من كتاب النظرات
لمصطفى لطفي المنفلوطي ___________________
فما زال الدين واضح المنهج قائم الحجه ، وما زالت ايات الكتاب ومتون الاحاديث سائغه هنيئه ، لا يلحقها الريب ولا يحيط بها الشك ولا تطير بجنباتها الاوهام والظنون ، حتى جهل علماء الدين والادب ، ففسدت أذواقهم ، وضلت افهامهم فكثر بينهم التأويل والتخريج ، ووهت تلك العقده الوثيقه بين الالفاظ والمعاني ، واسترخت عراها من ايديهم فاصبح كل لفظ في نظرهم محتملا لكل معنى ،
حتى ما يأبى احدهم على الاخر شيئا ، وتهافت ذلك الحاجز الحصين الذي كان قائما بين الحقيقه والمجاز ، والحفيفه والخيال ،
فبغى بعض الكلم على بعض ، وعاث كل منها في تربة صاحبه اقبالا وادبارا ، وجيئه وذهابا وصعودا ونزولا ، فاستطاع الواغلون في الدين والناصبون له إن يدخلوا عليه من الاحاديث المنحوله الغريبه في اساليبها ومناهجها عن مناهج العرب واساليبهم ما لا يضبطه الحساب كثرة ‘ فهلكت الامه بين هذا وذاك هلكا لا تزال تتجرع كأسه المريره حتى اليوم