علي ارتفاع أسعار النفط. ومِن قائل إن الطريقة التي يُعتدّ بها في احتساب تكاليف الحروب هي نسبة نفقات الدفاع إلي إجمالي الناتج الوطني، وإذا اعتمدت هذه الطريقة مقياسا تبين أن حرب العراق ليست باهظة إلي حد بالغ. فنسبة نفقات الدفاع من 2005 حتي 2007 هي، حسب الإحصائيات الرسمية، في حدود 4 بالمائة. وهذه نسبة متدنية تماثل نسبة نفقات الدفاع في أوائل التسعينيات عندما كانت الولايات المتحدة تنعم بجني أرباح السلام الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفييتي، علما بأن النسبة كانت أكبر من 6 بالمائة في منتصف الثمانينيات، قبيل نهاية الحرب الباردة، وأنها تجاوزت 9 بالمائة في أوج حرب فيتنام. ومن مذكّر بأن عجز الميزانية في العامين المقبلين لن يتجاوز 3 بالمائة من الناتج الوطني، وهذه نسبة ضئيلة أين منها نسبة 3 بالمائة التي سجلت أثناء الحرب العالمية الثانية. بل إن هنالك من تطوع باحتساب تكاليف السيناريو المضاد للوقائع، أي الاستمرار في احتواء نظام صدام حسين وتحجيمه بدل شن العدوان، فتمكن بقدرة قادر من الاستنتاج بأنها قد تكون قريبة من التكاليف الفعلية لهذا الاحتلال المستمر! أما ظرفاء القوم فقد انتقدوا الكاتبين علي عدم احتسابهما لأرباح الحرب ومنافعها، فرد عليهم ستيغليتز: حسنا، ها إننا قد احتسبنا التكاليف، فلتشرحوا لنا أنتم مسألة الأرباح.
والواقع أن هؤلاء قد سبق لهم أن شرحوا، بعد الاضطرار لترديد اللازمة المعروفة عن نعمة قصف الديكتاتورية بوابل من الديمقراطية، أن احتياطي النفط العراقي الثابت هو 115 مليار برميل، أي أكثر من خمسة أمثال الاحتياطي الأمريكي.
وقد يكون لدي العراق، حسب تقديرات مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك، 220 مليار برميل إضافية (بل 300 مليار برميل حسب مصادر أخري) لم تكتشف حتي الآن بسبب محدودية أعمال التنقيب، حيث لا توجد في البلاد سوي ألفي بئر بينما يوجد مثلا في ولاية تكساس لوحدها مليون بئر.
وإذا كانت هذه التقديرات قريبة من الواقع فإن هذا يعني، كما يقول الباحث جيم هولت، أن قوات الاحتلال الأمريكي تسيطر الآن علي ربع موارد النفط العالمية، وأن قيمة النفط العراقي هي، بأسعار اليوم، في حدود ثلاثين تريليون دولار.
من هذا المنظور يصبح من الصعب اتهام حزب الحرب الأمريكي، بأنه مخطئ في حساباته. ذلك أنه في وسع هذا الحزب الإجرامي، بل وفي وسع كامل المركّب الصناعي العسكري الذي حذر الرئيس أيزنهاور في خطابه الوداعي قبل أكثر من نصف قرن من خطره علي الولايات المتحدة، أن يردّ بأن خراب الاحتلال إنسانيا وماديا إنما هو استثمار باهر علي المدي البعيد لأن معدل عوائده لن يقل حتي في أسوأ الحالات (وهل أسوأ مما تنبأ به ستيغليتز وبيلمس؟) عن خمسمائة بالمائة!
ولهذا فقد أصاب من وصف هذه الحملة الامبريالية العجيبة بأنها مغامرة احتلال جنوني سرعان ما تحول إلي تمرين في التوازن البهلواني بين خسارة الحرب وغنيمة النفط.